القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

عالم وفكرة “الجزء الثاني “

122

كتب د _ بدران رياض

الإمام المتكلم المفسر صاحب التصانيف النافعة أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي الحنبلي .
يأتي لبعض الناس فهما سقيما للدنيا ومكانتها الحقيقية نتيجة القراءة المجزأة لنصوص الكتاب والسنة وغياب الفهم الشمولي لهما فعندما يقرأ هؤلاء في القرآن الكريم ” وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ” (أل عمران185) ” اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ” (الحديد 20) وفي السنة فقد مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ ، فَقَالَ : ” وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ عَلَى أَهْلِهَا ” وغير ذلك كثير فيسقط الدنيا تماما ويضيع مصالحها ويصير عالة على غيره في كسب معاشه بل ويضيع من هو مكلف بمعاشه وفيه من الإثم ما فيه
فالسبب الرئيس الذي أوقعهم في الفهم المغلوط لهذه النصوص أنهم اعتنقوا فكرة ثم راح كل واحد منهم يبحث لها عن دليل والأحرى به أن يدور مع الدليل حيث دار أي يتبع الدليل لا أن يتبع طريقًا ويتطلب دليلها.
ومن ثم يجزم ابن الجوزي أنهم ابتكروا طريقة زينها لهم الشيطان فهي من وحيه لا تمت بصلة للوحي الإلهي فيظن هؤلاء أن الزهد في الدنيا ، والمبالغة في هجرها وترك الحلال هو عين المطلوب.

وهنا يشهر ابن الجوزي سيف الحق في وجوه هؤلاء ويعلن الفهم الصحيح لحقيقة الدنيا الموافق لكليات الشريعة وعموم الكتاب والسنة وفهم الصحب الكرام فهى في حقيقتها قرار للناس جميعا تخرج منها أقواتهم وما فيها من ماء وزرع وحيوان كله لمصالح الآدمي وفيها حفظ أسباب بقائه و من المعلوم أن بقاء الآدمي وحياته واستقراره في الأرض سبب لمعرفته لربه لأجل طاعته سبحانه وتعالى .
فقد خلق الله الإنسان في هذه الدنيا لأجل معرفته وعبادته فلا يمكن أن تكون مذمومة بهذا المعنى مطلقـًا إلا في أذهان أصحاب الفهم السقيم .

ومن المعلوم بداهة أن الصحابة أفهم الناس للكتاب والسنة ومع ذلك لم يتركوا الدنيا ترك هؤلاء المتزهدين فقد فهموا الزهد في الدنيا فهمًا يختلف عن متكلفي التزهد فلم يحرموا أنفسهم من متاع الدنيا الحلال من المطعم والملبس ، بل والإكثار من الزواج المستحب شرعًا

فالحقيقة التي غابت عنهم أن المطعم المراد منه تقوية البدن للقيام بحق الله – تعالى- ، فالنبي – صلى الله عليه وسلم – يأكل لحم الدجاج وأحب الأشياء إليه الحلوى ولم يرد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في أي من المرويات الصحيحة أنه امتنع عن مباح قط ومن هنا يعرض ابن الجوزي ثروات أغنياء الصحابة وإكثارهم من الزوجات .

ومما يدعم هذا الفهم الصحيح لحقيقة الدنيا يورد ابن الجوزي من هدي الأنبياء أن موسى – عليه السلام – قد أنفق من عمره الشريف عشر سنين في مهر بنت شعيب عليه السلام .

فأي نص يهون من شأن الدنيا إنما يدور حول الاغترار بها والانغماس في شهواتها ونسيان الغرض الذي من أجله خلق الله الإنسان فيها أما ترك الدنيا لأهل الفساد فمخالف للكتاب والسنة وفهم الصحابة

قد يعجبك ايضا
تعليقات