القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

يوم بدر دروس وعبر الجزء السادس 

97

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء السادس مع يوم بدر دروس وعبر، وقد توقنا عندما بنى المسلمون العريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم، على تل مشرف على ساحة القتال، وكان معه فيه أبو بكر الصديق، وكانت ثلة من شباب الأنصار بقيادة سعد بن معاذ يحرسون عريش رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بات المسلمون تلك الليلة، التى هى ليلة المعركة، وقد أنزل الله تعالى على المسلمين فى تلك الليلة النعاس والطمأنينة، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة الأنفال ” إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام ” فقال القرطبى وكان هذا النعاس في الليلة التى كان القتال من غدها، فكان النوم عجيبا مع ما كان بين أيديهم من الأمر المهم، وكأن الله ربط جأشهم” أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ظل يصلى ويبكي حتى أصبح، فقال الإمام على بن أبى طالب ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد على فرس أبلق، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتخطيط للمعركة، فصف المسلمين فاستقبل المغرب وجعل الشمس خلفه فاستقبل أعداؤه الشمس، أى جعل الشمس فى ظهر جيشه وفي وجه أعدائه حتى تؤذى أشعتها أبصارهم، كما أخذ يعدل الصفوف ويقوم بتسويتها لكى تكون مستقيمة متراصة، وبيده سهم لا ريش له يعدل به الصف، فرأى رجلا اسمه سواد بن غزية، وقد خرج من الصف فضربه في بطنه، وقال له استوى يا سواد، فقال يا رسول الله أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدنى، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال “استقد” فاعتنقه سواد فقبّل بطنه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما حملك على هذا يا سواد؟ فقال “يا رسول الله حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدى جلدك يا رسول الله” فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير، ثم بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بإصدار الأوامر والتوجيهات لجنده، ومنها أنه أمرهم برمى الأعداء إذا اقتربوا منهم.

وليس وهم على بعد كبير، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن دنا القوم منكم فانضحوهم بالنبل” كما نهى عن سل السيوف إلى أن تتداخل الصفوف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم” كما أمر الصحابةَ بالاقتصاد فى الرمى، قال “واستبقوا نبلكم” وقد كان لتشجيع رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه أثر كبير في نفوسهم ومعنوياتهم، فقد كان يحثهم على القتال ويحرضهم عليه، ومن ذلك قوله لأصحابه قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، فقال عمير بن الحمام الأنصارى يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال نعم، قال بخ بخ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما يحملك على قول بخ بخ؟ قال لا والله يا رسول الله، إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال فإنك من أهلها، فأخرج تمرات من قرنه وهى جعبة النشاب فجعل يأكل منه، ثم قال لئن أنا حييت حتى آكل تمراتى هذه إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل.

ومن تشجيعه أيضا أنه كان يبشر أصحابه بقتل صناديد قريش، ويحدد مكان قتلى كل واحد منهم، كما كان يبشر المسلمين بالنصر قبل بدء القتال فيقول أبشر أبا بكر، ووقف يقول للصحابة “والذى نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة” وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالنصر فقال ” اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادّك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتنى” وقبل وصول قريش إلى بدر بعثت عمير بن وهب الجمحي، للتعرف على مدى قوة جيش المدينة، فدار عمير بفرسه حول العسكر، ثم رجع إليهم فقال ثلاثمائة رجل، يزيدون قليلا أو ينقصون، ولكن أمهلونى حتى أنظر أللقوم كمين أو مدد، فضرب في الوادى حتى أبعد، فلم ير شيئا، فرجع إليهم فقال ما وجدت شيئا، ولكنى قد رأيت يا معشر قريشٍ البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يُقتل رجل منهم حتى يقتل رجلا منكم.

فإذا أصابوا منكم أعدادكم، فما خير العيش بعد ذلك، فروا رأيكم، ولكن أبا جهل رفض العودة إلى مكة بدون قتال وأصر على المضى لقتال المسلمين، ولما وصل جيش مكة إلى بدر دب فيهم الخلاف وتزعزعت صفوفهم الداخلية، فعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال لما نزل المسلمون وأقبل المشركون، نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عتبة بن ربيعة وهو على جمل أحمر، فقال إن يكن عند أحد من القوم خير فهو عند صاحب الجمل الأحمر، إن يطيعوه يرشدوا، وكان عتبة يقول يا قوم أطيعونى في هؤلاء القوم فإنكم إن فعلتم لن يزال ذلك في قلوبكم، ينظر كل رجل إلى قاتل أخيه وقاتل أبيه، فاجعلوا حقها برأسى وارجعوا، فقال أبو جهل انتفخ والله سحره، أى بمعنى جبن، حين رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، إنما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أكلة جزور لو قد التقينا، فقال عتبة “ستعلم من الجبان المفسد لقومه، أما والله إنى لأرى قوما يضربونكم ضربا، أما ترون كأن رؤوسهم الأفاعى وكأن وجههم السيوف”

واستفتح أبو جهل في ذلك اليوم فقال اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا نعرفه، فأحنه الغداة، اللهم أينا كان أحب إليك وأرضى عندك فانصره اليوم، فنزلت في ذلك الآية ” إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغنى عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين” وبدأت المعركة بخروج رجل من جيش قريش هو الأسود بن عبد الأسد المخزومى قائلا أعاهد الله لأشربن من حوضهم، أو لأهدمنه، أو لأموتن دونه، فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فلما التقيا ضربه حمزة فأطن قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دما نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه، يريد أن تبرَّ يمينه، ولكن حمزة بن عبد المطلب رضى الله عنه ثنى عليه بضربة أخرى أتت عليه وهو داخل الحوض، وردّا على ذلك، خرج من جيش قريش ثلاثة رجال هم عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة، وطلبوا المبارزة، فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار.

وهم عوف ومعوذ ابنا الحارث وأمهما عفراء وعبد الله بن رواحة، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أرجعهم لأنه أحب أن يبارزهم بعض أهله وذوى قرباه، وقيل أن رجال قريش هم من رفضوا مبارزة هؤلاء الأنصار، فقالوا لهم من أنتم؟ قالوا رهط من الأنصار، قالوا أكفاء كرام، ما لنا بكم حاجة، وإنما نريد بنى عمنا، ثم نادى مناديهم يا محمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ” قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا على” وبارز حمزة شيبة فقتله، وبارز علي الوليد وقتله، وبارز عبيدة بن الحارث عتبة فضرب كل واحد منهما الآخر بضربة موجعة، فكرَّ حمزة وعلي على عتبة فقتلاه، وحملا عبيدة وأتيا به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن ما لبث أن توفى متأثرا من جراحته، وقد قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم “أشهد أنك شهيد” وفى هؤلاء الستة نزلت الآيات من سورة الحج، ولما شاهد جيش قريش قتل الثلاثة الذين خرجوا للمبارزة غضبوا وهجموا على المسلمين هجوما عاما.

قد يعجبك ايضا
تعليقات