القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

عالم وفكرة “الجزء الرابع “

104

 

كتب د /بدران رياض

العالم : الفقيه المالكي المربي العلامة أحمد بن محمد زرُّوق .
الفكرة : نظرية مدارج التعلم المثمر.

يتحدث عالمنا المربي عن مدارج التعلم عند طلاب العلوم بداية من حسن الاستماع، وفقدان المتعلم لحسن الاستماع معناه عدم القدرة على المعرفة الحقيقية التي تؤدي إلى الفهم الثاقب لحقائق العلوم ومن ثم التصور الصحيح للموضوع المدروس

ونستطيع أن نجزم بأن الشيخ زروق متأثر بالقرآن الكريم في عرضه لنظريته في مدارج التعلم وذلك في قوله تعالى :”إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ” أي استمعَ الكلام فوعاه، وتعقله بعقله وتفهمه بلبه، وقال الضحّاك: العرب تقول: ألقى فلان سمعه إذ استمع بأذنيه وهو شاهد بقلب غير غائب.

ووسيلة السمع في القرآن مقدمة على غيرها من وسائل التعلم : “وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ”.
فالاستماع الجيد هو الفارق الحاسم بين طبقات المتعلمين وما يترتب عليها من الانتفاع بالمادة المدروسة فعمالقة العلم تميزوا بحسن الاستماع ، فكان منهم الإبداع والتميّز وتُكمن أهميته في كون حاسة السمع أول حاسة تعمل لدى الإنسان ومعظم ما يتعلمه الإنسان في حياته سببه الاستماع .
فبحسب ترتيب شيخنا ، يجب أن يكون بعد الاستماع المصحوب بالقبول أي مصحوب بالميول والرغبات التي يتحفز الطلاب بها إلى موادهم الدراسية ، وكأنه انتبه مبكرًا إلى لزوم الهدف الوجداني ، ومصاحبته للمعرفي والمهاري وكأنه قد سبق أهل التربية المعاصرين إلى الانتباه لأهمية القيم ، وابتعاد المتعلم عنها معناه انهيار عملية التعلم من أساسها فتصبح أداة تدمير لا بناء.

وينتقل الطلاب بعد مرحلة الاستماع والقبول إلى مرحلة التصور والتفهم، فعلماء التربية نادوا بضرورة تشجيع المتعلمين على تكوين صور عقلية واضحة لما يتعلمونه ؛لأن التصور الذهني يساعدهم على ابتكار معاني جديدة على ما يدرسونه؛ لأن في ذلك ربط بين التعلم السابق والتعلم الجديد وهى من أفضل الوسائل لتحسين ذاكرة المتعلمين .

فليصاحب” عند شيخنا” عملية التصور التفهم ،وهو يختلف عن الفهم ، فالفهم معناه إدراك المادة المطروحة على المتعلم بحسب ما هى عليه ، أما التفهم هو بذل المجهود تجاه الطرح العلمي واتجاه المتعلم بوجهته نحوه ليملك بعد ذلك قناعة تؤهله لفهم الآراء المختلفة حتى مع افتراض اختلاف المتعلم معها واقتناعه بها .

ويمضي شيخنا في استكمال نظريته في مدارج العملية التعليمية المثمرة ، فبعد التصور والتفهم انتقل إلى مرحلة التعليل والاستدلال ؛ فالتعليل ما يستدلّ به من العِلَّةِ على المعلول أو استدلال على المسبَّب بالسَّبب وهي أسس إعمال العقل في المادة العلمية المطروحة ويصاحبها الاستدلال على ما يدرسه المتعلم.

فهى مرحلة يمكن لنا أن نطلق عليها مرحلة الاطمئنان إلى الطرح العلمي فيتحول المتعلم من مجرد مقلد لأساتذته أو متلق سلبي إلى متجاوب مشارك يستطيع طرح ما تعلمه بثقة وقوة لتصبح المادة العلمية كأنها خارجة من ينابيع عقله هو.
وهذه المرحلة المتقدمة تتيح لأصاحبها الإبداع والابتكار بل ويصاحبه التفكير الناقد في كل ما يطرحه أو يتلقاه ومن ثم ذكر شيخنا المربي المرحلة التي تليها ،وهى مرحلة العمل والنشر ليصبح قطبًا من أقطاب العلم ،ولم يكتف الشيخ زروق بالتعلم النظري بل نبه على العمل بمقتضى العلم ونشره بين الناس .
ولم ينس شيخنا زروق إلى التنبيه على الخلل الذي يحدث للمنتسبين للعلم بسبب غياب التدرج في هذه المراحل إما يصير بهذا الخلل دعيا كذوبا ليصبح أضحوكة العقلاء أو يصبح شخصا عقيما عن إنتاج المعرفة لحصول خلل عنده في التحصيل الجاد .

ولا يفتأ الشيخ بالتذكير الدائم بالتحلي بأخلاق العلم من الإخلاص والتواضع والابتعاد عن أهواء النفوس والانصاف والمداومة في التحصيل

قد يعجبك ايضا
تعليقات