القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

يوم بدر دروس وعبر الجزء الثامن

97

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثامن مع يوم بدر دروس وعبر، وقد توقنا عندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما تقولون فى هؤلاء الأسرى؟ فقال أبو بكر الصديق ” يا رسول الله قومك وأهلك، استبقهم واستأْن بهم لعل الله أن يتوب عليهم، وقال عمر بن الخطاب يا رسول الله، أخرجوك وكذبوك، قربهم فاضرب أعناقهم، وقال عبد الله بن رواحة يا رسول الله، انظر واديا كثير الحطب، فأدخلهم فيه ثم اضرم عليهم نارا، فقال العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعت رحمك، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يردَّ عليهم شيئا، فقال ناس يأخذ بقول أبى بكر الصديق، وقال ناس يأخذ بقول عمر بن الخطاب، وقال ناس يأخذ بقول عبد الله بن رواحة، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال “إن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم عليه السلام قال ” فمن تبعنى فإنه منى ومن عصانى فإنك غفور رحيم”

ومثلك يا أبا بكر كمثل عيسى قال ” إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم” وإن مثلك يا عمر كمثل نوح إذ قال ” وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا” وإن مثلك يا عمر كمثل موسى قال ” وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا فى الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم” ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أنتم عالة، فلا ينفلتن منهم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق” فقال عبد الله بن مسعود يا رسول الله، إلا سهيل بن بيضاء فإنه يذكر الإسلام، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول ابن مسعود فما رأيتنى فى يوم أخوف أن تقع علي حجارة من السماء في ذلك اليوم، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إلا سهيل بن بيضاء” فنزلت الآية ” ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخره والله عزيز حكيم”

ولقد كانت معاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم للأسرى بأساليب متعددة، فهناك من قتله، وبعضهم قبل فيهم الفداء، والبعض الآخر منَّ عليهم، وآخرون اشترط عليهم تعليم عشرة من أبناء المسلمين مقابل المنِّ عليهم، وكان الذين قتلهم المسلمون من الأسرى فى بدر عقبة بن أبى معيط والنضر بن الحارث، ويرى المسلمون أن قتلهم ضرورة تقتضيها المصلحة العامة لدعوة الإسلام الفتية، فقد كانا من أكبر دعاة الحرب ضد الإسلام، فبقاؤهما يعد مصدر خطر كبير على الإسلام، فقد كان النضر بن الحارث يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وينصب له العداوة، وكان قد قدم الحيرة، وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس وأحاديث رستم وإسفنديار، فكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا فذكر فيه بالله، وحذر قومه ما أصاب قبلهم من الأمم من نقمة الله، خلفه فى مجلسه إذا قام، ثم قال أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثا منه، فهلم إليَّ فأنا أحدثكم أحسن من حديثه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم وإسفنديار، ثم يقول “بماذا محمد أحسن حديثا منى؟

فلما أسره المسلمون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله، فقتله على بن أبى طالب، ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة فرَّق الأسرى بين أصحابه، وقال لهم استوصوا بهم خيرا، وقد روى عن أبى عزيز بن عمير أخى مصعب بن عمير أنه قال كنت فى الأسرى يوم بدر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “استوصوا بالأسارى خيرا” وكنت فى نفر من الأنصار، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم أكلوا التمر، وأطعمونى البُرَّ لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أبو العاص بن الربيع كنت في رهط من الأنصار جزاهم الله خيرا، كنا إذا تعشينا أو تغدينا آثرونى بالخبز وأكلوا التمر، والخبز معهم قليل، والتمر زادهم، حتى إن الرجل لتقع في يده كسرة فيدفعها إليَّ، وكان الوليد بن الوليد بن المغيرة يقول مثل ذلك ويزيد وكانوا يحملوننا ويمشون، وبعثت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى فداء أسراهم، ففدى كلُّ قوم أسيرَهم بما رضوا، وكان ناس من الأسرى يوم بدر ليس لهم فداء.

فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة، وبذلك شرع الأسرى يعلمون غلمان المدينة القراءة والكتابة، وكل من يعلم عشرة من الغلمان يفدى نفسه، وكان من نتائج غزوة بدر أن قويت شوكة المسلمين، وأصبحوا مرهوبين في المدينة وما جاورها، كما أصبح للدولة الإسلامية الجديدة مصدر للدخل من غنائم الجهاد وبذلك انتعش حال المسلمين المادى والاقتصادى بما غنموا من غنائم بعد بؤس وفقر شديدين داما تسعة عشر شهرا، أما نتائج الغزوة بالنسبة لقريش فكانت خسارة فادحة، فقد قتل فيها أبو جهل عمرو بن هشام وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة وغيرهم من زعماء قريش الذين كانوا من أشد القرشيين شجاعة وقوة وبأسا، ولم تكن غزوة بدر خسارة حربية لقريش فحسب، بل خسارة معنوية أيضا، ذلك أن المدينة لم تعد تهدد تجارتها فقط، بل أصبحت تهدد أيضا سيادتها ونفوذها في الحجاز كله، وتقع بدر جنوب غرب المدينة المنورة، والمسافة بينها وبين المدينة بطرق القوافل القديمة.

التى سلكها رسول الله صلى الله عليه وسلم حوالى مائتان وستين كيلومتر تقريبا، وكما أنها تقع شمالى مكة، والمسافة بينها وبين مكة بطرق القوافل القديمة التي سلكها جيش قريش حوالى ربعمائة كيلومترا، أما المسافة اليوم بين مكة وبدر بطرق السيارات اليوم فهى ثلاثة مائة وثلاثة واربعون كيلومتر، والمسافة بين المدينة وبدر بهذا الطريق هى مائة وثلاثة وخمسون كيلومتر، وأما المسافة بين بدر وساحل البحر الأحمر الواقع غربيها فهي حوالى ثلاثين كيلومتر، وتعتبر غزوة بدر هى مصدر فخر للمسلمين ولتاريخهم، ومعركة بدر ملحمة من ملاحم الإيمان التى اشتملت على الآيات الباهرات وعلى المعجزات الظاهرات وعلى الدروس الإيمانية والتربوية والأخلاقية فهى بحق ملحمة كبرى، ولكن لماذا غزوة بدر من أعظم الغزوات؟ وهو لأنها أول غزوة كان لها أثرها فى إظهار قوة الإسلام، فكانت بدء الطريق ونقطة الانطلاق فى انتشار الإسلام، ولأنها رسمت الخط الفاصل بين الحق والباطل.

فكانت الفرقان النفسى والمادي والمفاصلة التامة بين الإسلام والكفر، وفيها تجسدت هذه المعانى، فعاشها الصحابة واقعا ماديا وحقيقة نفسية، وفيها تهاوت قيم الجاهلية، فالتقى الابن مقاتلا لأبيه وأخيه والأخ مواجهة لأخيه، ولأن المحرك لها هو الإيمان بالله وحده، لا العصبية ولا القبيلة ولا الأحقاد والضغائن ولا الثأر، وفيها تجلت صور رائعة من الإيمان بالله وصفاء العقيدة وحب هذا الدين، ولقد كانت هناك المعجزات التى أيد الله بها الفئة المؤمنة على الفئة الباغية الكافرة، وهو إنزال المطر عليهم حيث أنزل الله سبحانه من السماء ماء كان رحمة على المؤمنين فقال تعالى كما جاء فى سورة الأنفال ” وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام” فذكر الله سبحانه أنه أنزل المطر على المؤمنين لأربعة أسباب للتطهير من الحدث، ولإذهاب وسوسة الشيطان، ولتثبيت القلوب، ولتلبيد الأرض الرملية فى بدر لتثبت عليها أقدام المؤمنين فى سيرهم.

قد يعجبك ايضا
تعليقات