القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

تاريخ الصهيونية في ليبيا

44

د. إيمان بشير ابوكبدة 

كان في سنة 1903 يقطن 14.000 يهودي بطرابلس وألفان ببنغازي، في حين توزع 4.480 على المناطق المجاورة. وقد كانت الطائفة اليهودية في طرابلس تضم في صفوفها جملة من العناصر الأجنبية، حيث يورد القنصل الإيطالي تواجد 79 يهوديا هولنديا و44 نمساويا وقرابة المائة إسباني، بالإضافة إلى رعايا بريطانيين يهود قدموا من منطقة جبل طارق وآخرين من مدينة ليفورنو الإيطالية.

وقد استقر اليهود كما هو معروف عنهم في أحياء خاصة بهم تسمي الحارة، وضمت مدينة طرابلس حارتين استقر فيها أغلب يهود ليبيا «الحارة الكبيرة» و«الحارة الصغيرة»، كما وجدت هذه الحارات في كل المدن الليبية التي يتواجد بها اليهود.

 والجلي في ما اعترى أوضاع الطائفة اليهودية، مع مقدم الإيطاليين، تأثرها الواضح بسياسة المستعمر. فما إن حل الاستعمار الإيطالي 1911م حتى هلل اليهود لمقدمه بوصفه مخلصا من الحكم العثماني.

كان الحدث الأبرز الذي هز إيطاليا بعد الحرب الأولى متمثلا في صعود الفاشية، وهو ما لم ينحصر أثره بالداخل بل امتد إلى المستعمرات في الخارج. فقد اتخذ النظام الفاشي إجراءات صارمة طالت أوضاع اليهود في المستعمرات. في مرحلة أولى بدت العلاقة ودية ثم اتجهت نحو التعقيد لتشهد في الأخير تأزما فعليا. وفي البدء تجنب موسوليني الصدام مع اليهودية العالمية تفاديا لأية عواقب. 

التقى موسوليني عديد القادة الصهاينة، مثل حاييم وايزمان وزئيف جابوتنسكي وناحوم غولدمان وناحوم سوكولوف، وأُبرمت الاتفاقيات بين الطرفين لتيسير هجرة اليهود نحو فلسطين. ودائما ضمن مناورات موسوليني، فقد طمأن أثناء زيارته ليبيا بين 12 و 21 مارس 1937 اليهود، وفي خطوة مماثلة أعلن نفسه مدافعا عن الإسلام. ويأتي قرار إسداء الجنسية لليبيين ومنعها عن اليهود، في التاسع من يناير سنة 1939، ضمن سلسلة من المناورات السياسية التي اتخذها موسوليني.

وتبعا للمستجدات الجارية انسحبت الإجراءات الجديدة على الطائفة اليهودية، زادها حدة تحول شمال إفريقيا إلى حلبة للصراع بين قوات المحور والحلفاء، انحاز فيها اليهود إلى قوات الطرف الأخير.

مشروع ليبيا كوطن قومي لليهود

كان من ضمن مخططات اليهود إقامة وطن قومي في ليبيا في الجبل الأخضر، وكان هذا الاقتراح جاء من منظمة الأراضي اليهودية بلندن التي يترأسها اليهودي الكبير «إسرائيل زانجويل» ويقترح عليهم فكرته ويحدد لهم مدينة برقة بالذات.

قامت «منظمة الأراضي اليهودية» في الخامس من شهر يوليو سنة 1908 بإرسال بعثة علمية إلى مدينة طرابلس ومنها إلى منطقة الجبل الأخضر لدراسة إمكانية تحقيق هذه الفكرة. وقد أوكلت رئاسة البعثة لـ «جي جريجوري» أستاذ الجيولوجيا بجامعة غلاسكو البريطانية. وتضمنت فريقا من كبار المتخصصين في مجالات الزراعة والهندسة والموارد الطبيعية، وطبيباً هو الدكتور «م. كيدر» الذي قام بدراسة الأحوال الصحية في برقة وبالأخص بالجبل الأخضر وأعد التقرير الصحي، بالإضافة إلى ناحوم سلاوش، لسابق خبرته بالموضوع ولتوضيح أهداف البعثة لرجب باشا وإبعاد أي شك يثيره مجيء البعثة عند أهل البلاد.

وفي هذه الأثناء وبينما كان إسرائيل زانجويل يستعد لإرسال رسالته إلى تحسين باشا جاءت الأخبار بوقوع الانقلاب العثماني في إسطنبول وخلع السلطان عبد الحميد الثاني. 

وهكذا تضافرت عوامل عدة لتساهم في فشل هذا المخطط أهمها هيمنة المنظمات الصهيونية المصرة على استعمار فلسطين من دون غيرها على بقية المنظمات، وكذلك الغزو الإيطالي الذي اجتاح ليبيا في 1911.

النشاط الصهيوني

الاهتمام بالصهيونية في ليبيا موجود منذ فجر الحركة الصهيونية، حيث ظهرت على مسرح التاريخ في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. في البداية، لم يشمل هذا الاهتمام سوى عدد قليل من التجار الأثرياء، وأصحاب المهن الحرة، والشباب المتعلم، المنفتحين إلى حد ما على الاتجاهات الحالية في أوروبا والعالم اليهودي. أما الاهتمام بالصهيونية الذي أحاط بالمواطن اليهودي فقد حدث لاحقا، حيث تعمق الوعي الصهيوني مع بداية الحركة اليهودية التي أعقبت النهضة الثقافية والاجتماعية، مع التغيرات التي طرأت على الاقتصاد والتعليم في نهاية العهد العثماني وبداية الفترة الإيطالية. وهو التطور الذي أدى إلى تأصيل الجانب القومي الصهيوني، الذي ضم في البداية حفنة من النخشونيم الذين اكتسحوا الكثيرين، عندما أثرت الأحداث في العالم اليهودي الصهيوني وفي ليبيا نفسها.

شجع هرتزل الجالية على النشاط الصهيوني قبل مؤتمر بازل، وكانت هناك مراسلات معه في الأعوام 1904-1900. وتعزز الوعي الصهيوني بفضل الحركة اليهودية، مع تأسيس الحركة الصهيونية عام 1913 على يد المثاليين بقيادة إلياهو النخيسي، وتأسيس الجمعية «أورا وسمحا». ومع تأسيس «الجمعية الصهيونية»عام 1916، اتجهت الحركة الصهيونية إلى المسار السياسي، لقيادة المجتمع إلى الإصلاح القومي الصهيوني. وأدى التحول إلى مسار غير ناجح إلى حدوث استقطاب في المجتمع، وقيام حركة صهيونية منافسة «الوحدة والتقدم»، ونشوء أزمة في الحركة.

فقط بعد توحيد القوى وتأسيس «الاتحاد الصهيوني الطرابلسي» عام 1924، ومع تأسيس حركة «بن يهودا» وتأسيس المدرسة العبرية «هتكفا» عام 1931، نجحت الحركة الصهيونية في الحصول على على الطريق السريع.

وفي الوقت نفسه، في بنغازي، تم دراسة اللغة العبرية في «التلمود-التوراة» عام 1915، وتأسست «جمعية هرتزل» عام 1919، والتي كان هناك نشاط صهيوني واسع فيها، وفي طرابلس جمعية «بني صهيون» الرياضية تأسست عام 1920، وانضمت إلى «مكابي» عام 1926، وبدأت أنشطتها هناك أيضاً ذات طابع صهيوني. وقد انخفض هذا النشاط الصهيوني خلال الحرب العالمية الثانية، واشتد بعدها عام 1943، وكذلك نظام التعليم العبري، مع تجديد نشاط «بن يهودا» و«المكابي» وتأسيس حركات شبابية أخرى منها حركة «الشباب». إقامة تدريب زراعي وحضري بمساعدة مبعوثين من إسرائيل. وهذه المجموعات التي شارك خريجيها في منظمة «الهاغاناه» و«الهجرة غير الشرعية»، تم دمجها عام 1949 تحت «بني عكيفا»، وهاجر بعض المتدربين إلى إسرائيل.

17 يونيو 1967 بعث الوزراء الليبي ليللو أربيب (زعيم طائفة اليهود الليبيين وقتئذ) برسالة إلى رئيس الوزراء الليبي طلب فيها السماح بالسفر لليهود الراغبين في مغادرة البلاد حتى تهدأ الأمور ويتفهّم الشعب الليبي وضعيّة اليهود الليبيين وافقت الحكومة على ذلك بسرعة وبدأت دائرة الهجرة أعمالها في 20 يونيو وحضرت الوثائق المتعلقة بالسفر.

قد يعجبك ايضا
تعليقات