القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

نبذه عن الشهادة من أجل الوطن ” الجزء الثالث “

112

إعداد / محمـــد الدكــــرورى

ونكمل الجزء الثالث مع الشهادة من أجل الوطن، وإن غياب حب الوطن يجعل الإنسان يشعر بالغربة حتى عن نفسه، لأنه يفقد الانتماء الداخلى الذي يدفعه للتقدم والتطور لأجل أن يكون بلده فخورا به، كما يفرز هذا الغياب مجتمعات مفككة ينتشر فيها العداء والتفرق، ويصبح هدف كل مواطن السعي لمصلحته فقط دون تذكر مصالح بلاده وأهله، وهذا يخلق حالة من الفراغ العاطفي الكبير، فالإنسان الذي لا يعرف قيمة وطنه ولا يفي له بالعهود، لا يمكن أن يكون وفيا لأي شيء، وهذا يسبب ضياع الأوطان واحتلالها من قبل الأعداء، فتصبح مقدرات بلاده فريسة سهلة للغريب، ويجد فرصة متاحة حتى يسلب منه حريته ويشتت أبناءه ويستعبدهم، وإن غياب حبه في قلوب الآباء يجعل من الأبناء يقلدون آباءهم ويتأثرون بهم، فيتربى جيل ناكر للجميل، ولا يعرف من بلاده إلا اسمها، ويبقى شعاره الأبدي هو تمني الرحيل والسعي للهجرة عنه إلى بلاد غريبة، ومن لا يحب بلاده ولا ينتمي إليها فلن يستطيع حب البلاد الغريبة التي لم تقدم له شيئا، فالأوطان ليس مجرد مكان يولد فيه الإنسان ويدفن فيه، وهي ليست مجرد تراب وأشجار، بل هو كمية هائلة من المشاعر التي خلقت فيه ومعه، ودون حبها والانتماء إليها يظل الإنسان تائها لا يستطيع أن يثحدد وجهته في الحياة، فإن الإسلام أمر بالاستقرار والسلام، ودعا للخير والوئام، وحذر من أهل الاعتداء والإجرام، الذين يفسدون على الناس حياتهم، ويعتدون على الآمنين في أوطانهم، فأمر بدفع شرهم، ورد كيدهم، ودحر عدوانهم.

فقال الله عز وجل فى كتابه الكريم” فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين” وأمر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بالأخذ على يد الظالم المعتدي، لمنع ضرره عن الناس، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” انصر أخاك ظالما أو مظلوما” فقال رجل يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟ قال صلى الله عليه وسلم ” تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره” ولا يكون ذلك إلا بأمر من الحاكم، فطاعته واجب مؤكد، وفرض محتم، وهي آكد في مواضع الشدة والحزم وردع المعتدين، لما في ذلك من تحقيق الخيرات والمصالح، ودفع الشرور والمفاسد، وإرساء دعائم الحق والعدل، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم ” إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به” أي يقتدى برأيه ونظره في الأمور العظام والوقائع الخطيرة، ولا يتقدم على رأيه، ولا ينفرد دونه بأمر مهم، فهنيئا لمن لبى نداء وطنه، وساهم في الدفاع عنه، وقدم العون لأشقائه، فظفر بالفضل العظيم، والثواب العميم، الذي أعده الله سبحانه وتعالى للمرابطين المجاهدين في سبيله، فيقول صلى الله عليه وسلم ” رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها” ويقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدا” وما يصيب المؤمن من أذى وهو مرابط في سبيل الله تعالى إلا وله فيه الكرامة عند الله، والشرف العظيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

” والذي نفس محمد بيده، ما من كلم يكلم، أي جرح يجرح، في سبيل الله، إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم، لونه لون دم، وريحه مسك” وليس غريبا أن تقال في حب الوطن آلاف القصائد، وأن تكتب فيه آلاف القصص والروايات، فالجميع يدرك أن حبه لا يتساوى مع غياب هذا الحب، ومن أراد أن يكسب القلوب فعليه دائما أن يعزف على قيثارة حبه لبلاده، وألا يغيب هذا الحب في أفعاله، فالفاسد والمرتشي والسارق والمهمل في عمله وطلب العلم كلهم أشخاص يغيب حب أوطانهم عن قلوبهم حتى لو أنكروا ذلك، فحبه يظهر في حرص الجندى على حراسة حدوده، وفي حرص الطبيب على أن يعالج أبناء وطنه، وفي مواظبة المعلم على تدريس أبنائه، وكل من يدعي حبه ولا يمارس هذا بالأفعال هو في الحقيقة يدعي هذا الحب، وإن أخطر ما يمكن تصوره هو أن يكون حبه مجرد فكرة لم تنضج في بعض القلوب، لهذا يجب أن يجدد الجميع حبه والولاء والانتماء له في كل صباح، وأن يكون الحرص عليه كما الحرص على أعز الأشياء وأثمنها، لأن الوطن هو الأغلى والأثمن، وهو الذى تفتديه الأرواح قبل القلوب، وليكن الشعار دائما أن يكون أولا ودائما فى المقدمة، وألا يفقد مكانته أبدا مهما دارت الأيام وتبدلت الأحوال والظروف، وقد دل الكتاب والسنة الصحيحة، على أن الرباط في الثغور من الجهاد في سبيل الله، لمن أصلح الله نيته، لقول الله عز وجل كما جاء فى سورة آل عمران ” يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون” ويقول النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

“رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجرى عليه رزقه، وأمن الفتان” رواه الإمام مسلم، وعن النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال “رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها” رواه البخارى ومسلم، وعن النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال” من اغبرت قدماه في سبيل الله، حرمه الله على النار” رواه البخارى، ولاشك أن الدفاع عن الدين والنفس والأهل والمال والبلاد وأهلها، من الجهاد المشروع، ومن يقتل في ذلك وهو مسلم يعتبر شهيدا، لقول النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد” ونوصيكم أيها المرابطون في الجبهة، بتقوى الله، والإخلاص لله في جميع أعمالكم، والمحافظة على الصلوات الخمس في الجماعة، والإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى والاستقامة على طاعة الله ورسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والحرص على اتفاق الكلمة، وعدم التنازع، والصبر والمصابرة في ذلك بنفس مطمئنة، وحسن الظن بالله، والحذر من جميع معاصيه، فيقول الله تعالى فى كتابه الكريم كما جاء فى سورة الأنفال ” يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون، وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين”

فإن الوطن هو أغلى ما في الوجود، وهو أكثر من مجرد أرض يعيش عليها الإنسان، بل هو كيان قائم في الروح والوجدان بكل ما يحويه من تراب وسماء وأشجار وأشخاص، فالوطن هو الحضن الذي يضم جميع أبنائه بحب، وهو ملاذ الأهل والأحبة ومكان اجتماع الذكريات الجميلة والحزينة معا، لأن الوطن هو الميلاد والممات وهو المثوى الأخير للجسد، ولا يمكن لأي شيء أن يعوض مكانة الوطن في القلب لأنه لا يعوض، وهو الوردة التي تنمو في القلب وتمد أغصانها في الشرايين والأوردة، وتنثر عبيرها الأخاذ في الروح، لذلك لا شيء يعادل البقاء في الوطن ولا يمكن لأي حب ان يحتويه، ولن يعرف قيمة الوطن إلا من تغرب عنه أو من استيقظ ليجد وطنه واقعا تحت الاعتداء، ولذلك فإن حماية الوطن هي أسمى الغايات في الحياة،لأن الوطن يحتاج إلى سواعد أبنائه ليظل قويا ومنيعا وعصيا على الأعداء، أما إن تعرض للاعتداء فإن هيبته تسقط، ويصبح مطيةً للجميع، ولا يمكن وصف شعور رؤية الوطن المحتل من قبل الأعداء، لأنه شعور صعب جدا ممزوج بالقهر والألم، وهذا الشعور هو نفسه الذي يرافق حدوث أي اعتداء على الوطن، سواء كان هذا الاعتداء داخليا أم خارجيا، فتخريب الوطن لا يصب إلا في مصلحة اعدائه، ويعود بالسوء على أبناء الوطن أنفسهم، لذلك فإن أقل ما يمكن تقديمه للوطن هو الدفاع عنه بالنفس والمال والأبناء، وافتدائه بالغالي والنفيس، وعدم السماح لأى شخص المساس به مهما كان، والعمل على زيادة منعته وتقويته وتعزيز الانتماء إليه من قبل أبنائه.

وتعليمهم حبه والدفاع عنه من أى اعتداء، فإن الوطن لا يحتاج إلى شعارات وكلمات رنانة، ولا تغريه الخطابات الكثيرة، لأن حماية الوطن تحتاج إلى التضحية بالدماء، والذود عن حماه بكل الوسائل، ومن لا يدافع عن وطنه ويحميه لا يستحق العيش فيه، وسيجد نفسه محاطا بالأعداء الكثيرين والجواسيس، وهذا يسبب فقدان الأمن والأمان في الوطن، فتصبح الحياة فيه أشبه بالجحيم، فكم من شعوب تشردت من أوطانها بسبب الحروب، وكم من نساء وأطفال وشيوخ وشباب عاشوا حياتهم في مخيمات اللجوء لأنهم تركوا أوطانهم مضطرين، فمن لا يحمي وطنه سيجد نفسه وقد أصبح ذليلا وهو يعيش خارجه ولا يملك أي كيان ينتمي إليه، وسيضيع مستقبله وإحساسه بالأمان، وسيعاني من التشريد والتهجير، فالوطن أمانة في عنق جميع أبنائه، وحمايته واجب محتوم، ولذلك كل شيء يهون لأجل رفعته وحمايته، فالوطن هو جنة الله على الأرض، وإن الشهيد هو حبيب إلى الله حبيب إلى خلقه، يضوع الحب من قلبه كأنه بخور من أبخرة اليمن، لا يعرف ما هو الحقد أو الكره أو الحسد، يسعى بين الناس زارعا في نفوسهم المحبة والعطف والشفقة والإباء والعلو عن الرذائل والتسامي بالفضائل، يعلمهم بالاقتداء، فلا يعرف ما الأمر ولا النهى، ولكنهم يحبونه فيأخذون عنه ما يفعل وما يصنع، ويوطنون أنفسهم ليكونوا أشباهه الأربعين الذين لا نهاية لهم في علم الحساب، فيكون الناس جميعهم شهداء في الفضائل والأخلاق والتعامل الراقي الذي لا سبيل لرقي الأمة إلا باتباعه، وإن فكرة الاستشهاد فى سبيل الدفاع عن الوطن متجذرة وعميقة فى نفوس المصريين، وعلى رأسهم من يلتحقون بالكليات العسكرية.

الذين يعتبرون أنفسهم مشاريع شهداء، دفاعا عن أمن الوطن وشعبه، فإنك لو سألت نفسكَ أو سألك بعض الناس من هو الشهيد؟ أو قالوا لك عرّف لنا الشهيد ماذا ستقول لهم؟ فإنه من المؤكد أنك تحفظ كثيرا الأقوال الكثيرة التي تتحدث على الشهيد، فهل جربت أن تسمع من الشهيد نفسه تعريفه لنفسه كما يرى هو نفسه؟ هل جرّبت أن تعاين من كثب ما كان يعاني الشهيد قبل أن يفيض روحه إلى باريه بلحظات؟ هل سمعته ماذا يقول؟ من المؤكد أنك إن عشت حياتك بعيدا عن أولئك السادة النبلاء وتكتفي بسماع ما يقوله عنهم الخطباء وأشباههم فأنت لم تعرف معنى الشهيد الحقيقي، فالشهيد الحقيقي هو ذلك المجهول الذي لا يعلم حتى هو أن الشهادة ستكون من نصيبه، أو كانت من نصيبه بلفظ أدق، وأن الشخص المستعد للشهادة يتماهى مع الوطن وتكون حياته بالنسبة له رخيصة فى سبيل الدفاع عن أمنه وسلامته، وإن فى بلد ذى تاريخ عريق مثل مصر، تعرض لمنعطفات تاريخية كبيرة وموجات غزو واحتلال، فإن فكرة الدفاع عن الوطن والاستشهاد من أجله لها جذور ثقافية ونفسية عميقة لدى أفراد هذا الشعب، الذى يقدر التضحية من أجل الوطن بأغلى أنواع التضحية، وهى التضحية بالحياة نفسها، فالشهيد له منزلة كبيرة فى نفوس المصريين، والتاريخ الإسلامى كان حافلا بالشهداء العظماء الذين تلقوا تكريما يليق بهم، ومنهم حمزة بن عبد المطلب، عم النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والإمام الحسين بن على رضى الله عنه، والكثير والكثير من الشهداء من الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

قد يعجبك ايضا
تعليقات