القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

كفّ الأذى عن الناس ” الجزء الثانى “

95

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثانى مع كفّ الأذى عن الناس، وإن الخاسر إنما هو يعترف بذنبه، ويقر بخطيئته، ويرجو رحمة ربه وعفوه ومغفرته، فالمسلم يعلم أن بعد الموت بعثا ونشورا وجزاء وحسابا وجنة ونارا، فهو يعمل لفكاك نفسه وخلاصها من النار، ويجتهد في أن يكون من أهل الجنة والرضوان، محسنا الظن بخالقه، عظيم الرجاء فيما عند مولاه، حذرا خائفا من عقابه وأليم عذابه، يعلم أن الحياة الحقيقية ليست الحياة الدنيا، بل الحياة الدنيا جبلت على أقذار وأحزان وآلام ومتاعب ومصائب، وأن الحياة الحقيقية إنما هي الحياة الآخرة، والحياة الحقيقية حينما يدخل جنة الله ويقال له فيمن يقال لهم “يا أهل الجنة، خلود فلا موت” وإن إيذاء المسلمين ورد فيه وعيد شديد وعقوبة أخروية، فقال تعالى ” والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا” وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال، قال رجل يا رسول الله إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال “هي في النار” 

 

قال يا رسول الله فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصلاتها وصدقتها وأنها تصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي جيرانها بلسانها، قال هي في الجنة” رواه احمد، وإن إيذاء الغير يشمل كل أذى حسي ومعنوي فيدخل في ذلك الاعتداء على مال الغير وأهله وولده ودمه والاستيلاء على أملاكه بغير وجه حق ويشمل أيضا الاستهزاء واللمز والسخرية بالغير، ومن الإيذاء الشائع الطعن في أنساب الناس والنقيصة لهم في المجالس على سبيل التشهي واللهو، ومن الإيذاء الذي يستهين فيه البعض التدخل في خصوصيات الأقارب والجيران وتتبع عوراتهم وإبداء الرأي في أحوالهم وإلقاء اللوم عليهم ونقد تصرفاتهم دون استشارة منهم أو إذنهم وعلمهم بذلك في الوقت الذي لا يسمح المتكلم لأحد التدخل في شؤونه، وقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم “يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفضِ الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله” رواه الترمذى. 

 

وإن من صور الأذى أن يتفكه بعض الناس في المجالس بغيبة المسلمين والسخرية بهم ويجعل ذلك مادة للضحك والفرفشة وجذب الأنظار إليه واعتبار هذا السلوك من الظرافة وخفة الروح وهو مع تحريمه يدل على سفه العقل ونقص المروءة، ومن الأذى الشائع أن يقف الانسان في طريق أو مكان عام يراقب المارة ويتكلم عليهم ويضايقهم ويلمزهم ويؤذيهم بكل قبيح وقد نهى عن ذلك فعن أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إياكم والجلوس في الطرقات فقالوا يا رسول الله مالنا بد من مجالسنا نتحدث فيها فقال” فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه” قالوا وما حقه قال ” غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” متفق عليه، ومن الإيذاء الذي يجهله بعض الناس التدخل في عمل الغير ومتابعته وتقويمه وهو لا يمت بصلة بهذا العمل من أي جهة وليس مسؤولا ولا مخولا بذلك فترى هذا الشخص إذا رأى موظفا في أي مجال تكلم عليه وأثار المسؤول عليه. 

 

وتدخل في شؤونه وأفسد عليه بينما كان الواجب عليه أن ينصحه إذا رأى تقصيرا واضحا بعد سؤاله والتثبت في ذلك، ومن الأذى الخطير الذي ينبغي على المسلم الحذر الشديد منه حسد الناس في أموالهم والتطلع لما في أيديهم وسؤال أهل الدنيا عن أحوالهم فإن ذلك يؤذيهم وينغص عليهم، ومن أعظم الأذى الذي يبتلى فيه بعض الجهال تنقص العلماء والحط من قدرهم ولمزهم واتهامهم في نياتهم وإخلاصهم والتطاول عليهم وجحد معروفهم وجهودهم في الأمة، ومن أعظم الأذى أن يكون لسان المسلم سفاحا يلعن المسلمين ويكفرهم ويبدعهم ويفسقهم لأدنى شبهة وأقرب مخالفة لمذهبه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “سباب المسلم فسوق وقتاله كفر” رواه مسلم، وقد حذر من التكفير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه” رواه مسلم، ومن الأذى العظيم الذي يستخف فيه بعض النساء السفيهات التدخل في المشاكل الزوجية وإفساد المرأة على زوجها وتحريضها على نزع يد الطاعة.

 

والخروج من بيت الزوج والنشوز عليه، ومن الأذى الخفي الذي لا يفطن إليه بعض الصالحين أن يبالغ في العقوبة ويفجر في الخصومة مع خصمه وينتصر لنفسه بالباطل ويتجاوز القدر الشرعي المأذون فيه وربما تعدى تصرفه إلى النيل من عرض الظالم والطعن في عرضه وتتبع عورته وإظهار فضائحه بينما كان المباح له أخذ الحق الشرعي والرد بالعقوبة المماثلة، وأفضل له أن يعفو ويصفح ويسامح ابتغاء رضا الله وثوابه، وإن بعض الناس هداه الله مؤذ في طبيعته معتد في طبعه لا يخالط أناسا إلا آذاهم ولا ينزل في مكان إلا حلت فيه المشاكل لا يطيقه أحد فهذا يجب عليه أن يستصلح نفسه ويكف شره فإن شق عليه ذلك أو تعذر فليعتزل الناس في اجتماعاتهم العامة إلا الجمع والجماعات يلزمه المداومة عليها، فقيل يا رسول الله أي الناس أفضل فذكر المجاهد ثم قال “مؤمن في شعب من الشعاب يتقى الله ويدع الناس من شره” متفق عليه، وهكذا فإن أنواع الأذى وصور الأذى التي جاء الإسلام لمنعها كثيرة.

قد يعجبك ايضا
تعليقات