القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

رمضان والإعجاز القرآنى ” الجزء التاسع”

97

 

إعداد / محمـــد الدكــروى

 

ونكمل الجزء التاسع مع رمضان والإعجاز القرآنى، وقد توقفنا عند حقيقة حدوث الضيق الشديد لمن يصعد في السماء، ولم تعرف هذه الحقيقة إلا بعد أن صعد الإنسان بالطائرات إلى السماء، فهل كان لمحمد صلى الله عليه وسلم طائرة خاصة به من دون الناس فعرف بها هذه الحقيقة؟ أم إن هذا وحى نزل بعلم الله؟ فإنه حق علينا أن ندعو الناس إلى دين الله تعالى مِن خلال تعريفهم بما في القرآن الكريم من الآيات البينات الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، ومن صورها ما ذكرناه آنفا من صور الإعجاز العلمى في القرآن الكريم التى أذعن لها جهابذة علماء العالم في أنواع العلوم التجريبية والكونية، وكل مسلم عليه أن يبلغ دعوة الله تعالى بقدر استطاعته، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة يوسف ” قل هذه سبيلى أدعوا الله إلى بصيرة أنا ومن اتبعنى ” وكلنا أتباع رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، ولو تأملنا حال الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين مع القرآن الكريم لوجدنا أنهم لم يكتفوا بالقراءة أو الاستماع فقط. 

 

بل قرأوا وتدبروا، فتعلقت به قلوبهم، وارتبطت به نفوسهم، فكانوا يطبقونه قولا وعملا، يأتمرون بأوامره، ويبتعدون عن نواهيه، لذلك بلغوا ما بلغوه من الفضائل والرفعة بفضل العمل بالقرآن الكريم، واستجابة لأوامره، لقد حفظ سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، سورة البقرة في ثماني سنوات ليس لبطء فى حفظه ولكن لأنه كان يحرص على العلم والعمل معا، ويقول أبو عبد الرحمن السلمي رضي الله عنه ” كنا إذا تعلمنا العشر من القرآن لم نتعلم العشر التى بعدها حتى نتعلم حلالها وحرامها وأمرها ونهيها ” وكانت الآية تنزل فيقرأها النبي صلى الله عليه وسلم فتتحول فى التو واللحظة إلى واقع، وكان الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، يفقهون آيات القرآن الكريم ويتعايشون معها وجدناهم يسارعون إلى طاعة أوامر الله عز وجل واجتناب نواهيه، فقد كان الصحابة فى المدينة يشربون الخمر ولم تحرم بعد، فلما دخل صحابي عليهم، وكؤوس الخمر بينهم نزلت آيات النهى عن شرب الخمر ونادى منادى ” ألا إن الخمر قد حُرّمت” 

 

وقرأ عليهم قول الله تعالى من سورة المائدة ” يا أيها الذين أمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ” فلما قرأ الآية عليهم تجاوبوا جميعا مع القرآن والله ما أكمل صحابي جرعة الخمر في يده ما قال نكمل هذه الجرار، وهذه الكؤوس وننتهي لا بل كان من في يده شيء من الخمر رماه، والذي كان في فمه شربة مجّها، والذي كان عنده خمر في أوان أراقها، وكل ذلك هو استجابة لأوامر القرآن الكريم، وقام أنس بن مالك فسكب آنية وجرار الخمر وسكب الصحابة الخمر في الشوارع حتى سالت في طرقات المدينة وامتلأت بها سكك المدينة وقالوا انتهينا يا ربنا، وقالوا على لسان رجل واحد كما قال الله تعالى فى سورة البقرة ” سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ” وكذلك حين نزل قول الله تعالى من سورة آل عمران ” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شئ فإن الله به عليم ” فقام الصحابى الجليل أبو الدحداح إلى أجمل حديقة عنده وأحبها إليه وتصدق بها. 

 

ومن هنا استطاع الصحابة الكرام رضي الله عنهم حفظ كتاب الله لأنه لم يكن بالنسبة لهم مجرد كلمات، بل كان منهجا تربويا سلوكيا إيمانيا ظهر في تعاملاتهم فيما بينهم، بل ومع غيرهم، ويقول الله تعالى فى كتابه العزيز فى سورة طه ” قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدوا فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمي ” فقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في هذه الآية أنه تكفل الله تعالى لمن اتبع هدى الله أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، والمعنى هو أن من اتبع الهدى واستقام على الحق الذي بعث الله به نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يضل في الدنيا بل يكون مهتديا مستقيما ولا يشقى في الآخرة بل له الجنة والكرامة، وهدى الله هو ما دل عليه كتابه العظيم وهوالقرآن وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، من فعل الأوامر وترك النواهى، وإن هدى الله هو ما دل عليه كتابه العظيم وهوالقرآن الكريم وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

 

من فعل الأوامر وترك النواهي، وتصديق الأخبار التي أخبر الله تعالى بها ورسوله صلى الله عليه وسلم، والإقامة عند حدود الله عز وجل وعدم تجاوزها، هذا هو الهدى، فاتباع الهدى هو تصديق الأخبار وطاعة الأوامر وترك النواهي والوقوف عند حدود الله، فلا يتعدى ما حد الله تعالى له ولا يقع في محارم الله عز وجل، ومن استقام على هذا طاعة لله تعالى وإخلاصا له ومحبة له وتعظيما له، وإيمانا به وبرسله الكرام، فإنه لا يضل في الدنيا بل هو على الهدى، ولا يشقى في الآخرة بل هو سعيد في الدنيا والآخرة، وأما من أعرض عن ذكر الله تعالى ويعني عن كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولم يتبع الهدى فإن له معيشة ضنكا، والله عز وجل يبتليه بالمعيشة الضنك، وهي ما يقع في قلبه من القلق والضيق والحرج ولو أعطى الدنيا كلها، فإنما يقع في قلبه من الضيق والحرج والشك والريب، وهو العيشة الضنك، وهذا من العقاب المعجل، وله يوم القيامة العذاب الأليم في دار الهوان فى دار الجحيم، ومع هذا يحشره الله أعمى يوم القيامة. 

 

فعلى العبد أن يحذر معصية الله وأن ينقاد لشرع الله وأن يستقيم على هداه، الذي جاء به كتابه الكريم وسنة رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم، وأن يستقيم على الحق أينما كان، فهذا هو اتباع الهدى، والله سبحانه وتعالى هو الموفق لعباده فعلى المسلم والمسلمة الضراعة إلى الله، فكل مؤمن ومؤمنة يضرع إلى الله، ويسأله سبحانه التوفيق والهداية ويجتهد في التفقه في الدين والتعلم والتبصر، فيتدبر كتاب الله ويكثر من تلاوته حتى يستقيم على الأوامر وينتهي عن النواهي، وحتى يصدق أخبار الله عما كان وما يكون، وهكذا يعتني بالسنة، سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، حفظا ودراسة ومذاكرة مع العلماء وطلبة العلم حتى يستقيم على الحق، ويسأل عما أشكل عليه، الذي لا يعلم يسأل أهل العلم ويتبصر ويتفقه حتى يستقيم على هدى، وحتى يكون سيره إلى الله تعالى عن علم بما قاله الله ورسوله، إما بطلبه للعلم واجتهاده في الخير، وإما بسؤاله أهل العلم، كما قال الله سبحانه وتعالى فى سورة النحل ” فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ” 

 

وإن من صدق في الطلب والضراعة إلى الله، واجتهد في ذلك وأخلص لله قصده وابتعد عن مساخط الله، وجالس العلماء وسألهم عما يجهله من دينه، فالله سبحانه يعينه ويوفقه، وأما وجوه الإعجاز التى للقرآن، فلا يحيط بهذه الوجوه إلا منزل القرآن سبحانه وتعالى ومن هذه الوجوه هو الإعجاز اللغوى والبلاغى، والإعجاز فى الإخبار بالمغيبات، والإعجاز العلمى، والإعجاز التشريعى، وأما عن الإعجاز اللغوى والبلاغى، وإن المعجزة هى أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدى، سالم من المعارضة والإعجاز اللغوى هو أحد وجوه الإعجاز الذى هو إعجاز شامل لكل ما في كلمة “إعجاز” من معنى فهو معجز في ألفاظه وأسلوبه، وهو معجز في بيانه ونظمه، يجد القارئ فيه صورة حية للكون والحياة والإنسان، وحيثما قَلب الإنسان نظره فى القرآن وجد أسرارا مِن الإعجاز اللغوى، أولا فى نظامه الصوتى البديع بجرس حروفه حين يسمع حركاتها وسكناتها، ومدّها وغننها، وفواصلها ومقاطعها، ثانيا فى ألفاظه التى تفى بحق كل معنى فى موضعه.

قد يعجبك ايضا
تعليقات