القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

نبذه عن الشهادة من أجل الوطن ” الجزء الرابع “

94

إعداد / محمـــد الدكــــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع الشهادة من أجل الوطن، وكما ظل الشهيد له مكانة كبيرة جدا فى التاريخ المصرى الحديث، فنرى الشهيد عبدالمنعم رياض الذى أحبه المصريون وترسخ فى وجدانهم، وهناك نموذج الشهيد عاطف السادات، الشقيق الأصغر للرئيس الراحل أنور السادات، الذى استشهد فى طلعة جوية فى حرب أكتوبر، وكان من أوائل من استشهدوا فى هذه الحرب، وقد كان يمكن لأخيه الرئيس أن يبعده بنفوذه عن المشاركة فى الحرب ومخاطرها أصلا، إلا أنه لم يفعل ذلك، نظرا للمكانة الكبيرة فى نفوس المصريين لفكرة الدفاع عن الوطن والاستشهاد من أجله، وإن من يهب نفسه للدفاع عن بلده يعتبر هو مشروع شهيد وتهون عليه حياته حفاظا على الأرض والعرض وفى ثقافة المصريين ودينهم ما يعزز ذلك، فالآية الكريمة تقول ” ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون” وذلك ما يعنى أنه حى وفى وضع أفضل بكثير جدا، والأكثر من ذلك أنه وفقا للمعتقدات الإسلامية فإنه سيشفع لسبعين من أهله ليدخلوا معه الجنة، وما أعظمها من منزلة، وقد يبدأ الوعى بفكرة الاستشهاد وقيمتها عند من يهبون أنفسهم للشهادة فى سبيل الوطن عندما يقرر أحدهم مثلا الالتحاق بإحدى الكليات العسكرية، فهذا ينطوى ضمنيا على وجود استعداد لديه للاستشهاد فى سبيل الوطن، خاصة أن شعار المؤسسة العسكرية هو النصر أو الشهادة، والشعب المصرى يشعر بالفخر لمجرد التحاق أبنائه بالكليات العسكرية، لدرجة أن هناك أسرا يكون لديها ابن وحيد، وبالتالى معفى من دخول الجيش.

ومع ذلك تجد أهله يشجعونه على الالتحاق بالكليات العسكرية من منطلق إيمانهم بأهمية الوطن والدفاع عنه والانتماء له، حتى لو فقد الإنسان حياته فى سبيل ذلك، وكذلك فإن همجية الإرهاب تعطى دافعا أكبر للاستشهاد من أجل إنقاذ البلد وأهله والشهداء تماهوا مع قضيتهم ولهم منزلة كبيرة فى نفوس أفراد الشعب، وإننا إن أردنا أن نصوغ تعريفا للشهيد فلا يسعنا أن نقول أكثر من أنه شخص كريم الأخلاق ونبيل ينتمي إلى طبقة عالية من طبقات البشر، لا يستطيع أن يبلغها أحد من الناس إلا من استطاع أن يبلغ رتبة الشهادة، وإن تعريف الشهادة في الإسلام هو بذل النفس في سبيل الله تعالى وفي سبيل إعلاء كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله في حرب مع الكافرين بالله وبدينه وبآخر أنبيائه، وهنالك آراء كثيرة حول سبب تسمية الشهيد بهذا الاسم، فقال بعضهم إنه قد سمى بالشهيد لأن الله تعالى والنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والملائكة عليهم السلام قد شهدوا له بالجنة، وقال بعضهم لأن روحه قد شهدت الجنة قبل مجيء صاحبها، وذلك بخلاف الناس العاديين الذين لا تدخل أرواحهم الجنة إلا بدخولهم هم بعد يوم القيامة، وقال بعضهم أيضا إن الشهيد قد سمي شهيدا لأنه أشهد نفسه على حب دينه وعقيدته أكثر من نفسه، وقيل أيضا لأنه يأتي يوم القيامة تشهد عليه جراحه ودماؤه، وذلك كما في حديث الرسول الكيم محمد صلى الله عليه وسلم، عن الشهداء، إذ قد قال صلى الله عليه وسلم ” والذى نفس محمد بيده، ما من كلم يكلم فى سبيل الله، إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم، لونه لون دم، وريحة مسك”

وقيل بل هو شهيد لأن الخلائق قد شهدت له بالشهادة في سبيل الله تعالى، وقيل لأنه حى حاضر عند ربه وليس ميتا، وقيل لأن ملائكة الرحمة تشهد موته فيشهدون له، وقيل غير ذلك من اجتهادات قال بها علماء المسلمين، لكن المعنى الأكبر والأوسع لهذه الكلمة هو البذل والعطاء والجود بالنفس في سبيل أمر عظيم قد بعث الله تعالى أنبياءه من أجله من لدن آدم إلى رسولنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، مرورا بكل الأنبياء صلوات الله وسلاماته عليهم أجمعين، فتبقى صورة الشهيد هو ذلك المضرج بدمائه المستلقي تحت سماء ربه شاخصا بصره الحديد إلى السماء يرى ما أعد الله تعالى له من نعيم مقيم في دار لا تعب فيها ولا نصب، تحفه الأملاك وتغشى وجهه السكينة والهدوء وتعلو شفتيه ابتسامه الرضا بحكم الله وإن كانت نفسه هي التي قد كتب عليه أن يجود بها، ليس بعد هذا البذل بذل يوصف، فهو الشهيد لا غيره ذلك الذي هبط من العلياء إلى الأرض ليعلم الناس كيف يكون الصدق مع الله تعالى والإخلاص في سبيل العقيدة التي قد تضرج بابها بأنهار من دماء الشجعان ليحفظوها ولتقوم على أقدامها كما نراها اليوم عزيزة أبية لا تنحني سوى للإله الواحد الأحد، فالشهيد شخص رأى أن في الحياة ما يستحق أن يبذل روحه من أجله، أو لنقول إن الشهيد قد وجد غاية ساميةً أعلى من حياته فوهب روحه في سبيل تحقيق تلك الغاية، وهذه هي الغاية التي يطمح الإنسان للوصول إليها من الأخلاق والمكارم الرفيعة التي هي المعيار في ارتقاء الأمم ووصولهم إلى أرقى درجات الحضارة والإنسانية.

وكذلك فإن من صفات الشهيد أنه إنسان قد تربى على الإيثار فلا تعرف الأثرة طريقها إليها ولا تهتدي لأمثاله من الذين يكون هم الأمة قد استحوذ عليهم وتعلق شغاف قلوبهم، ومن صفاته أنه كريم أبي لا يرضى بالضيف ولا الحيف، فيسعى لأن يكون العدل والسلام هما الصفتان السائدتان في العالم، فلا يسعه أن يقف في صف فيه ظلم ولا أن يأتمر بأمر ظالم يسعى في الأرض ليعيث فيها فسادا، ولكنه يكون الفارس الأبيض، الأبيض فى الخُلق والصفات السامية الذي يتمنى حضوره كل أهل الأرض من المظلومين والمستضعفين ليلوذوا به ويجدوا لأنفسهم مكانا إلى جانبه يدافع عنهم ويدافعون عنه ويفديهم ويفدونه بالغالي والنفيس، وإن العسكريون منذ أن يصبحوا طلبة فى الكليات التى تعدهم وتؤهلهم ليدافعوا عن الوطن، تكون عقيدتهم الأساسية معتمدة على اعتبار أنفسهم مشاريع شهداء، وهم يحسبونها بطريقة عقلانية مفادها أن من الممكن أن تنتهى حياتهم وهم يقومون بهذه المهمة، والمنطق الذى يحكمهم فى ذلك أن الحياة تهون من أجل الحفاظ على الوطن والأرض والعرض، وإن الشهادة والشهداء لها في الإسلام مكانة وشأن عظيمان من حيث التكريم الذي يحاط به الشهيد في الدنيا والآخرة، فيخلد اسمه في الدنيا، وتعلو منزلته في الآخرة ويبلغ رتبة في الآخرة لا تنبغي إلا للشهداء أمثاله والأنبياء والمرسلين والأولياء الصالحين، وتشهد على هذه المنزلة الرفيعة آيات وأحاديث نبويّة كثيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف الذي يبين فيه فضل الشهيد ومنزلته عند الله تعالى.

“للشهيد عند الله ست خصال ” يغفر له فى أول دفعة، ” أى بمعنى دمه الذى يقع على الأرض ” ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوته منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع فى سبعين من أقاربه” فلم ينل الشهيد هذه المنزلة سوى لكرمه على الله تعالى، فليس من بذل حياته وضحى بأعز ما يملك في سبيل رفع راية التوحيد عاليا، فلن يكون العبد أكرم من ربه، ولذلك سيكون العطاء على قدر المعطى، وإن حياة الشخص المستعد للشهادة تكون بالنسبة له رخيصة فى سبيل الوطن الذى تحمل أمام المجتمع مسئولية أمنه وسلامته، ومن منطلق هذه الثقة التى أولاها له المجتمع، تهون حياته ويمكنه أن يضحى بها بسهولة إذا ما تطلب الأمر ذلك، لدرجة أن بعضهم عندما يذهب لأداء مناسك الحج والعمرة، تكون الدعوة الأساسية بالنسبة له هناك، هى يا رب بلغنى الشهادة، ولأنه يريد أن يفوز بهذه المنزلة ربما تجده يقول لأمه أو أقاربه ادعوا لى أنول الشهادة، وهنا يبدو أنه يتماهى مع الوطن، وكذلك على عكس الحروب التقليدية التى يكون فيها العدو ظاهرا ومعروفا، فإن الإرهاب يمثل تحديا أكبر، ولا شك أن من يسعى للشهادة فى الحرب ضد الإرهاب ينظر للإرهابيين باعتبارهم سرطانا داخليا فى جسد المجتمع، وبالتالى فإن عليه ألا يعطيهم الفرصة لكى يضيعوا وطنه وشعبه، والمواجهة معهم تعطيه تحديا أكبر فى أنه لا يتوانى فى الدفاع عن الوطن بكل ما أوتى من قوة، حتى لو كان الثمن التضحية بحياته.

وإن للشهداء مزايا وخصائص ومنها أنهم يكفنون في ثيابهم فلا تنزع، حيث قال خباب بن الأرت هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله نبتغي وجه الله عز وجل، فوجب أجرنا على الله، فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئا، منهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد فلم يوجد له شيء وفي رواية “ولم يترك” إلا نمرة، فكنا إذا وضعناها على رأسه خرجت رجلاه، وإذا وضعناها على رجليه خرج رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “غطوا بها رأسه، واجعلوا على رجليه الإذخر” ومنها أن الصلاة عليهم تشرع ولا تجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلى على شهداء أحد إلا حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، ومنها أيضا ألا نشهد له بقولنا فلان شهيد، وإنما نقول نحسبه والله حسيبه، أو نقول من قتل في سبيل الله فهو شهيد، حيث قال البخاري في الصحيح في كتاب الجهاد والسير “باب لا يقول فلان شهيد” ثم أورد قول النبي صلى الله عليه وسلم “والله أعلم بمن يجاهد في سبيله” وكما قيل أن الشهداء على ثلاثة أقسام، فالأول هو شهيد في الدنيا، وهو الذي قاتل رياء، وهو يُعامل معاملة الشهيد في الدنيا ولا حظ له من أجر الشهداء من شيء في الآخرة، والثاني شهيد في الآخرة، وهم من ذكروا سوى شهيد المعركة، يعاملون في الدنيا معاملة سائر الأموات، وهم في الآخرة مع زمرة الشهداء، والثالث فهم شهداء الدارين، وهم من قتل في سبيل الله عز وجل، ولقد أكرم الله تعالى عباده الشهداء بأنواع من الكرامات، وأن الله تعالى أنزل في شأن بعضهم قرآنا يتلى إلى يوم القيامة.

ولقد كان بعد معركة بدر كان الناس يقولون لمن يقتل في سبيل الله فلان قتل وذهب عنه نعيم الدنيا ولذتها فأنزل الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم كما جاء فى سورة البقرة ” ولا تقولوا لمن يقتل فى سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون” وقال الحسن رضى الله عنه إن الشهداء أحياء عند الله تعالى، تعرض أرزاقهم على أرواحهم، فيصل إليهم الروح والفرح كما تعرض النار على آل فرعون غدوة وعشية فيصل إليهم الوجع، ولقد كانت أمنية رسول الله صلى الله عليه وسلك كما روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” ولوددت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل” فإنه الشوق للجنة، ذلك الذي جعل الصحابي خيثمة وابنه سعد رضي الله عنهما يتنافسان على الخروج إلى الجهاد في غزوة بدر، فقال خيثمة لابنه سعد إنه لا بد لأحدنا أن يقيم فآثرني بالخروج وأقم مع نسائك، فأبى سعد، وقال لو كان غير الجنة آثرتك به، إني لأرجو الشهادة في وجهي هذا فاستهما فخرج سهم سعد فخرج فقتل ببدر، وقد ربح هذه البيعة الصحابي الجليل حارثة بن سراقة رضي الله عنه، وكان قتل يوم بدر وقد أتت أمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء؟ فقال صلى الله عليه وسلم “يا أم حارثة، إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى” رواه البخارى، وقيل إن في الجنة مائة درجة أعدها الله تعالى للمجاهدين في سبيله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض.

قد يعجبك ايضا
تعليقات