القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

نظرة تأمل مع بلال بن رباح ” الجزء الأول “

106

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

صحابى ومؤذن النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ومولى أبى بكر الصديق، وكان من السابقين إلى الإسلام ومن المستضعفين الذين عذبوا ليتركوا الإسلام حيث كان عبدا لبنى جمح من قريش، فعذبه سيده أمية بن خلف بعدما أعلن إسلامه، فاشتراه أبو بكر الصديق وأعتقه، وقد اشتهر بصبره على التعذيب، وقولته الشهيرة تحت التعذيب “أحد أحد” ولما شُرع الأذان، اختاره النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ليكون مؤذنه الأول، فكان حبشى الأصل، وقيل أنه من مولدى الحجاز، حيث كانت أمه هى حمامة، وكانت أمة لبنى جُمح، وبنو جمح هم بطن من بطون قريش وكان فيهم الإيسار وهو تولية قداح الأصنام للاستقسام، وهم بنو جُمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وهم أخوة لبنى سهم ويشكلون معا بنى هصيص لأنهم أبناء عمرو بن هصيص بن كعب، فهو عبد ابن عبد قيّض الله له الحرية.

فعاش بقية حياته مولى لمن أحسن إليه بالعتق، وهو ليس من ذوى الوسامة فى خلقته والنضارة فى بشرته فهو عبد أسود اللون، نحيف البدن طويل في قامته ولكن لا تعيقنا أوصافه عن الحديث عنه لأنه أبيض القلب والباطن وإن أسود لونه في الظاهر، وهو حسن الخلق وإن قيل ما قيل فى خلقته فهو رجل من أخص الناس بالنبى صلى الله عليه وسلم ومن أسبق الناس إسلاما ثم هجرة ثم هو من أهل الجنة بشهادة النبى صلى الله عليه وسلم له، فكان أبوه رباح، وكانت أمه حمامة وكلاهما من سبايا الحبشة ولد فى مكة ففتح عينيه على الدنيا ليرى نفسه مملوكا لغيره فجهده ضائع، وطاقته لخدمة سيده، فهو عبد لأمية بن خلف الجمحى، أحد صناديد قريش وعتاتهم الذين يجري الشرك فى دمائهم وضربت الوثنية أوتادها فى قلوبهم ولكن هذا لا يضر لأن الله أراد له ولادة أخرى غير ولادة الأم فأراد الله له ولادة من الظلمات إلى النور وحياة بين الميتين أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به فى الناس كمن مثله فى الظلمات ليس بخارج منها.

إنه هو بلال بن رباح القرشى التيمى رضي الله عنه، مولى أبى بكر الصديق رضي الله عنه، وأمهُ حمامة، ويكنى بأبى عبد الرحمن، وقيل بأبى عبد الكريم، وقيل بأبى عمرو، وقيل بأبى عبد الله، وهو من مواليد السراة في أهل الشام، من موالي بني تيم، وقال عنه أبو عمر أن له أخ اسمه خالد، وأخت تسمى غفيرة أو عقرة، وهى مولاة عمر بن عبد الله رضى الله عنه، وكان بلال من السابقين الأولين إلى الإسلام، وكان مستضعفا كونه كان عبدا لبنى جمح، فعذب بلال ليترك دين الإسلام فقد قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه “أول من أظهر إسلامه سبعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمار وأمه سمية وبلال وصهيب والمقداد” فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنعه عمه، وأما أبو بكر فمنعه قومه، وأخذ الآخرون، فألبسوهم أدراع الحديد، ثم صهروهم في الشمس حتى بلغ الجهد منهم كل مبلغ، فأعطوهم ما سألوا، فجاء كل رجل منهم قومه بأنطاع الأدم فيها الماء، فألقوهم فيه وحملوا بجوانبه إلا بلالا، فلما كان العشى، جاء أبو جهل.

فجعل يشتم سمية ويرفث، ثم طعنها، فقتلها فهى أول شهيد استشهد في الإسلام، إلا بلال، فإنه هانت عليه نفسه فى الله حتى ملوه، فجعلوا في عنقه حبلا، ثم أمروا صبيانهم أن يشتدوا به بين أخشبى مكة، فجعل بلال يقول” أحد، أحد” وروى عامر الشعبي أن موالي بلال من بنى جمح كانوا يضجعونه على بطنه، ويعصرونه، ويقولون له قل دينك اللات والعزى، وكان الذى يعذبه أمية بن خلف، فيخرج به إذا حميت الظهيرة، فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة على صدره، ثم يقول لا يزال على ذلك حتى يموت أو يكفر بمحمد، فيأبى بلال ويقول “ربي الله، أحد أحد، ولو أعلم كلمة أحفظ لكم منها لقلتها” فمر أبو بكر الصديق بهم، فاشتراه منهم لما أيسوا أن يردّوه عن دين الإسلام، فاشتراه منهم بأربعين أوقية من فضة، وقيل بسبع أواق من فضة، وقيل بخمس، وقيل بتسع أواق، ثم أعتقه، وقيل اشتراه من مولاه أمية بن خلف بعبد أسود مشرك، وقد هاجر بلال إلى يثرب، ونزل على سعد بن خيثمة.

وآخى النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبيدة بن الحارث بن المطلب، وقيل بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح، وقد شهد بلال مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم غزوة بدر، وقتل يومها أمية بن خلف مولاه السابق الذى كان يعذبه، كما شارك معه فى باقى غزواته كلها، وقد اتخذه النبى محمد صلى الله عليه وسلم مؤذنا لما شُرع الأذان، فكان بلال أول من أذن، وهو أحد ثلاثة مؤذنين للنبي محمد صلى الله عليه وسلم مع أبي محذورة الجمحى وعمرو بن أم مكتوم، فكان إذا غاب بلال أذن أبو محذورة، وإذا غاب أبو محذورة أذن عمرو بن أم مكتوم، ويوم فتح مكة، أمر النبي محمد صلى الله عليه وسلم بلال رضى الله عنه بأن يعتلى الكعبة، ويؤذن فوقها، ففعل، ولقد بدأت دعوة النبى صلى الله عليه وسلم إلى دين الحق فأراد الله ببلال خيرا فكان أول السابقين من العبيد لهذا الدين الجديد وحينها بدأت معركة غير متكافئة بين الحق والباطل، بدأ امتحان صعب بين السيد الذى يفعل ما يقول وينفذ ما به يهدد ولا تخاصم من إذا قال فعل.

والطرف الثاني العبد المملوك بلال فبدأت مرحلة الاستضعاف لا على شيء إلا أن يقول ربني الله فلم يطق ذلك سيده فصار أمية بن خلف إذا حميت الشمس وقت الظهيرة يلقيه في الرمضاء على وجهه وظهره ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتلقى على صدره ويقول لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى أما بلال فهو يقول كلمته التي إذا سمعت ذهب الذهن إلى اسمه كان يقول رضي الله عنه ” أحد أحد ” ويقول عبد الله بن مسعود فى حديث المعذبين في الله قال فأما بلال فهانت عليه نفسه في الله وهان على قومه فأعطوه الولدان يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول ” أحد أحد ” ولكن عاقبة الصبر حميدة ، وله أسوة بإخوانه المعذبين من السابقين إلى الإسلام، بل أسوته قبل كل أحد بالنبى صلى الله عليه وسلم الذى أوذى فصبر فلما بلغ الكتاب أجله في تعذيب بلال رضى الله عنه هيأ الله له فرجا قريبا وعتقا حميدا، فلما رأى أبو بكر الصديق حال بلال، يعذبه سيده وبلال قوى فى دينه لا تزيده الأيام إلا ثباتا ولا شدة العذاب إلا صلابة.

ساوم معذبه على شرائه فاشتراه بأواق معدودة أحصاها الله واختلفت في عدها الرواة، ثم أعتقه، ومن أعتق مملوكا كان فكاكه من النار، وجاء عن عمر رضى الله عنهما أنه كان يقول أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلال، ولما بلغ بلال أن ناسا يفضلونه على أبى بكر فقال كيف وإنما أنا حسنة من حسناته، فدخل بلال بهذا العتق مرحلته الجديدة ليرى نفسه طليقا من قيوده، حرا في تعبده، يغشى مجالس النبى صلى الله عليه وسلم على خوف من قريش وملئهم فالدعوة لا تزال مستضعفة والداخلون في هذا الدين محاربون، ولكن سنة الله أن لا تدوم الحال ولا بد من تمييز الخبيث من الطيب فأذن الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة فهاجر صلى الله عليه وسلم وهاجر أصحابه معه وقبله وبعده فسجل بلال بهذا عملا صالحا آخر له فهو من أوائل المهاجرين فاستوطن المدينة وبدأت الدولة المحمدية تبسط نفوذها وتستجمع هيبنها، والشرائع الإلاهية تتوالى على مشرع البشرية فشرع الأذان فى رؤيا مشهورة حين رأى الصحابى عبد الله بن عبد ربه الأذان فى المنام.

قد يعجبك ايضا
تعليقات