القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

يوم بدر دروس وعبر الجزء السابع

103

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء السابع مع يوم بدر دروس وعبر، وقد توقنا عندما شاهد جيش قريش قتل الثلاثة الذين خرجوا للمبارزة غضبوا وهجموا على المسلمين هجوما عاما، فصمد وثبت له المسلمون، وهم واقفون موقف الدفاع، ويرمونهم بالنبل كما أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم وكان شعار المسلمين هو أحد أحد، ثم أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجوم قائلا ” شدوا” وواعدا من يقتل صابرا محتسبا بأن له الجنة، ومما زاد في نشاط المسلمين واندفاعهم فى القتال سماعهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم ” سيهزم الجمع ويولون الدبر” وأن الله تعالى قلل المشركين فى أعين المسلمين وأكثر المسلمين في أعين المشركين، فقد كان الرسول قد رأى في منامه ليلة اليوم الذي التقى فيه الجيشان، رأى المشركين عددهم قليل، وقد قص رؤياه على أصحابه فاستبشروا خيرا، وقد جاء في القرآن الكريم ” إذ يريكهم الله فى منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم فى الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور”

ويقول تعالى ” وإذ يريكموهم إذ ألتقيتم فى أعينكم قليلا ويقللكم فى أعينهم ليقضى الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور” ومعنى الآيتين أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى المشركين في منامه قليلا، فقصّ ذلك على أصحابه فكان ذلك سببا لثباتهم، ووجه الحكمة في تقليل المسلمين في أعين المشركين هو أنهم إذا رأوهم قليلاً أقدموا على قتالهم غير خائفين ولا مبالين بهم، ولا آخذين الحذر منهم، فلا يقاتلون بجد واستعداد ويقظة وتحرز، ثم إذا ما التحموا بالقتال فعلا تفجؤهم الكثرة فيبهتون ويهابون، وتكسر شوكتهم حين يرون ما لم يكن فى حسابهم وتقديرهم، فيكون ذلك من أسباب خذلانهم وانتصار المسلمين عليهم، ولقد ابتكر الرسول صلى الله عليه وسلم فى قتاله مع أعدائه يوم بدر أسلوبا جديدا في مقاتلة الأعداء، لم يكن معروفا من قبل عند العرب، فقاتل بنظام الصفوف، وهذا الأسلوب أشار إليه القرآن في سورة الصف فى هذه الآية ” إن الله يحب الذين يقاتلون فى سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص”

وصفة هذا الأسلوب هو أن يكون المقاتلون على هيئة صفوف الصلاة، وتقل هذه الصفوف أو تكثر تبعا لقلة المقاتلين أو كثرتهم، وتكون الصفوف الأولى من أصحاب الرماح لصد هجمات الفرسان، وتكون الصفوف التي خلفها من أصحاب النبال، لتسديدها من المهاجمين على الأعداء، واتبع الرسول صلى الله عليه وسلم أسلوب الدفاع ولم يهاجم قوة قريش، وكانت توجيهاته التكتيكية التي نفذها جنوده سببا في زعزعة مركز العدو، وإضعاف نفسيته، وبذلك تحقق النصر على العدو برغم تفوقه، وأن الله تعالى قد ألقى فى قلوب أعدائهم الرعب في غزوة بدر، كما أنه تعالى قد أنزل الملائكة تقاتل معهم أعداءهم، وأن إمداده للمؤمنين بالملائكة أمر قطعى ثابت لا شك فيه، فقد جاء في سورة الأنفال ” إذ يوحى ربك إلى الملائكة أنى معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقى فى قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان” ويقول تعالى فى سورة آل عمران ” ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون”

ويقول تعالى ” إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين” كما قال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر “هذا جبريل آخذُ برأس فرسه عليه أداة الحرب” وروى عن على بن أبي طالب أنه قال “فجاء رجل من الأنصار قصير بالعباس بن عبد المطلب أسيرا، فقال العباس بن عبد المطلب يا رسول الله، إن هذا والله ما أسرنى، لقد أسرنى رجل أجلح من أحسن الناس وجها على فرس أبلق ما أراه في القوم” فقال الأنصارى أنا أسرته يا رسول الله، فقال “اسكت فقد أيدك الله بملك كريم” وبدأت أمارات الفشل والاضطراب تظهر في صفوف قريش، واقتربت المعركة من نهايتها، وبدأت جموع قريش تفر وتنسحب، وانطلق المسلمون يأسرون ويقتلون حتى تمت على قريش الهزيمة، وقتل القائد العام لجيش قريش، وهو عمرو بن هشام المخزومى المعروف باسم أبى جهل، فقد قتله غلامان من الأنصار هما معاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح، ويروى الصحابي عبد الرحمن بن عوف.

قصة مقتله فيقول بينما أنا واقف في الصف يوم بدر، فنظرت عن يميني وشمالي، فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، تمنيت لو كنت بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال يا عم هل تعرف أبا جهل؟ قلت نعم، وما حاجتك إليه يا ابن أخى؟ قال أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذى نفسى بيده لئن رأيته لا يفارق سوادى سواده حتى يموت الأعجل منا، قال فتعجبت لذلك، فغمزنى الآخر فقال لى مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلى أبى جهل يجول في الناس فقلت ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذى تسألان عنه، قال فابتدراه بسيفيهما حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أيكما قتله؟” فقال كل واحد منهما أنا قتلته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “هل مسحتما سيفيكما؟” قالا لا، فنظر فى السيفين فقال “كلاكما قتله” وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح، وكانا معاذا بن عفراء ومعاذا بن عمرو بن الجموح، وانتهت معركة بدر بانتصار المسلمين على قريش.

وكان قتلى قريش سبعين رجلا، وأُسر منهم سبعون آخرون، وكان أكثرهم من قادة قريش وزعمائهم، وقتل من المسلمين أربعة عشر رجلا، منهم ستة من المهاجرين وهم عبيدة بن الحارث المطلبى القرشى، وعمير بن أبى، وقاص الزهري القرشى، وصفوان بن وهب الفهري القرشى، وعاقل بن البكير الليثى الكنانى، وذو الشمالين بن عبد عمرو الخزاعى، ومهجع بن صالح العكى، وكان من الشهداء ثمانية من الأنصار هم سعد بن خيثمة الأوسى، ومبشر بن عبد المنذر العمري الأوسى، ويزيد بن الحارث الخزرجى، وعمير بن الحمام السلمى الخزرجى، ورافع بن المعلى الزرقي الخزرجى، وحارث بن سراقة النجارى الخزرجى، ومعوذ بن الحارث النجارى الخزرجى، وعوف بن الحارث النجارى الخزرجى ولما تم النصر وانهزم جيش قريش أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة وزيد بن حارثة ليبشرا المسلمين فى المدينة بانتصار المسلمين وهزيمة قريش، ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بدر ثلاثة أيام.

بعد المعركة، فقد روى عن أنس بن مالك رضى الله عنه أنه قال “إنه صلى الله عليه وسلم كان إذا ظهر على قومٍ أقام بالعرصة ثلاث ليال” ودفن من قتل من المسلمين في أرض المعركة، ولم يرد ما يشير إلى الصلاة عليهم، ولم يُدفن أحد منهم خارج بدر، ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على القتلى من قريش فقال “بئس عشيرة النبى كنتم لنبيكم، كذبتمونى وصدقنى الناس، وخذلتمونى ونصرنى الناس، وأخرجتمونى وآوانى الناس” ثم أمر بهم، فسحبوا إلى قليب من قلب بدر فطرحوا فيه، ثم وقف عليهم فقال “يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، ويا فلان، ويا فلان، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ فإنى وجدت ما وعدني ربى حقا” فقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه يا رسول الله ما تخاطب من أقوام قد جيفوا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “والذى نفس محمد بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم” ولما انتصر المسلمون يوم بدر ووقع فى أيديهم سبعون أسيرا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟

قد يعجبك ايضا
تعليقات