القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

يوم بدر دروس وعبر الجزء العاشر

100

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء العاشر مع يوم بدر دروس وعبر، وقد توقنا مع معجزات فى بدر، وإن من المعجزات النبوية التى أكرم الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم فى غزوة بدر ما ذكره ابن القيم فى كتبه زاد المعاد ” أن سيف عكاشة بن محصن انقطع يومئذ، فأعطاه النبى صلى الله عليه وسلم جذلا من حطب، فقال “دونك هذا” فلما أخذه عكاشة وهزه، عاد فى يده سيفا طويلا شديدا أبيض، فلم يزل عنده يقاتل به حتى قتل فى الردة أيام أبى بكر” ومن معجزات بدر، هو رد عن رفاعة رضي الله عنه، وذكر ابن كثير فى البداية والنهاية أن رفاعة بن رافع رضى الله عنه قال ” لما كان يوم بدر تجمع الناس على أبيّ بن خلف، فأقبلت إليه فنظرت إلى قطعة من درعه قد انقَطعت من تحت إبِطه، قال فطعنته بالسيف فيها طعنة، ورميت بسهم يوم بدر ففقئت عينى، فبصق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لى، فما آذانى منها شيء ” ولقد كانت هناك معجزات بعد انتهاء المعركة، وهو سماع المشركين كلام النبى صلى اللهُ عليه وسلم وخطابه.

وهم أموات فى القليب، فقد كانت غزوة بدر آية من الآيات الدالة على قدرة رب الأرض والسماوات آية فى إحقاق الحق وإبطال الباطل وآية قابت موازين البشر التي تقول أن الغلبة للقوة والغلبة للعدة، آية فى التضحية والفداء، آية فى الولاء والبراء، آية فى الوفاء ، آية فى الطاعة والانقياد، وإن من الدروس المستفاده من الغزوة أن حقيقة النصر من الله تعالى، وأن النصر ليس إلا من عند الله تلك الحقيقة التي سطرها الله تعالى في تلك الغزوة، فالله تعالى هو الناصر والنصير وهو ذو القوة والجبروت، وأن النصر لا يكون إلا من عند الله عز وجل، والمعنى هو ليس النصر إلا من عند الله دون غيره، والعزيز، أى بمعنى ذو العزة التي لا ترام والحكيم، أى بمعنى الحكيم فيما شرعه من قتال الكفار مع القدرة على دمارهم وإهلاكهم بحوله وقوته سبحانه وتعالى، ويستفاد أن تعليم المؤمنين هو الاعتماد على الله وحده، وتفويض أمورهم إليه مع التأكيد على أن النصر إنما هو من عند الله وحده، وليس من الملائكة أو غيرهم، فالأسباب يجب أن يأخذ بها المسلمون.

لكن يجب أن لا يغتروا بها، وأن يكون اعتمادهم على خالق الأسباب حتى يمدهم الله بنصره وتوفيقه، ثم بين سبحانه مظاهر فضله على المؤمنين، وأن النصر الذى كان في بدر، وقتلهم المشركين، ورمى النبي صلى الله عليه وسلم المشركين بالتراب يوم بدر إنما كان في الحقيقة بتوفيق الله أولا وبفضله ومعونته، ومن الدروس هو الولاء والبراء من فقه الإيمان، فكانت هذه هى غزوة الولاء والبراء فقد تجلت تلك الحقيقة على ارض الواقع فى ميدان المعركة فقد التقى الإباء مع الأبناء والإخوة مع الإخوة والأبناء مع أعمامهم وأخوالهم فلم يمنعهم ذلك من إحقاق الحق ونصرة الدين فالوشيجة ليست وشيجة العرق ولا الدم ولا اللون ولا اللغة ولا الوطن وإنما الوشيجة هي وشيجة الإيمان بالله تعالى، فقد رسمت غزوة بدر لأجيال الأمة صورا مشرقة فى الولاء والبراء، وجعلت خطا فاصلا بين الحق والباطل، فكانت الفرقان النفسى والمادى والمفاصلة التامة بين الإسلام والكفر، وفيها تجسدت هذه المعانى، فعاشها الصحابة واقعا ماديا.

وحقيقة نفسية، وفيها تهاوت القيم الجاهلية، فكان أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة في صف المسلمين، وكان أبوه عتبة وأخوه الوليد وعمه شيبة في صف المشركين، وقد قتلوا جميعا فى المبارزة الأولى، وكان أبو بكر الصديق في صف المسلمين، وكان ابنه عبد الرحمن فى صف المشركين، وكان مصعب بن عمير حامل لواء المسلمين، وكان أخوه أبو عزيز بن عمير في صف المشركين، ثم وقع أسيرا في يد أحد الأنصار، فقال مصعب للأنصارى شد يدك به فإن أمه ذات متاع، فقال أبو عزيز يا أخي هذه وصيتك بي؟ فقال مصعب إنه أخى دونك، تلك كانت حقائق وليس مجرد كلمات إنه أخى دونك إنها القيم المطروحة لتقوم الإنسانية على أساسها، فإذا العقيدة هى آصرة النسب والقرابة وهى الرباط الاجتماعى، ولقد كان شعار المسلمين في بدر هو أحد، أحد، وهذا يعني أن القتال في سبيل عقيدة تتمثل بالعبودية للإله الواحد، فلا العصبية ولا القبلية، ولا الأحقاد والضغائن، ولا الثأر هو الباعث والمحرك، ولكنه الإيمان بالله وحده.

وأن الدعاء من أعظم أسباب النصر على الأعداء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه ويستغيث به كلما نزل به كرب أو شدة، كما حدث في غزوة بدر، وإن الإخلاص والصدق من أسباب النصر على الأعداء، وعن أبى موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن فى سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله” رواه البخارى ومسلم، وهذا ما حدث فى غزوة بدر، فإن المؤمنين لما صدقوا مع الله، وأخلصوا له كان النصر حليفهم، وأن الشيطان يحسن للإنسان المعاصى، ويزينها له، فإذا وقع فيما يريد تخلى عنه، وهذا ما حدث في غزوة بدر، فإن الشيطان زين لكفرة قريش الخروج لحرب النبى صلى الله عليه وسلم، ثم تولى عنهم، وأيضا فإن الوفاء بالعهد من صفات المؤمنين، وقد حث الله ورسوله عليهما، وقد ضرب النبى صلى الله عليه وسلم مثلا لأصحابه عندما قال حذيفة ابن اليمان.

وأبوه للنبى صلى الله عليه وسلم أخذنا كفار قريش فقالوا إنكم تريدون محمدا؟ فقلنا ما نريد إلا المدينة، فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة، ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه الخبر، فقال “انصرفا، نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم” وأن المؤمن قد يكره الشيء ويكون خيرا له، وهذا ما حدث فى هذه الغزوة، عندما كره فريق من المؤمنين، انفلات العير، والمواجهة مع المشركين فى معركة حاسمة، لم يتهيؤوا لها، لا بالعدد ولا بالعدة، وقد جعل فيها خيرا كثيرا، فقتل سبعون من المشركين، وأسر سبعون، وكانت ضربة قاصمة لقريش، وأن النصر بالملائكة ليس خاصاً بأهل بدر، ولكنه عام لكل من جمع هذه الشروط الثلاثة، وهى الإيمان والصبر والتقوى، وأن الانتصار للتقوى فان غابت التقوى كان الانتصار للأقوى وتلك سنة الله التى لا تحابى أحدا وهى ما سطرها عبد الله ابن رواحة رضى الله عنه فى غزوة مؤته عندما قال “يا قوم، والله إن الذى تكرهون للذى خرجتم تطلبون الشهادة.

وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذى أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هى إحدى الحسنيين إما ظهور، وإما شهادة” فإن الأمم الأفراد فى حاجة إلى من يذكرهم بنواحى العبر فى تاريخ أسلافهم حتى يتأسوا بهم لتحقيق غايتهم فيما يريدون من الخير ومن السعادة لأنفسهم وذوِيهم، وإن أحسن ما نذكر به الأمم الإسلامية فى هذه الأيام التى يكافحون فيها لرد حقوقهم من الغرب الذى غلبهم عليها يوم ضعفهم لتخليهم عن العمل بدينهم هو بيان نواحى العبر في هجرة رسولهم صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، تاركا وطنه مكةَ الذى وُلد فيه، ونشأ بين جدرانه، وتربى فى أكنافه، والذى عاش فيه ثلاثة وخمسين عاما بين أهله وقومه وعشيرته كل ذلك لنصرة عقيدته التي امتزجت أصولها بروحه، أو هى روحه التى لا يحيا بدونها لأن فيها مرضاة ربه التى تفوق عنده كل شيء حتى الحياة نفسها، التى هى أثمن ما يحرص عليه الناس، ولقد هاجر مع الرسول صلى الله عليه وسلم بعض المسلمين الذين كانت عندهم قدرة على الهجرة، وتركوا كذلك الأهل والولد، والمال والوطن فرارا بعقيدتهم التي اختلطت بدمائهم، وسرى نورها فى أرواحهم حتى كأنها حياتهم.

قد يعجبك ايضا
تعليقات