القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

فذكر بالقرآن.. أساس السعادة المطلوبة

122

 

بقلم د/ محمد بركات

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

 

فما أجمله من ذكر وتذكر وتذكير وذكري بالقرآن الكريم ختام الكتب ومنتهي السبل مذكر الناسي ودليل الحيران وهو النجاة والسعادة والستر والهداية.

يقول الله تعالى:

{نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ ۖ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ }(سورة ق، الآية: 45)

 

جاء في تفسير الإمام ابن كثير رحمه الله:

وقوله : ( نحن أعلم بما يقولون ) أي : نحن علمنا محيط بما يقول لك المشركون من التكذيب فلا يهيدنك ذلك ، كقوله [ تعالى ] : ( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) [ سورة الحجر، الآيات : 97 – 99 ] .

 

وقوله : ( وما أنت عليهم بجبار ) أي : ولست بالذي تجبر هؤلاء على الهدى ، وليس ذلك ما كلفت به .

 

وقال مجاهد ، وقتادة ، والضحاك : ( وما أنت عليهم بجبار ) أي : لا تتجبر عليهم .

والقول الأول أولى ، ولو أراد ما قالوه لقال : ولا تكن جبارا عليهم ، وإنما قال : ( وما أنت عليهم بجبار ) بمعنى : وما أنت بمجبرهم على الإيمان إنما أنت مبلغ .

قال الفراء : سمعت العرب تقول : جبر فلان فلانا على كذا ، بمعنى أجبره .

 

ثم قال تعالى : ( فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ) أي : بلغ أنت رسالة ربك ، فإنما يتذكر من يخاف الله ووعيده ويرجو وعده ، كقوله [ تعالى ] : ( فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ) [ سورة الرعد، الآية : 40 ] ، وقوله : ( فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر ) [ سورة الغاشية، الآيتان : 21 ، 22 ] ، ( ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ) [ سورة البقرة، الآية : 272 ] ، ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) [سورة القصص، الآية : 56 ] ، ولهذا قال هاهنا : ( وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ) كان قتادة يقول : اللهم ، اجعلنا ممن يخاف وعيدك ، ويرجو موعودك ، يا بار ، يا رحيم .

 

وجاء في تفسير الإمام الطبري رحمه الله:

القول في تأويل قوله تعالى : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ )

 

يقول تعالى ذكره: نحن يا محمد أعلم بما يقول هؤلاء المشركون بالله من فريتهم على الله, وتكذيبهم بآياته, وإنكارهم قُدرة الله على البعث بعد الموت. ( وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ) يقول: وما أنت عليهم بمسلط.

 

كما حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم. قال: ثنا عيسى, وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ) قال: لا تتجبر عليهم.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ) فإن الله عزّ وجلّ كره الجبرية, ونهى عنها, وقدّم فيها. وقال الفرّاء: وضع الجبار في موضع السلطان من الجبرية; وقال: أنشدني المفضل:

وَيَــوْمَ الحَــزْنِ إذْ حَشَـدَتْ مَعَـدّ

وكــانَ النَّــاسُ إلا نَحْــنُ دِينـا

عَصَيْنــا عَزْمَــةَ الجَبَّــارِ حَـتَّى

صَبَحْنــا الجَــوْفَ ألْفــا مُعْلَمِينـا

 

ويروى: ” الجوف ” وقال: أراد بالجبار: المنذر لولايته.

قال: وقيل: إن معنى قوله ( وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ) لم تُبعث لتجْبُرَهم على الإسلام, إنما بعثت مذكِّرا, فذكِّر. وقال: العرب لا تقول فعال من أفعلت, لا يقولون: هذا خراج, يريدون: مُخْرِج, ولا يقولون: دخَال, يريدون: مُدْخِل, إنما يقولون: فعال, من فعلت; ويقولون: خراج, من خرجت; ودخال: من دخلت; وقتَّال, من قتلت. قال: وقد قالت العرب في حرف واحد: درّاك, من أدركت, وهو شاذّ.

 

قال: فإن قلت الجبار على هذا المعنى, فهو وجه. قال: وقد سمعت بعض العرب يقول: جبره على الأمر, يريد: أجبره, فالجبار من هذه اللغة صحيح, يراد به: يقهرهم ويجبرهم.

 

وقوله ( فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ) يقول تعالى ذكره: فذكر يا محمد بهذا القرآن الذي أنـزلته إليه من يخاف الوعيد الذي أوعدته من عصاني وخالف أمري.

 

حدثني نصر بن عبد الرحمن الأوديّ, قال: ثنا حكام الرازي, عن أيوب, عن عمرو الملائي, عن ابن عباس, قال: قالوا يا رسول الله لو خوّفتنا؟ فنـزلت ( فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ).

حدثنا ابن حُمَيد, قال: ثنا حكام, عن أيوب بن سيار أبي عبد الرحمن, عن عمرو بن قيس, قال: قالوا: يا رسول الله, لو ذكَّرتنا, فذكر مثله.

 

(فذكر بالقرآن من يخاف وعيد)

 

إنه كتاب الله تعالى الذي يخاطب القلب فيخشع، والعين فتدمع، والإذن فتسمع، ولو نزل على جبل لتصدع يقول سبحانه: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(سورة الحشر ، الآية: 21)

، لا ينتفع بمواعظه الجمة، ولا يتدبر معانيه العظيمة، ولا يتشرب آياته الحكيمة إلا من

{كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}(سورة ق، الآية: 37).

، ولذا لما أمر الله سبحانه نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – أن يذكر بالقرآن أو يخوف به؛ ألمح إليه من تنفعه الذكرى بالقرآن فقال: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ}، ثم أشار إلى هذا الصنف المنتفع فإذا هو {مَن يَخَافُ وَعِيدِ}، وإلى هذا يشير الله – سبحانه – في أكثر من موطن فيقول: {إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ}(سورة فاطر ،الآية: 18).، فلا يجد القرآن وقعاً في قلب أحد إلا أولئك الذين {يخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا}

( سورة الإنسان ، الآية: 7).

 

؛ وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قالوا: يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “لو خوفتنا” فنزلت: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ}تفسير الطبري (26/185).

 

قال ابن القيم رحمه الله : “ومدار السعادة، وقطب رحاها على التصديق بالوعيد، فإذا تعطل من قلبه التصديق بالوعيد؛ خرب خراباً لا يرجى معه فلاح البتة، والله – تعالى – أخبر أنه إنما تنفع الآيات والنذر لمن صدق بالوعيد، وخاف عذاب الآخرة، فهؤلاء هم المقصودون بالإنذار، والمنتفعون بالآيات دون من عداهم قال الله – تعالى -: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ} (سورة هود ، الاية: 103).، وقال: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا}(سورة النازعات ، الآية: 45).

 

وأخبر الله – تعالى – أن أهل النجاة في الدنيا والآخرة هم المصدقون بالوعيد الخائفون منه فقال – تعالى -: {وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ}

(سورة إبراهيم ، الآية: 14).

( مدارج السالكين (1/145).

 

قال أحمد بن حمدان: “لا يتعظ لمواعظ القرآن إلا الخائفون على إيمانهم وإسلامهم، وعلى كل نفس من أنفاسهم؛ لأنهم في محل البعد والهلاك”13، وقال بعض السلف: “من لم يعظه القرآن ولا الشيب فلو تناطحت بين يديه الجبال ما اتعظ”.

 

وكان الربيع بن خثيم إذا جن عليه الليل لا ينام، فتناديه أمه ألا تنام، فيقول: يا أماه، من جن عليه الليل وهو يخاف البيات، حق له أن لا ينام، فلما بلغ، ورأت ما يلقى من البكاء والسهر قالت: يا بني لعلك قتلت قتيلاً، فقال: نعم يا أماه، فقالت: ومن هذا القتيل، فلو علم أهله ما تلقى من البكاء والسهر لرحموك، فقال: هي نفسي.

 

وقالت له ابنته: يا أبت ألا تنام؟ فقال: يا بنيه إن جهنم لا تدعني أنام.(حلية الأولياء (2/114).

 

إن مواعظ القرآن تذيب الحديد، وللفهوم كل لحظة زجر جديد، وللقلوب النيرة كل يوم به عيد، غير أن الغافل يتلوه ولا يستفيد {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ}.

 

قد يرعوي المرء يوماً بعد هفــوته ويحكـم الجاهل الأيام والعبر

 

والعلم يجلي العمى عن قلب صاحبه

كما يجلي سواد الظلمة القمر

 

والذكر فيه حياة للقلوب كمـــا

يحيي البلاد إذا ما ماتت المطر

 

اللهم انفعنا وارفعنا بالقرآن الكريم خشوعا وخضوعا وتديرا وهداية ورشادا وسعادة وسرورا.. اللهم آمين.

قد يعجبك ايضا
تعليقات