القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

الصدق مع الله ومع النفس ” الجزء الثانى”

231

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثانى مع الصدق مع الله ومع النفس، وأن الصدق يهدي إلى البر, والبر، هو اسم جامع لكل خير وطاعة, وإحسان إلى الخلق، والصدق عنوان الإسلام، وميزان الإيمان, وعلامة الكمال، وإن لصاحبه المقام الأعلى عند الملك المتعال، وبالصدق يصل العبد إلى منازل الأبرار، وبه تحصل النجاة من الآفات وعذاب القبر وعذاب النار، وبالصدق يكون العبد معتبرا عند الله وعند الخلق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” البيعان بالخيار, فإن صدقا وبيّنا, بورك لهما في بيعهما, وإن كذبا وكتما, مُحقت بركة بيعهما” فالبركة مقرونة بالصدق والبيان، والتلف والمحق مقرون بالكذب والكتمان، والمشاهدة أكبر شاهد على ذلك والعيان، فإنه لا تجد صادقا إلا مرموقا بين الناس بالمحبة والثناء التعظيم، ولا كذابا إلا ممقوتا بهذا الخُلق الأثيم، وإن الصادق يطمئن إلى قوله العدو والصديق، والكاذب لا يثق به بعيد ولا قريب، وإن الصادق الأمين, مؤتمن على الأموال والحقوق والأسرار، ومتى حصل منه كبوة أو عثرة. 

 

فصدقه شفيع يقيه العثار، والكاذب لا يؤمن على مثقال ذرة, ولو فرض صدقه أحيانا, لم تحصل به الثقة والاستقرار، وما كان الصدق في شيء إلا زانه, ولا الكذب في شيء إلا شانه، وإن الصدق طريق الإيمان، والكذب بريد النفاق، وهناك أيضا صدق العبد بينه وبين ربه في الطلب والدعاء والعبادة، فعن أبي ثابت وقيل أبي سعيد، وقيل أبي الوليد، سهيل بن حنيف وهو بدرى رضي الله عنه أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال “من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه” رواه مسلم، وتأملوا أيضا ما صح عند الترمذى وغيره عن أبي هريرة رضى الله عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم “ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه” فانظروا مدى انتفاع المسلم بالدعاء والذكر إن وجد فيهما الصدق، ومدى خسرانه وعدم انتفاعه بذلك مع غياب الصدق من القلب والاقتصار على حركة الجوارح، كذلك الذى يستغفر ربه وفي قلبه نية العودة إلى الذنب.

 

فهذا كما قال السلف، كالمستهزئ بربه، واستغفاره يحتاج إلى استغفار، وفي المقابل لو استغفر العبد ربه بصدق وعزم على عدم العودة إلى الذنب وندم على ما فات فإن الله يغفر له، ولو عاد فوقع في الذنب مرة أخرى واستغفر بنفس الصدق السابق ذكره لغفر الله له، وكما ورد بذلك الحديث الصحيح، وذكر بعض العلماء فيما سلف من الزمان أن العبد إذا قال في استفتاح صلاته، قائلا وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، وقلبه مشغول بالدنيا فهو كاذب فأيّنا يحاسب نفسه على ألفاظه وأذكاره ودعواته، وما فيها من صدق وحضور قلب وصفاء نية؟ وأن الصدق في مقامات الدين وعباداته درجات متفاوتة، فمثلا يتفاوت المؤمنون فى صدق خوفهم من الله عز وجل، فإنك تجد كثيرا من المسلمين يصح إطلاق اسم الخوف في حقهم ولكن لا يبلغون حقيقته الكاملة، فمثلا ترى أحدهم إذا خاف سلطانا يصغر ويرتعد خوفا من وقوع المحذور، ثم إنه يخاف النار ولا يظهر عليه شيء من ذلك عند فعل المعصية. 

 

ولذلك قال عامر بن قيس، عجبت للجنة نام طالبها، وعجبت للنار نام هاربها، وقد كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وصحابته وسلف هذه الأمة قمة في الخوف من الله سبحانه وتعالى، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا رأى الريح تغير وجهه، وقام وأقبل وأدبر ويقول “ما يؤمننى أن قوما رأوا الريح فقالوا “هذا عارض ممطرنا” أى دائما كان فيه عذابهم، فإذا نزل المطر ذهب ذلك عنه صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم، يصلي وحده فيبكى، والناس في العادة إنما يبكون في اجتماعهم معا في الصلاة، ولكن الخائفين من الله عز وجل، حقا كرسول الله صلى الله عليه وسلم، يقع منهم البكاء في صلاتهم منفردين عن الناس، كما يقول عبد الله بن الشخير، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي “ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء” أى كصوت القدر يغلى بالماء، وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه، من خوفه من الحساب والجزاء يقول ليتني كنت شاة ذبحها أهلها، فأكلوا لحمها، وحسوا مرقها” 

 

وكان بعض السلف يبكي بكاء شديدا عند قوله تعالى فى سورة الزمر ” وبدالهم ما لم يكونوا يحتسبون ” ويقول أحدهم هم قوم عملوا أعمالا ظنوها صالحة فوجدوها وبالا عليهم يوم القيامة، وكان بعضهم ينظر مرارا في المرآة مخافة أن يكون وجهه قد اسود من المعاصى، وكان بعضهم يقوم بالليل يتفقد جلده وينظر فيه خشية أن يكون قد مسخ قردا أو خنزيرا، فهكذا كان صدق خوفهم من عقوبات الذنوب والمعاصي، والتحقق بالصدق في هذه الأمور عزيز جدا، فلا غاية لهذه المقامات حتى ينال تمامها، ولكن لكل حظ حسب حاله، إما ضعيف وإما قوى، فإذا قوى سمي صادقا، وإذا علم الله من عبد صدقا قَرّبه وأنعم عليه وأعانه وأكرمه بمعيته، والصادق في جميع مقامات الدين وعباداته عزيز، ولكن قد يكون للعبد صدق في بعضها دون بعض، وهناك أيضا الصدق في النية والإرادة، ويسمى الإخلاص، ومقابله الكذب أو الرياء فيقول الله عز وجل فى كتابه الكريم فى سورة محمد ” فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم ” أى فإذا جدّ الحال وحضر القتال، فلو أخلصوا النية لله لكان خيرا لهم.

قد يعجبك ايضا
تعليقات