القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

سيد هويدي: الفن يحتاج إلى الخيال والعمل الصحفي يلزمه وعي

301

– الفن يحتاج إلى الخيال والعمل الصحفي يلزمه وعي .
– كيف تكون فنانا وناقدا في نفس الوقت، خصما وحكما في هذا الاقتراف الذي ندعوه بأحلى أساميه وأعذبها؛ الفن!

حوار- رانيا ضيف

حوارنا اليوم مع شخصية مميزة للغاية، دمج أنواع الفنون في بوتقة واحدة فأثمر أعمالًا فنية مميزة، ذو رؤية خاصة فريدة “سيد هويدى ”
فنان تشكيلى، ناقد فني وسينمائي يكتب عن الفن منذ منتصف الثمانينات في الصحف والمجلات المصرية والعربية والأجنبية
يجد في الفن وسيلة للتواصل مع الناس، ويراهن على أن المصريين يمتلكون جذوة الإبداع في جيناتهم،
عضو المجلس الأعلي للثقافة، لجنة الفنون التشكيلية، مستشار تحرير مجلة الخيال، مدير تحرير مجلة آفاق الانترنت، أول مجلة عربية في مجال الانترنت، والتي صدرت بالكويت، رئيس القسم الفني لإصدار دليل الكويت، مؤسس صفحة جاليري بجريدة روز اليوسف اليومية.
وساهم في العمل العام من خلال، عمله كمدير فنى لقطاع الفنون التشكيلية. والمشرف العام المركز الثقافي بمتحف أحمد شوقي (كرمة بن هانئ). المشرف العام علي إدارة البحوث والنشر، والمشرف العام على مركز سعد زغلول الثقافي، ومديرا عاما للمكتبات، بوزارة الثقافة.
حصل على جائزة صالون الشباب الثالث ( عمل مركب). وجائزة الإبداع من قطاع الفنون التشكيلية عن بحث بعنوان (ثورة الشكل)، وجائزة الشارقة للنقد التشكيلي عن بحث (صراع الهوية في زمن الحداثة).
صدر من الكتب لهويدي كتاب (متاحفنا) والذي يضم 17 متحفا، وكتاب المبشرون الذي يقدم 20 فنانا مصريا اتخذوا من الحداثة منهجا فنيا واتجاه، وكذلك كتاب (صراع الهوية فى زمن الحداثة) وأخيرا كتاب (الفنان سيد عبد الرسول).
قام هويدي بتقديم الحياة الفنية المصرية فى (10) حلقات علي برنامج البوربينت، ويقوم بعرضها فى المراكز الثقافية والمنتديات، والأماكن العامة والمقاهي.
وجاء معرضه (التعويذة 110) بقاعة الباب – متحف الفن المصري الحديث 2019. ثم معرض بكسلة والذي يعد محطة مهمة في حياة هويدي القادم من بعيد والباحث عن تمكين الجمال .

١- ما سر تواجد الماء في أغلب لوحات سيد هويدي
هل ذلك تأثرا بنشأته في بلد ساحلي مثل دمياط أم له دلالة ما ؟

– سر الماء .. يرجع إلى أن نسبة الماء على الأرض تمثل 70% فيما نعيش علي 30% يابس، المدهش أن المتاح لاستخدام البشر 3% فقط، أما عن سر الماء في لوحاتي لأن انتمائي من حيث النشأة إلى محافظة دمياط التي يحيط بها الماء من أغلب حدودها الجغرافية وكأن الماء ضلوع تحميها عبر التاريخ، وليس أدل علي ذلك من قصة أسر لويس التاسع في الحملة الصليبية السابعة عام 1250 بعد حصار جنود الحملة وقادتها في ماء النيل وقطع خطوط إمدادهم، .. فيما سر الماء في لوحاتي هو حب اللون الأزرق بدرجاته علي طريقة الفنان “إيف كلاين” (1928-1962). كما أن اللون الأزرق هو لون الجنة عند المصري القديم .. وإن كان تصورها تحت الأرض وليس في السماء .. لذلك سر الماء هو تناغم مع الكون الذي أحاول فك شفرة رسائله التي يرسلها باستمرار ..

٢- عندما يكون الفنان ناقدا فهو في تحدي مستمر ومعركة دائمة كيف حققت التوازن لتحقق حالة إبداعية مميزة خاصة بك ؟

– كيف تكون فنانا و ناقدا في نفس الوقت, خصما و حكما في هذا الاقتراف الذي ندعوه بأحلى أساميه و أعذبها: الفن! كان حلم التحقق هو جبهة المعركة، و دارت رحى المعركة للكلمة على حساب اللون والظل و الأشكال، حتى كتبت كتاب (هويتنا البصرية) و (ثورة الشكل)، و فهمت أن الكلمة هي الوعي ولكن الموضوع هو اللاوعي، أي الفن كآلة للسفر إلى أدغال ذواتنا .. وفي لحظة تنوير اخترت ألا أسجن أفقي في أقدار الحالات المشابهة، التي نكل – فيها بالفنان / الكاتب بوصفه “نصف فنان” و “نصف كاتب” ، وادعيت التحدي، وأصررت عليه دون أن أعنيه.
.. وقررت امتزاج الحياة الصحفية والثقافة البصرية علي نحو أتاح اتساع الرؤي فأخذت من الصحافة الدقة، ومن الفن القدرة علي التفكير الخيالي الذي يدعو دائما إلى تجاوز الأطر السائدة والمألوف لصالح أرض وفضاءات جديدة.

٣- هل الإفراط في الإدراك في صالح الفنان أم العكس
هويدى نهم القراءة والاطلاع في التاريخ والجغرافيا والفن والأدب واطلع على ثقافات الشعوب وخالطهم علم ماهية الأشياء وحقيقتها هذه الحالة من الإدراك العالي تخدم الفنان أم تورطه ؟

– مبدئيا لن يتحقق فنانا أصيلا دون ثقافة وعمق فكري وفلسفي تأسيسا علي حرية تفكير وحرية تعبير، لذلك التكوين الثقافي والبناء الفكري والعمق الفلسفي ظل شغلي الشاغل في البدايات علي نحو نهم في بيئة تعطي تقديرًا كبيرًا لأهمية السياسة في حياة الفرد دون إملاء باتجاه سياسي معين، تحت مظلة حب كبير للوطن في النفوس خاصة أنه وطن جدير بالحب باعتباره تاريخ طويل مجيد وجغرافيا “فلتة جغرافية” علي حد تعبير “جمال حمدان” في كتابه شخصية مصر .. أما عن سؤال الإفراط في الإدراك في صالح الفنان أم العكس، الفن يجمع في قوامه بين الإدراك للموجودات واللاوعي الذي يستمده الفنان من مخزون بصري ووجداني .. فقد بحثت عن نقطة تعادل تسمح لهذا الثنائي (الإدراك واللاوعي) المراوغ المتمرد بالتواجد معا، وهو مشوار طويل من التدريب علي منهج في التفكير يجمع في سبيكة واحدة المعطيات القادرة علي العطاء والإضافة.. في البدايات كنت أصنع لوحة كأنها طلقة، أو مقال، مع الحرص علي قيم جمالية باعتبارها أساس التناول البصري .. لكنها كانت مرحلة معبرة عن واقع حياتي وسياسي يموج بالأفكار والتطلعات نحو التثقيف بالفن كوسيط مؤثر له جاذبيته. في محيط من أفكار اشتراكية أو ماركسية وكامتداد طبيعي لعطاء الآباء المصريين أمثال طه حسين، أحمد لطفي السيد، وحافظ إبراهيم، والمثال محمود مختار وسيد درويش وصولا إلى أحمد بهاء الدين وسيد عويس وأحدث جيل. والأسماء المذكورة علي سبيل المثال لا الحصر.

٤- عرفناك رساما محبًا للفن التشكيلي وكاتبا يغرق عشقا في بحور الكلمة؛ هذان الشغفان كانا في احتدام وصراع حتى تركت الرسم سنوات وانتصرت الكلمة وكتبت خلال هذه السنوات كتبك والكثير من المقالات في الصحف القومية وغيرها ثم عدت لمحرابك ومرسمك، حدثني عن هذا الصراع في حياة هويدي ولم عدت للرسم ؟

– نشاطي الفني الذي بدأ من النشأة متأثرا بالمهندس المعماري ياسين هويدي ابن عمي وأختي الكبيرة، اصطدم بعملي صحفيا في وقت كان عمري 20 عاما، وتحول هذا الصدام إلى صراع بين كون الفن يحتاج إلى الخيال والعمل الصحفي يلزمه وعي.
– عشت علي مدار سنوات طويلة في تعايش غير هانئ مع كوني اثنين، بين أنا الأول الذي أخذ الرسم بشغاف قلبه، وأنا الثاني الذي ارتبط عمله بالكتابة والبحث في الفن التشكيلي. ظل الاثنان في صراع محتدم بين مناورات عنيفة وحوارات صاخبة، لا يدفنان فأس الحرب أبدا إلا للمناورة .. فلم أهدأ ولم أسلُ ولم أسكن، تقاطعت مساراتي و تباينت والتقت وتفارقت بين مأزق التردد الذي أفرزه معدن الكتابة عن الفن، و بين هوس البحث عن التفرد كلما اقتربت من ممارسة الرسم.

٥ – عشق هويدي السينما وبرع في النقد السينمائي فهل هناك تماس بينهما وبين الفن التشكيلي ؟

– فن السينما هو امتداد طبيعي للفنون الكبري العمارة والرسم والنحت والموسيقي، ويجمع الفنون كلها وحدة ثقافية واحدة وتشترك في الإيقاع والرسالة والقدرة علي التواصل بين البشر دون حواجز، وإن كانت العمارة والرسم والموسيقي لغتهم البصرية تجريدية معبرة عن واقعهم كما هم دون وسيط لغوي هجائي، فيما السينما تحتاج في الغالب علي حوار بلغة معينة. ومع ذلك هي فن ساحر له قدرة كبيرة على صناعة مناخا يسعي إلى تصديقه معتمدا علي خيال وصورة ودراما .. أما الفن التشكيلي يسعى إلى إحداث أثر خالد .. عندما يقبض علي اللحظة التي يجسدها ويبحث لها على نبض داخلي كفيل باستمرار كمؤثر قوي يتحدى الزمن .. كنت أتمنى أن يكون مجال دراستي السينما .. لكن والدي منعني من دخول معهد السينما في أكاديمية الفنون المصري في وقت مبكر جدا كنت لا أستطيع أن أناقشه، لكن بعدها جرت في النهر مياه صافية، استقليت ماديا عندما عملت بهدف الاستقلال المادي سواء العمل صحفيا في مركز إعلام الوطن العربي، أو العمل في مجالات متعددة منها مشروع صغير ضم جهودنا مع أخويّ “سعيد” مدير مالي وإداري الآن، وإبراهيم أحد أقطاب البنك الأهلي المصري حاليا.

٦- معرض التعويذة ١١٠ والذي ضم
٣٠ لوحة، لماذا اخترت له اسم التعويذة ١١٠
وما دلالة الرقم ؟

– تعويذة تعني (تهجئة) أما التعويذة 110 فـهو نص مستلهم من كتاب (الخروج إلى النهار) والمعروف باسم (كتاب الموتي) والنص يشرح فلسفة المصري القديم مع الموت ويكشف أنه أول من فكر في الجنة والنار كما جاءت في الأديان بعد ذلك بـآلاف السنين .

٧- من خلال رصدك للواقع الثقافي الحالي كيف نتغلب على أزمة الثقافة في بلادنا ؟

هناك ضرورة إلى طرح مفاهيم جديدة غير تقليدية للتنمية البشرية وكيفية ممارسة الديمقراطية، وخلق نماذج تربط الإبداع بقوى السوق من عرض وطلب فى ظل سطوة الخصخصة والمأزق الرأسمالي، وعدم عدالة توزيع الثروة.
هناك ضرورة لتجاوز الرعاية الأبوية، التي تنطلق من الوصاية، وتملي مسارات، وتتشبث بالأحوط على نحو متحفظ واعتبار الأبناء تحت سن الرشد، والآباء يحتكرون الحكمة، هناك ضرورة إلى بذل مجهود في التكريس لثقافة الاختلاف، والتعددية، ووداع سياسة العقاب القسري الجائر للمخالفين فى الرأى، أو الرؤية، أو الاتجاه السياسي، والانطلاق من قناعة وطنية أن الحل هو المشاركة الفعلية لكل الأطياف والاتجاهات فى الفعاليات الثقافية، وأيضا رسم السياسات، طالما أن أموال وزارة الثقافة هى أموال دافعي الضرائب، وليس تفضلا أو منا من أحد، فالساحة الثقافية هي ميدان تعدد الرؤى والأفكار التي تثري واقعنا، واستبعاد أى عنصر من عناصر الصورة الفاعلة أو حتى الكامنة، هو حرمان الأمة من عقولها ومبدعيها، وحكمائها، وحراسها.
لذا هناك ضرورة إلى طرح حوار، يراجع مفهوم الثقافة فى المجتمع وتعريفها على نحو يدركه الكافة، ومنه يظهر إعلان مبادئ للمثقفين، يجسد رؤيتهم لمستقبل الوطن، ومشروع ثقافى يعيد للثقافة دورها الرئيسي متجاوزة ما يقدمه الإعلام، من ترفيه، عابر ولحظي.
ومن المطالب الملحة، تشجيع ثقافة المستقبل والخيال العلمي، و تحرير سمعة المثقفين بشكل عام، والمستقلين بشكل خاص من أعباء التطبيل لسياسات بعينها، و محو عار الأمية، ورعاية الموهوبين، والسلم الاجتماعي من خلال مبدأ تكافؤ الفرص، واستعانة وزارة الثقافة بمحلل نظم يضع فى الميزان دور الإدارة حتى لا نصل إلى تكريس الإجراءات على حساب الأهداف وربطها بالنتائج والتقويم، في وجود إطار نظري للإدارة المستندة إلي النتائج كاستراتيجية إدارية واسعة النطاق، وتخفف الجهاز الإداري من الأعداد لصالح الكوادر الخاصة المؤهلة وتعويض المتضررين.

٨- الكثير من ميادين مصر لا تعكس حضارة مصر البصرية كما أن بعض عمليات الترميم تتم بصورة هزلية فمن المسئول عن ذلك ؟

– فعلا ميادين المدن المصرية لا تعكس ثقافة المصري القديم البصرية، بل يمكن أن أقول أن تمثال (نهضة مصر) لخالد الذكر الفنان “محمود مختار” والذي ارتفع في سماء القاهرة 1928، لم تشهد ميادين القاهرة من بعده أي مظهر جمالي بصري يوازيه، بل تراجع هذا الإسهام سواء كميا أو من حيث الكيف رغم أن الدولة المصرية أنفقت الملايين علي نشاط فني مثل سمبوزيوم أسوان للنحت، لأن من تولي الإشراف على هذه الفعالية نحات ظل في مكانه أكثر من 23 عاما حتي وفاته فاتجه إلى شخصنة نشاط يعتمد علي التعددية، فمن المستغرب فعلا دعم الدولة للفن بدون نتائج إيجابية على المجتمع، لكنها الشللية والمصالح الشخصية والفساد والأنانية، فقد خلت ميادين العواصم من أي مظهر جمالي يدلل علي أن هذا الشعب تراثه منذ فجر التاريخ تراث بصري ممثلا في الأهرامات ومعبد الكرنك وصولا إلى جامع السلطان حسن والرفاعي.

قد يعجبك ايضا
تعليقات