القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

رمضان والإعجاز القرآنى ” الجزء العاشر”

93

 

إعداد / محمـــد الدكــروى

 

ونكمل الجزء العاشر مع رمضان والإعجاز القرآنى، وقد توقفنا مع إعجاز القرآن فى ألفاظه التى تفى بحق كل معنى فى موضعه،لا ينبو فيه لفظ فيقال إنه زائد، ولا موضع يقال إنه يحتاج إلى لفظ ناقص، ثالثا فى ضروب الخطاب التى يتقارب فيها أصناف الناس في الفهم بما تطيقه عقولهم، فيراها كل واحد مقدرة على قدر عقله، ووفق حاجته، ورابعا فى إقناع العقل وإقناع العاطفة بما يفى بحاجات النفس البشرية تفكيرا ووجدانا، في تكافؤ واتزان، فلا تطغى قوة التفكير على قوة الوجدان، ولا قوة الوجدان على قوة التفكير، وقد قال القاضي أبو بكر الباقلانى والذى يشتمل عليه بديع نظمه المتضمن للإعجاز وجوه منها ما يرجع إلى الجملة وذلك أن نظم القرآن على تصرف وجوهه، واختلاف مذاهبه، خارج عن المعهود مِن نظام جميع كلامهم، ومبايِن للمألوف من ترتيب خطابهم، وله أسلوب يختص به ويتميز فى تصرفه عن أساليب الكلام المعتاد وذلك أن الطرق التي يتميز بها الكلام البديع المنظوم تنقَسم إلى أعاريض الشعر على اختلاف أنواعه. 

 

ثم إلى أنواع الكلام الموزون غير المقفى، ثم إلى أصناف الكلام المعدل المسجّع، ثم إلى معدل موزون غير مسجّع، ثم إلى ما يرسل إرسالا فتطلب فيه الإصابة والإفادة، وإفهام المعاني المعترضة على وجه بديع، وترتيب لطيف، وإن لم يكن معتدلا في وزنه، وذلك شبيه بجملة الكلام الذي لا يتعمل فيه، ولا يتصنع له، وقد علمنا أن القرآن خارج عن هذه الوجوه، ومبايِن لهذه الطرق، ويبقى علينا أن نبين أنه ليس مِن باب السجع، ولا فيه شيء منه، وكذلك ليس من قَبِيل الشعر لأن من الناس من زغم أنه كلام السجع، ومنهم من يدعى فيه شعرا كثيرا، فهذا إذا تأمله المتأمل تبين بخروجه عن أصناف كلامهم، وأساليب خطابهم أنه خارج عن العادة، وأنه معجز، وهذه خصوصية ترجع إلى جملة القرآن، وتميز حاصل فى جميعه، ومنها أنه ليس للعرب كلام مشتمل على هذه الفصاحة والغرابة، والتصرف البديع، والمعانى اللطيفة، والفوائد الغزيرة، والحكم الكثيرة، والتناسب فى البلاغة، والتشابه فى البراعة، على هذا الطول وعلى هذا القدر. 

 

وإنما تنسب إلى حكيمهم كلمات معدودة، وألفاظ قليلة، وإلى شاعرهم قصائد محصورة يقع فيها من الاختلال، ويعترضها من الاختلاف، ويشملها مِن التعمل والتكلف والتجوز والتعسف ما يمكن بيانه، وقد حصل القرآن على كثرته وطوله متناسبا في الفصاحة على ما وصفه الله تعالى به، فإن هذه الحقائق عندما تعيش في وجدان المسلم، ويتربى عليها، يكون انقياده لشريعة الله المنزلة فى كتاب الله انقيادا تاما مستوليا على كل شخصيته، ويعد نفسه متعبدا إلى الله تعالى خالقه بكل تكليف، وكل أمر، وكل نهى يرد فى القرآن أو في سنة النبى صلى الله عليه وسلم يقف منه الموقف المذعن للأمر بالائتمار، وللنهى بالانتهاء، وهكذا إذا صحت العقيدة كان الأخذ بالتشريع القرآني على مستوى صحة العقيدة، فتصبح كل عبادة مفروضة من صلاة وصيام وزكاة وحج وغيرها من ضروب العبادة مظهرا من مظاهر الصلاح، الذى ينعكس أثره على المجتمع فى مجموعه، والدولة فى نظامها، فالقرآن الكريم هو كلام الله سبحانه وتعالى، الذى تكلم به على الحقيقة.

 

سواء أكان من حيث حروفه أو معانيه، المنزل على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، عن طريق السماع فقد سمعه الملك جبريل عليه السلام من الله تعالى، وسمعه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، من أمين الوحى جبريل، وسمعه الصحابة الكرام رضي الله عنهم، من النبي صلى الله عليه وسلم، ويُعد القرآن الكريم كتاب الدين الإسلامي الباقي الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى لخلقه، فقال الله تعالى فى كتابه الكريم ” ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين ” وهو روح الدين وفيه بيانه، وهو منهج ودستور الأمة الإسلامية، وهو زاد المسلم في حياته، والنور الذي يضيء له دنياه، وقد ذكر العلماء أن للقرآن الكريم العديد من الأسماء والصفات التي ذكرت في نفس القرآن فقيل أن للقرآن الكريم تسعة وتسعين إسما مشتقة من إثنين وسبعين مادة لغوية، وقد ذكر الفيروز آبادي ثلاثا وتسعين إسما للقرآن، وقيل أيضا أن القرآن الكريم له ستة وأربعين إسما، وإن الحكمة من تعدد أسماءه كما قيل أن تعدد أسماء القرآن. 

 

دلالة واضحة على كماله وشرفه فكثرة أسماء الله تعالى الحسنى تدل على عظمته وكماله، وكثرة أسماء النبى صلى الله عليه وسلم، تدل على منزلته ودرجته العالية، وكذلك القرآن الكريم فكثرة أسماءه تدل على مكانته وفضله، وجميع أسماءه وصفاته توقيفية، فلا يجوز وصفه أو تسميته إلا بما جاء فيه عنه، أو ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، في الأحاديث من الأسماء والصفات، وجميع أسماءه بينها اشتراك وتمييز، فهي تشترك فيما بينها بالدلالة عليه، ويمتاز كل إسم منها بدلالته على معنى خاص به، ومن أسماءه وصفاته هو إسم القرآن الوارد في قوله تعالى ” إنه لقرآن كريم ” وأيضا إسم النور الوارد في قوله تعالى ” فآمنوا بالله ورسوله والنور الذى أنزلنا ” وأيضا إسم الذكر الوارد في قوله تعالى ” إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ” وأيضا إسم الفرقان الوارد في قوله تعالى ” تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ” وأيضا إسم الكتاب الوارد في قوله تعالى ” ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ” 

 

وأيضا صفة المبارك الواردة فى قوله تعالى ” وهذا كتاب أنزلناه مبارك ” وأيضا صفة الفصل الواردة في قوله تعالى ” وإنه لقول فصل ” وأيضا صفتى الهدى والرحمة الواردتان في قوله تعالى ” هدى ورحمة للمحسنين ” وأيضا صفة الكريم الواردة في قوله تعالى ” إنه لقرآن كريم” وأيضا صفة الحكيم الواردة فى قوله تعالى ” الر تلك آيات الكتاب الحكيم ” وإن من أهم واجباتنا نحو القرآن، هو أن نعمل بكل ما جاء في القرآن ونتخلق بأخلاقه، اقتداء بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي ” كان خلقه القرآن ” كما فى الحديث الذى رواه مسلم، وقال الإمام الشاطبى، وإنما كان خلقه القرآن لأنه حكم الوحي على نفسه، حتى صار فى علمه وعمله على وفقه، فكان الوحي حاكما وافقا قائلا وكان هو صلى الله عليه وسلم مذعنا ملبيا نداءه، واقفا عند حكمه فكان صلى الله عليه وسلم قرآنا يمشي على الأرض، أي كان يحرص على تطبيق ما فى القرآن الكريم وقال النووى، وكون خلقه القرآن هو أنه كان متمسكا بآدابه وأوامره ونواهيه ومحاسنه.

 

ويوضحه أن جميع ما قص الله تعالى في كتابه من مكارم الأخلاق مما قصه من نبي أو ولي أو حث عليه أو ندب إليه كان صلى الله عليه وسلم متخلقا به، وكل ما نهى الله تعالى عنه فيه ونزه كان صلى الله عليه وسلم لا يحوم حوله، فإن القرآن الكريم نزل للعمل به، لا ليوضع على الرفوف أو يلف في حافظة من ذهب للذكرى أو يعرض في المتاحف بطبعة فاخرة باهرة، وفى ذلك يقول الفضيل رحمه الله إنما نزل القرآن ليُعمل به فاتخذ الناس قراءته عملا، فقيل كيف العمل به؟ قال ليحلوا حلاله، ويحرموا حرامه، ويأتمروا بأوامره، وينتهوا عن نواهيه، ويقفوا عند عجائبه، ولقد اهتم الصحابة بالعمل بالقرآن الكريم أيما اهتمام، ويقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه كنا نتعلم العشر آيات من القرآن فلا ندعها حتى نعمل بها أو فلا نجاوزها إلى غيرها حتى نعمل بها فتعلمنا العلم والعمل جميعا، فالصحابة كان يفقهون آيات القرآن الكريم ويعيشون معها وكانوا يسارعون إلى طاعة أوامر الله عز وجل واجتناب نواهيه.

قد يعجبك ايضا
تعليقات