القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

أرطبون العرب وداهيته ( الحلقة الخامسة)

93
تقرير د / زمزم حسن
دور عمرو بن العاص في المعارك الإسلامية :
حروب الردة
أرسل أبو بكر الصديق في طلب عمرو، فأقبل حتى قدم بلاد بني عامر، ونزل على قرة بن هبيرة، وكان قرة قد ارتد عن الإسلام، فلمّا أراد عمرو الرحيل خلا به قرة وقال: “يا هذا. إن العرب لا تطيب لكم نفسًا بالإتاوة فإن أعفيتموها فستسمع لكم وتطيع، وإن أبيتم فلا تجتمع عليكم”، فقال له عمرو: “أكفرت يا قرة؟ تخوفنا بردة العرب! فوالله لأوطئن عليك الخيل في حفش أمك”. ولمّا وصل عمرو المدينة أخبر المسلمين بما رآه، وأن العساكر معسكرة من دبا إلى المدينة. وولاه أبو بكر على جيش كثيف من المسلمين لحرب قضاعة، الذين حاربهم من قبل في سرية ذات السلاسل، وانتصر عمرو عليهم.
الفتح الإسلامي للشام
بعد انتهاء حروب الردة عاد عمرو إلى عُمان، وعلى الجانب الآخر نجحت المناوشات العسكرية بين المسلمين والفرس، تطور هجوم المسلمين نحو العراق، وسرعان ما حقق المسلمون نجاحات واسعة حملتهم على العراق، مما دفع الخليفة الأول أبو بكر للتفكير بجدية في فتح الشام.
استشار أبو بكر كبار الصحابة في هذا الأمر، وخطب فيهم، فأيده معظمهم، ولكن أشار عليه عبد الرحمن بن عوف بألا يقتحم أرضهم، وأن يبدأ بالإغارة على أطراف أراضيهم، ثم يبعث إلى قبائل اليمن وربيعة ومضر ليستنفرهم للجهاد.
استحسن أبو بكر رأي ابن عوف، أمر بدعوة الناس لغزو الروم.
وصل كتاب أبي بكر الصديق إلى عمرو، يطلب منه المجيء لاستعماله في فتوح الشام. فكان كتاب أبي بكر: «إني كنت قد رددتك على العمل الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاكه مرة، وسماه لك أخرى، مبعثك إلى عمان إنجازا لمواعيد رسول الله فقد وليته ثم وليته. وقد أحببت أبا عبد الله أن أفرغك لما هو خير لك في حياتك ومعادك منه إلا أن يكون الذي أنت فيه أحب إليك.»، فكتب إليه عمرو: «إني سهم من سهام الإسلام، وأنت بعد الله الرامي بها والجامع لها، فانظر أشدها وأخشاها وأفضلها فارم به شيئًا إن جاءك من ناحية من النواحي».
أنفذ أبو بكر الجيوش نحو الشمال عقب تجمعهم بالمدينة بعد أن عقد لأربعة من الأمراء، هم: أبو عبيدة بن الجراح وعمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة.
ووجه عمرو بن العاص إلى فلسطين ويتراوح عديده بين ستة وسبعة آلاف مقاتل، على أن يسلك طريق البحر الأحمر حتى العقبة فوادي القرى فالبحر الميت وصولًا إلى بيت المقدس، وخرج من المدينة في 3 محرم 13هـ الموافق فيه 10 مارس 634م. وأمرهم أن يعاون بعضهم بعضا وأن يكونوا جميعا تحت إمرة أبي عبيدة، وأمر عمرو أن يمد الجيوش الأخرى إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
ودعا أبو بكر عمرو بن العاص فسلم إليه الراية، وأوصاه بوصية طويلة ذكرها الواقدي، فأوصاه بتقوى الله وأمره بإقامة الصلاة وغير ذلك من الأمور، حيث قال: «اتق الله في سرك وعلانيتك واستحيه في خلواتك، فإنه يراك في عملك. وقد رأيت تقدمتي لك على من هو أقدم منك سابقة، وأقدم حرمة. فكن من عمال الآخرة، وأرد بعملك وجه الله، وكن والدًا لمن معك، وأرفق بهم في السير، فإن فيهم أهل ضعف، والله ناصر دينه ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. وإذا سرت بجيشك، فلا تسر في الطريق التي سار فيها يزيد وربيعة وشرحبيل، بل اسلك طريق أيليا حتى تنتهي إلى أرض فلسطين، وإبعث عيونك يأتونك بأخبار أبي عبيدة، فإن كان ظافرًا بعدوه، فكن أنت لقتال من في فلسطين، وأن كان يريد عسكرًا، فأنفذ إليه جيشًا في أثر جيش، وقدم سهل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام وسعيد بن خالد. وإياك أن تكون وانيًا عما ندبتك إليه، وإياك والوهن أن تقول جعلني ابن أبي قحافة في نحر العدو ولا قوة لي به. وقد رأيت يا عمرو ونحن في مواطن كثيرة ونحن نلاقي ما نلاقي من جموع المشركين ونحن في قلة من عدونا، ثم رأيت يوم حنين ما نصر الله عليهم، وإعلم يا عمرو أن معك المهاجرين والأنصار من أهل بدر، فأكرمهم واعرف حقهم، ولا تتطأول عليهم بسلطانك، ولا تداخلك نجدة الشيطان، فتقول إنما ولاني أبو بكر لأني خيرهم. وإياك وخداع النفس، وكن كأحدهم وشاورهم فيما تريد من أمرك. والصلاة ثم الصلاة، أذن بها إذا دخل وقتها، ولا تصل صلاة إلا بأذان يسمعه أهل العسكر، ثم إبرز وصل بمن رغب في الصلاة معك، فذلك أفضل له. ومن صلاها وحده، أجزأته صلاته. وإحذر من عدوك، وأمر أصحابك بالحرس، ولتكن أنت بعد ذلك مطلعًا عليهم. وأطل الجلوس بالليل على أصحابك، وأقم بينهم وأجلس معهم، ولا تكشف أستار الناس واتق الله إذا لاقيت العدو. وإذا وعظت أصحابك فأوجز، وأصلح نفسك تصلح لك رعيتك، فالإمام ينفرد إلى الله تعالى فيما يعلمه وما يفعله في رعيته. وإني قد وليتك على من قد مررت من العرب، فاجعل كل قبيلة على حميتها، وكن عليهم كالوالد الشفيق الرفيق، وتعاهد عسكرك في سيرك، وقدم قبلك طلائعك فيكونوا أمامك، وخلف على الناس من ترضاه. وإذا رأيت عدوك، فاصبر ولا تتأخر فيكون ذلك منك فخرًا. والزم أصحابك قراءة القرآن، وانههم عن ذكر الجاهلية وما كان منها، فإن ذلك يورث العداوة بينهم. وأعرض عن زهرة الدنيا حتى تلتقي بمن مضى من سلفك، وكن من الإئمة الممدوحين في القرآن إذ يقول الله تعالى: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ
توجه عمرو إلى إيليا حتى وصل إلى أرض فلسطين، فلما نزل المسلمون بفلسطين جمع عمرو المسلمين المهاجرين والأنصار وشاورهم في أمرهم فبينما هم في المشورة إذ أقبل عليهم عدي بن عامر يخبرهم باجتماع جيش العدو وأنهم أزيد عن مائة ألف فارس.
فجلس عمرو للمشورة، فخاف البعض واقترحوا العودة إلى البيداء، فقال رجل من المهاجرين: «لقد كنا مع رسول الله نهزم الجمع الكثير بالجمع القليل، وقد وعدكم الله النصر، وما وعد الصابرين إلا خيرًا.»، فقال سهل بن عمرو: «أما أنا فلا رجعت عن قتال الكفرة، ولا رددت سيفي عنهم، فمن شاء فلينهض ومن شاء فليرجع، ومن نكص على عقبيه، فأنا وراءه بالمرصاد». فقام عمرو بن العاص بعقد الراية وأعطاها عبد الله بن عمر بن الخطاب، وضم إليه ألف فارس فيهم رجال من الطائف ومن ثقيف وأمرهم بالمسير للقاء جيش الروم، والتقى بطليعة من جيش الروم، وانهزم الروم، فرجع المسلمون واجتمع بعضهم على بعض وجمعوا الغنائم والأموال، وقُتل من المسلمين سبعة نفر فواروهم وصلى عليهم ابن عمر وانعطف الجيش إلى عمرو بن العاص. وفي اليوم التالي تجمع الروم في عشرة آلاف فارس، وأقبل عمرو ورتب أصحابه وجعل في الميمنة الضحاك بن قيس الفهري، وفي الميسرة سعيد بن خالد، وأقام على الساقة أبا الدرداء وعمرو على القلب ومعه أهل مكة وأمر الناس يقرأون القرآن، وثبت الروم في المعركة، وقُتل من المسلمين مائة وثلاثون رجلًا، يروي الواقدي عن ابن عمر قوله: «فقتلنا في هذه الواقعة قريبًا من خمسة عشر ألف فارس وأكثر، ولم نزل في آثارهم إلى الليل وعمرو بن العاص قد فرح بالنصر». وانتصر المسلمون، وندب عمرو الناس إلى الصلاة، فصلى ما فاته كل صلاة بأذان وإقامة، وسمى الواقدي هذه المعركة بـ “يوم فلسطين” ثم كتب عمرو إلى أبي عبيدة كتابًا يقول فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من عمرو بن العاص إلى أمين الأمة، أما بعد فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي على نبيه محمد ، وإني قد وصلت إلى أرض فلسطين، ولقينا عساكر الروم مع بِطريق يقال له روبيس: في مائة ألف فارس فَمَنَّ الله بالنصر وقُتل من الروم خمسة عشر ألف فارس، وفتح الله على يدي فلسطين بعد أن قُتل من المسلمين مائة وثلاثون رجلًا فإن احتجت إلي سرت إليك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.». ودفع الكتاب إلى أبي عامر الدوسي، وكتب أبو عبيدة : «بسم الله الرحمن الرحيم إنما أنت مأمور فإن كان أبو بكر أمرك أن تكون معنا فسر إلينا، وأن كان أمرك بالثبات في موضعك فاثبت.» وطوى الكتاب وسلمه إلى خالد بن سعيد بن العاص. وسار مع أبي عامر إلى أن أتيا إلى جيش عمرو بن العاص. وكتب عمرو كتابًا إلى أبي بكر الصديق وذكر له ما جرى مع الروم، وبعث الكتاب مع أبي عامر الدوسي
قد يعجبك ايضا
تعليقات