القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

كفّ الأذى عن الناس ” الجزء الرابع “

78

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الرابع مع كفّ الأذى عن الناس، وإن الشرط الأساسي أن تكون مسلما، أن تكف شرك عن الناس، ليس فقط باليد وإنما أيضا باللسان وجميع الجوارح، ولكن للأسف بعض الناس، وإن صام أو صلى، تراه يؤذى الناس، وكأنه يستمتع بذلك، ولا يبالي إطلاقا بإيذاء أقرب الناس إليه من أهل بيته وإخوانه، وجيرانه وسائر الناس، ومثل هذا يخشى عليه من عذاب الله تعالى، فانظر لعاقبة إيذاء الناس، ألا يجعلك ذلك أن تفكر مليا قبل أن تقدم على مثل هذه الخطوة الشنيعة، فعن أبي هريرة رضي الله قال “قال رجل يا رسول الله إن فلانة تذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال هي في النار” فالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم لم يتردد لحظة في الرد بأنها في النار رغم صلاتها وزكاتها، إذن هذا وعيد شديد لمن اعتاد على إيذاء الناس، وإن كان من أهل الصلاة والصيام والصدقة، فإن أذى الناس ليس باللسان أو باليد فقط، وإنما أيضا بالخوض في سيرهم، بالغيبة والنميمة. 

 

لذلك اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من يفعل ذلك، إنما آمن بلسانه ولم يؤمن قلبه، فقال عليه الصلاة والسلام ” يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتتبع عورات المسلمين تتبع الله عز وجل عورته، ومن تتبع الله عورته، يفضحه في بيته” فإن للمسلم عند الله حرمة وقدرا، ولجنابه احتراما وحماية وخطرا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ” لزوال الدنيا أهون عند الله من إراقة دم مسلم” رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة، فإذا كان إيذاء المسلمين ببعض الأمثلة التي مضت يُعد كبيرة من الكبائر وجريمة من المحرمات فما بالكم بألوان من الأذى يتضرر منه ملايين المسلمين ويقع بلاؤه على مجموع الأمة ؟ فإن الأذية كلما انتشرت دائرتها وتوسعت، كان إثم مرتكبها أعظم وعقوبته أشد، وإذا كانت اللعنة تحق على من يتخلى في طرق المسلمين وظلهم ويؤذيهم في طرقاتهم وهو لا يتعدى أفرادا معدودين فكيف بالذين يؤذون المؤمنين في دينهم وعقيدتهم وتصوراتهم. 

 

ويؤذون ألوف المسلمين؟ إنه أذى لله ورسوله كما قال الله تعالى في الحديث القدسي المتفق عليه “يؤذينى ابن آدم” وكما أن من أذية المسلمين هو خلط الحقائق وتلبيس الوقائع، وتسميم الثقافة والوعي، وقل مثل ذلك في مجال القيم والأخلاق والسلوك، وكم يتأذى عموم الناس بما يعرض من مقروء ومشاهد مما يصادم الذوق العام كما يصادم الفضيلة والفطرة؟ فضلا عن أصول الشريعة ومبادئها، أليس كل هذا أذية للمسلمين وتحد ظاهر لدينهم ومشاعرهم؟ حتى أصبح من يريد الحفاظ على نفسه وأسرته من الوقوع في الانحراف يعانى الكثير والكثير؟ وإن من صور الأذى هو استغلال حاجة الناس وفقرهم، والتحايل على الربا الذى غطى بسحابته السوداء بلاد المسلمين، وضرب بأطنابه في تعاملاتهم ظلما وعدوانا حتى دخل على من لا يريده في عقر داره ولو أن يصله غباره، بتجار التقسيط، حتى تكاثرت الديون وتضاعف العوز، مع قلة استفادة المدين وانعدام بركة المال، وإن على أصحاب المال والاقتصاد أن يتقوا الله فيما بين أيديهم. 

 

فغدا والله سوف يسألون، وإن من جوانب الإيذاء العام في مجال المال والاقتصاد، والذي يمارسه بعض التجار وأصحاب المصالح من الاحتكار ورفع الأسعار، والتضييق على المسلمين في أرزاقهم ومعاشهم، حتى أعمى الجشع بصائرهم، وخدّر الطمع مشاعرهم، وإن التجارة باب كريم للرزق، لكن ذلك لا يعني الاتكاء على الضعيف لاستنزاف آخر قطرة من دمه، وأسوأ من ذلك استدراجه بالديون، وتحميله ما لا يحتمل، وإن إيذاء المسلم ومكايدته وإلحاق الشر به واتهامه بالباطل ورميه بالزور والبهتان، وتحقيره وتصغيره وتعييره وتنقصه وثنم عرضه وغيبته وسبه وشتمه وطعنه ولعنه وتهديده وترويعه، وابتزازه وتتبع عورته ونشر هفوته وإرادة إسقاطه، وفضيحته وتكفيره وتبديعه وتفسيقه، وقتاله وحمل السلاح عليه وسلبه ونهبه وسرقته وغشه وخداعه والمكر به، ومماطلته في حقه وإيصال الأذى إليه بأي وجه أو طريق ظلم وجرم وعدوان، لا يفعله إلا دنيء مهين لئيم وضيع ذميم، قد شحن جوفه بالضغناء والبغضاء. 

 

وأفعم صدره بالكراهية والعداء فتنفش للمجابهة وتشمر للمشاحنة، فينصب الشرك ويبري سهام الحتف، دأبه أن يحزن أخاه ويؤذيه وهمه أن يهلكه ويرديه، وكفى بذلك إثما وحوبا وفسوقا، فعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال، صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنادى بصوت رفيع، فقال ” يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفضِ الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله، قال ونظر ابن عمر رضى الله عنهما يوما إلى البيت أو إلى الكعبة، فقال ” ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك ” رواه الترمذى، وعن سهل بن معاذ عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” من رمى مسلم بشيء يريد شينه به حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال ” رواه أبو داود، وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من جرد ظهر مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان ” رواه الطبرانى.

قد يعجبك ايضا
تعليقات