القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

ضدّ مجهول.

105

كتب/ حمادة توفيق.
(1).
حوادثُ قتلٍ كثيرة للغاية تعرض لها فنانون وفنانات سُجل معظمُها ضدَّ مجهول، حوداث كان يكتنفُها غموض كبير ويلفُّها صمت إعلامي رهيب، على سبيل المثال لا الحصر وفاة سعاد حسني بعد المذكرات التي كانت قد شرعت في كتابتها، وفاة الفنانة كاميليا، وفاة الفنانة أسمهان الأطرش شقيقة فريد الأطرش بعد انقلاب سيارتها في إحدى الترع بشكل غامض، بالإضافة إلى حوادث أخرى كثيرة للغاية شبيهة بذلك تمَّ تسجيلُها ضدَّ مجهول.
في الواقع لم أكن أريدُ أن أفتح هذا الملفَّ لأن فتحه سيؤجج نيرانًا تمَّ إخمادها دهرًا وعن عمد، ولأن ذلك لن يُسمنَ ولن يغنيَ من جوعٍ، إذ الفاعل في معظم تلك الحوادث كان ولا زال خفيًّا، ما سيجلُ الأمرَ أشبهَ بالدوران في دائرة مفرغة، لكن على أيِّ حال سنبحث معًا هذا الملفِّ، لكن فيما يتعلق فقط بمقتل كاميليا وأسمهان، حتى لا يتسع البحث بشكل يصعب احتواؤه أو إلمام القارئ بما يحويه من معلومات أو تفاصيل.
فتعالَ عزيزي القارئ نبدأ بحثَ حوادثِ الفنانينَ الغامضةِ بمقتل الفنانة كاميليا.
الحقيقة كان الاسم الحقيقي للفنانة كاميليا هو “ليليان”، التي وُلدت في 13 ديسمبر 1919، لأم مسيحية كاثوليكية مصرية من أصل إيطالي تُدعى “أولجا لويس أبنور”، والتي حملت بها سفاحًا، وتكاثرت الأقاويل حول والد ” كامليا”، من بينها أن والدها هو مهندس فرنسي كان يعمل خبيرًا بقناة السويس، بينما أكدت رواية أخرى أن والدها الحقيقي كان تاجرَ أقطانٍ إيطاليًا هرب عائدًا إلى بلده بعد خسائر مادية كبيرة، ورواية ثالثة تقول أن والدها مسيحي مات بعد ولادتها بأيام، ليتبناها زوج أمها الصائغ اليوناني الثري اليهودي الديانة “فيكتور ليفي كوهين”، ومن ثم تحمل اسمه، لتصبح مسيحية فعليًا، ويهوديةً على الورق، وربما كان لهذا دخلٌ في تجنيدها من قبل الموساد كجاسوسة تعمل لصالح إسرائيل كما سنورد تباعًا.
المهم أثارت كاميليا جدلًا واسعًا على مدار تاريخها، بسبب جمالها وعلاقتها ببعض الفنانين، وعشق الملك فاروق لها، واشتُهِرت بدور الخادمة في السينما المصرية، عندما ظهرت فى فيلم “قمر 14″، في دور قمر ابنة صاحبة الـ “بنسيون”، التى أحبت ابنَ أحدِ “البشوات” وتزوجته سرًّا، فتعرف فيما بعد بقرار الباشا والد زوجها بمصاهرة ابنه بأحد الأثرياء، فتدعي العمل كخادمة في قصر والده، فيقع الجميع في حبها.
وتُعتبر كاميليا أكثرَ نجماتِ السينما المصرية تألقًا وأعلاهن أجرًا في منتصف الأربعينيات ولذلك حازت شهرة واسعة.
في الواقع ارتبط اسم كاميليا، بعدة حوادث وألغاز سياسية، كارتباط اسمها بملك مصر آنذاك الملك فاروق، إذ شاع بقوة بأن بينهما علاقةً، وسنتناول ذلك بالبحث في سطور قادمة.
كان آخر الأفلام التي قدمتها فيلم “آخر كدبة”، مع سامية جمال وفريد الأطرش عام 1950م، وقد جمع الحب بين “كاميليا” ورشدي أباظة، ما أثار غضب الملك، الذي كان يهيم بها عشقًا، تلك العلاقة التي حاولت تجسيدها الفنانة ميرفت أمين في فيلمها الشهير “حافية على جسر من ذهب”، وقد قال رشدي أباظة عن تلك العلاقة في حوار صحفي سابق:
“خافت أمي من غضب الملك فاروق فأرغمتني على السفر إلى روما، وجئت لأودِّع كاميليا، فقالت لي أنها ذاهبة إلى جنيف بعد أيام لحضور حفلة راقصة، وتواعدنا على اللقاء معًا في روما، لكن لم يتم هذا اللقاء، فسقطت الطائرة التي أقلتها من القاهرة، واحترقت كاميليا فوق رمال الصحراء”.
نعم عزيزي القارئ ما قرأته صحيح، فلقد أحالت الحادثة فنانة السينما الجميلة إلى جثة عارية محترقة فوق رمال الصحراء كما حكى رشدي أباظة.
كانت النهاية على أرض الدلنجات في البحيرة، حيث، سقطت الطائرة فى 31 أغسطس 1950، فوق مدينة الدلنجات بمحافظة البحيرة، ومن عجائب القدر، أو إن شئت فقل من تدابير الجاني، أن الكاتب الشهير ذائع الصيت أنيس منصور كان صاحب تذكرة الطائرة التي سافرت بها كاميليا، بيد أنه تنازل عنها عندما عرف بمرضها لتسافر مكانه، ثم تحدث الحادثة فتموت كاميليا محترقة، ولعله أُجبِرَ على التنازل مُكرهًا من طرفٍ ما، والعلمُ عند الله.
ولقد كتب الكاتب الصحفي الشهير محمد حسنين هيكل الخبر يوم 2 سبتمبر في صحيفة أخبار اليوم فقال:
“بدأت قصة الرحيل في الساعة الثانية عشرة ونصف صباح يوم الخميس 31/8/1950 بهبوط طائرة “دبليو إيه”، وقد ركبت كاميليا مع ستة ركاب من مطار القاهرة، وأقلعت من المطار، وكان آخر اتصال لها عن طريق اللاسلكي في الساعة الوحدة والنصف صباحًا، وانقطعت الأخبار بعد ذلك، وسقطت الطائرة وسط الحقول وتفحمت الجثث، وقد قرر الطبيب الشرعي الذي عاين جثة كاميليا أن سببَ الوفاةِ كان الجروح النارية، وما صاحبها من صدمة عصبية وكسور في عظام الساقين”.
يقول الناقد سمير فريد في «لغز كاميليا، هل كانت عشيقة للملك فاروق؟» مضيفًا:
«أصبحت من كبار النجوم ثم احترقت في حادث طائرة، وتحولت إلى أسطورة لاختلاف الناس حول كل شيء عن حياتها بل وعن موتها أيضًا، ولكن الشيء المؤكد أنها دخلت تاريخ مصر ولن تخرج منه بسبب علاقتها مع الملك فاروق آخر ملوك مصر».
ولقد شاع أن كاميليا صفعت رشدي أباظة مرتين على وجهه، كان سبب ذلك أنها دخلت إلى «الأوبرج» فوجدته يجالس سيدة، فهجمت عليه وصفعته على وجهه مرتين، وكانت هذه هي أول مرة يجرؤ فيها إنسان على صفعه، ومع ذلك فإنه عندما تلقى منها الصفعتين لم يردهما لها بسبب حبه لها، ولم يستطع إلا أن يضحك، فكان ذلك سببًا في زيادة عصبيتها وثورتها.
ولقد وصف الفنان رشدي أباظة كاميليا بأنها إنسانة صريحة جدًا، وقال في هذا:
“غضبتُ عليها في إحدى المرات، وابتعدت عنها طوال ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع ذهبت إلى بيتها لكي أحاسب هذه المرأة التي تزعم أنها تحبني ولا تسأل عني إن غضبتُ منها، كانت تضع على عينيها نظارة، وتحمل كتابًا، واستدارت وعادت إلى الصالون، ودخلتُ وراءها وأخذت أتصرف بعصبية ونرفزة، وهي لا ترد علي ولا تلتفت إلي أبدًا، وأخيرًا، صعد الدم إلى رأسي فصرخت بها: “انتي يا ست، إزاي بتقولي إنك بتحبيني ولا تسأليش عني ثلاثة أيام”، فنظرت إليه بلا مبالاة وقالت: “ما دمت تحبني فقد كنت متأكدة من أنك سوف تلف وتدور طويلًا ثم تعود إلي”.
الحقيقة بدأت كاميليا مسيرتها السينمائية بعد أن جعلتها والدتها ترقص في الملاهي الليلية كوسيلة لكسب قوت يومهما، بعد أن تخلى زوج والدتها عنهما، حتى رآها المخرج والمنتج أحمد سالم في صيف 1946 بفندق “وندسور”، وأُعجِب بها فعرض عليها العمل في السينما، ومنذ ذلك الحين اشتُهِرت “كامليا” وتهافت عليها المنتجون والمخرجون، وتلقت الكثير والكثير من عروض الزواج من أشهر الفنانين آنذاك مثل أنور وجدي، والمخرج أحمد سالم.
ولقد قيل أنها كانت جاسوسة تعمل لصالح الموساد الإسرائيلي، ولعل قصتها مع الملك فاروق كانت سببًا مباشرًا لحدوث ذلك.
كانت البداية عندما استقطبها مدير ترفيه الملك لتحظى بعشاء معه، وعندها بدأت علاقتهما العاطفية، وأحبها الملك حتى جعلته “يلهث خلفها”، وعرض عليها السفرَ إلى فرنسا أو سويسرا ليتزوجا، وقيل أنه اشترى لها قصرًا في أحد الجزر اليونانية، وعند معرفة أجهزة المخابرات الإسرائيلية بهذه العلاقة، قرروا استقطابها وتجنيدها، وفقًا لما ذكره الكثير من المؤرخين.
المهم ماتت النجمة اللامعة محترقة كما أسلفنا في صحراء الدلنجات، ففي أغسطس 1950 استيقظت مصر على خبر سقوط أول طائرة مدنية مصرية، الطائرة “ستار أوف ماريلاند” في الرابعة فجرًا، وتبين أن الطائرة كانت تحمل 48 راكبًا من بينهم الفنانة “كامليا” التي عُثر على جثتها في رمال الصحراء بالقرب من محافظة البحيرة حيث سقطت الطائرة.
قيل الكثير وقتها عن واقعة مقتل الفنانة “كامليا” وارتباطها بالملك فاروق، وعلاقة الموساد والملك فاروق بتدبير الحادث، نظرًا لارتباط الفنانة بالموساد ونقل أخبار حربية لقربها من الملك فاروق للموساد الإسرائيلي في حرب عام 1948.
أكثر من سبعين سنة إذن مرت على وفاة الفنانة كامليا دون الإفصاح عن تفاصيل قصة مقتلها، ليظل لغز الواقعة في طي الكتمان، وتُقيد قضية جديدة “ضد مجهول”.

قد يعجبك ايضا
تعليقات