القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

نبذه عن نبى الله إلياس ” الجزء الثالث “

99

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع نبى الله إلياس عليه السلام، وقد توقفنا في غزوة تبوك وأنه بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك، وحذيفة بن اليمان قالا، فإذا هو أعلى جسما بذراعين أو ثلاثة، واعتذر بعدم قدرته لئلا تنفر الإبل، وفيه أنه لما اجتمع به رسول الله صلى الله عليه وسلم أكلا من طعام الجنة، وقال إن لي في كل أربعين يوما أكلة، وفي المائدة خبز ورمان وعنب وموز ورطب وبقل، ما عدا الكراث، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله عن الخضر فقال عهدي به عام أول، وقال لي إنك ستلقاه قبلي، فأقرئه مني السلام، وهذا يدل على أن الخضر وإلياس بتقدير وجودهما، وصحة هذا الحديث، لم يجتمعا به إلى سنة تسع من الهجرة، وهنا لا يسوغ شرعا، وهذا موضوع أيضا، وقد أورد ابن عساكر طرقا فيمن اجتمع بإلياس من العباد، وكلها لا يفرح بها لضعف إسنادها، أو لجهالة المسند إليه فيها، ومن أحسنها ما قال أبو بكر بن أبي الدنيا، حدثني بشر بن معاذ، حدثنا حماد بن واقد، عن ثابت قال كنا مع مصعب بن الزبير بسواد الكوفة، فدخلت حائطا أصلي فيه ركعتين، فافتتحت بقول الحق سبحانه وتعالى من سورة غافر ” حم، تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذى الطول” فإذا رجل من خلفي على بغلة شهباء، عليه مقطعات يمنية، فقال لي إذا قلت غافر الذنب فقل يا غافر الذنب اغفر لي ذنبي.

 

وإذا قلت قابل التوب، فقل يا قابل التوب تقبل توبتي، وإذا قلت شديد العقاب، فقل يا شديد العقاب لا تعاقبني، وإذا قلت ذي الطول، فقل يا ذا الطول تطول علي برحمة، فالتفت فإذا لا أحد، وخرجت فسألت مر بكم رجل على بغلة شهباء عليه مقطعات يمنية؟ فقالوا ما مر بنا أحد، فكانوا لا يرون إلا أنه إلياس، والنبى إلياس عليه السلام هو أحد أنبياء بني إسرائيل، بعث فيهم في فترة كانوا قد تخلوا فيها عن عبادة الله تعالى، إلى عبادة صنم، يقال له “بعل” ويعني “رب” فدعاهم إلياس عليه السلام إلى ترك عبادة ذلك الصنم الذي لا يضر ولا ينفع، وعبادة الله وحده لا شريك، ربهم ورب آبائهم الأولين الذي بيده ملكوت السموات والأرض، وحذرهم إن لم يستجيبوا إلى ذلك نار جهنم وبئس المصير، فلم ينقادوا له، ولم يؤمنوا بما دعاهم إليه، فتوعدهم الله تعالى بعذاب شديد يوم القيامة، دون أن يتوعدهم بعقوبة في الدنيا، وقد أخبر الله تعالى بأن الذين آمنوا بدعوة إلياس عليه السلام واتقوا ربهم مبعدون من العذاب الذي سيطال الذين أصروا على عبادة الأوثان دون عبادة الواحد الديان، وبأنهم ناجون إلى جنة عرضها السموات والأرض، وإن معنى اسم إلياس هو اسم علم مذكر، فهو اسم يصلح لتسمية المواليد الذكور دون الإناث، ويعود إلى أصل يوناني، وينطق بالعبري إيليا، أو إلياهو، ومعناه الله الأعلى، وإلهي يهوه، فالاسم عبري لحقت به سين يونانية، كما أنه يطلق على من يعتنقون الإسلام أو المسيحية.

 

حيث ذكر في التوراة “إيليا” وذكر في القرآن الكريم في سورة الأنعام “إلياس” وكما يحمل اسم إلياس معاني أخرى، ومنها نبات ذات أوراق خضراء، تشبه أوراق النعناع ذات رائحة طيبة، أو “إلياس” مشتق من كلمة اليأس، أي انقطاع الأمل والقنوط، وأما عن حكم التسمية باسم إلياس؟ فلقد سئل العلماء عن حكم التسمية باسم إلياس، فأجاز أكثرهم التسمية بأسماء الأنبياء، لأن النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم سمّى ابنه إبراهيم، وقد أخرج البخاري ومسلم كذلك عن أبي موسى الأشعرى أنه ولد له ولد فأتى به النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” فسماه إبراهيم وحنكه بتمره ” وقد سمّى كثير من الصحابة والتابعين أبناءهم بأسماء الأنبياء مثل إبراهيم وموسى ويونس ويوسف وعيسى وإسحاق وغيرهم، إذا فحكم التسمية باسم إلياس جائز ولا حرج فيها فإلياس نبي من أنبياء الله تعالى ورسله، الذين نوه بهم الله تعالى في كتابه العزيز، بقوله تعالى ” وإن إلياس لمن المرسلين ” وقد تسمى به كثير من العرب قديما وحديثا، وممن تسمى به قديما هو جد النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم السابع عشر “إلياس بن مضر بن نزار” وكذلك قيل أن نبى الله إلياس هو من أنبياء بني إسرائيل المذكورين في القرآن الكريم، ويُعتقد أنه هو نفسه إيليا المذكور في العهد القديمن وقد أرسل إلياس إلى أهل بعلبك غربي دمشق، فدعاهم إلى عبادة الله عز وجل.

 

وأن يتركوا عبادة صنم كانوا يسمونه “بعلا” وقيل كانت امرأة اسمها بعل والأول أصح، فكذبوه وقال ابن عباس رضى الله عنهما “إلياس هو عم اليسع” أما ابن كثير فيقول إن إلياس وإلياسين اسمان لرجل واحد فالعرب تلحق النون في أسماء كثيرة وتبدلها من غيرها، ويقال أن النبي إلياس عليه السلام توفي ودفن في بعلبك، ويُوجد مقام ودير للنبي إلياس في البقاع، وقد ذهب بعض العلماء من الصحابة ومن بعدهم إلى أنهما أي إلياس وإدريس، اسمان لنبي واحد، وأن إلياس هو إدريس وإدريس هو إلياس، فيقول ابن كثير الدمشقي في قصص الأنبياء أن إلياس، قال البخاري ويذكر عن ابن مسعود وابن عباس أن إلياس هو إدريس واستأنسوا، في ذلك بما جاء في حديث الزهري عن أنس بن مالك في الإسراء أنه لما مر به عليه السلام أي بإدريس قاله له مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ولم يقل، كما قال آدم وإبراهيم مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قالوا فلو كان في عمود نسبه لقال له كما قالا له إلياس، وهذا ما ذهب إليه الضحاك بن مزاحم وحكاه قتادة بن دعامة ومحمد بن إسحاق، وقد رجح ابن كثير الدمشقي أنهما مختلفان وأن إلياس ليس هو إدريس، فقال والصحيح أنه غيره كما تقدم، وقد جاء في تاريخ الطبري عن ابن إسحاق ما ملخصه إن إلياس لما دعا بني إسرائيل إلى نبذ عبادة الأصنام، والاستمساك بعبادة الله وحده رفضوه ولم يستجيبوا له.

 

فدعا ربه فقال ” اللهم إن بني إسرائيل قد أبوا إلا الكفر بك والعبادة لغيرك، فغيّر ما بهم من نعمتك” فأوحى الله إليه أنا جعلنا أمر أرزاقهم بيدك فأنت الذي تأمر في ذلك، فقال إلياس “اللهم فأمسك عليهم المطر” فحُبس عنهم ثلاث سنين، حتى هلكت الماشية والشجر، وجهد الناس جهدا كثيرا، ولمَّا دعا عليهم اختفى عن أعينهم وكان يأتيه رزقه حيث كان فكان بنو إسرائيل كلما وجدوا ربح الخبز في دار قالوا هنا إلياس فيطلبونه، وينال أهل المنزل منهم شر وقد أوي ذات مرة إلى بيت امرأة من بني إسرائيل لها ابن يُقال له اليسع بن خطوب به ضر فآوته وأخفت أمره، فدعا ربه لابنها فعافاه من الضر الذي كان به واتبع إلياس وآمن به وصدقه ولزمه فكان يذهب معه حيثما ذهب وكان إلياس قد أسن وكبر، وكان اليسع غلاما شابا ثم إن إلياس قال لبني إسرائيل إذا تركتم عبادة الأصنام دعوت الله أن يُفرج عنكم فأخرجوا أصنامهم ومحدثاتهم فدعا الله لهم ففرج عنهم وأغاثهم، فحييت بلادهم ولكنهم لم يرجعوا عما كانوا عليه ولم يستقيموا فلما رأى إلياس منهم دعا ربه أن يقبضه إليه فقبضه ورفعه، ويذكر بعض المؤرخين أنه عقب انتهاء مُلك نبى الله سليمان بن داود عليه السلام وذلك في سنة تسعمائة وثلاثه وثلاثون قبل الميلاد انقسمت مملكة بني إسرائيل إلى قسمين، القسم الأول يخضع لمُلك من سلالة النبى سليمان عليه السلام وهو أول ملوكهم رحبعام بن سليمان.

 

والقسم الثاني كان يخضع لأحد أسباط أفرايم بن جوزيف واسم ملكهم جربعام، وقد تشتت دولة بني إسرائيل بعد سليمان عليه السلام بسبب اختلاف ملوكهم وعظمائهم على السلطة، وبسبب الكفر والضلال الذي انتشر بين صفوفهم وقد سمح أحد ملوكهم وهو أخاب لزوجته بنشر عبادة قومها في بني إسرائيل، وكان قومها عبادا للأوثان فشاعت العبادة الوثنية، وعبدوا الصنم الذي ذكره القرآن الكريم وأسمه “بعلا” فأرسل إليهم نبيه إلياس عليه السلام، والنبى إلياس المذكور في القرآن الكريم، واحد من الشخصيات التاريخية المختلف عليها، فسمة تشابهات بينها وبين شخصيات أخرى، وسمة قصص وأساطير نسجت حول سيرة الرجل، الذى كرمه القرآن بذكره، لكن تبقى سيرته غامضة تماما عند الكثيرين، وإن هناك بعض الباحثون يعتقدون بأن شخصية النبى إلياس عليه السلام، تتشابه إلى حد كبيرمع شخصية النبى الخضر عليه السلام الذى ذكرت قصته مع النبى موسى عليه السلام في القرآن الكريم، وذلك يهودا اللاوى اعتقدوا أن النبى إيليا أو إلياهو هو “الخضر” باللغة العربية، وهو الاسم الشائع بدلا من الاسم المعرّب إلياس وإلياهو، من وجهة نظر يهودا اللاوى، وفي العراق يحظى الخضر اهتمام لافت أيضا، وهو يُعرف هناك باسم “خضر إلياس”، في تعبير عن ارتباط محتمل بالقصة الواردة في اليهودية “التلمود” وهناك مقام شهير للخضر يقع على ضفاف نهر دجلة في جانب الكرخ.

 

ويخصص العراقيون يوما للاحتفال به هو أول يوم خميس من شهر فبراير من كل عام، ويُعرف بعيد خضر إلياس، حيث توقد فيه الشموع وترمى مع غروب الشمس في مياه نهر دجلة طلبا لتحقيق الأماني، وأن هناك قصة في البداية حول رجل صالح كان له بستان بجوار قصر الملك أخاب الذي يقدمه باسم لاجب، وأن الملكة إيزابل كانت تغري زوجها بقتل الرجل والاستيلاء على بستانه، ثم استغلت سفر الملك واتهمت الرجل الصالح بسب الملك وهي جريمة عقوبتها الإعدام، فقتلته واستولت على البستان، فمن هنا كانت بداية اللعنة عليها وعلى زوجها بعبادته بعل وما جرى بعد ذلك من أحداث، وفي هذه القصة نلاحظ أمرين، الأول أن ثمة تركيز على دور إيزابيل وتقديمها باعتبارها المرأة المسيطرة على زوجها المهزوز ضعيف الشخصية، وهو نموذج منتشر في القصص الشعبي، والآخر هو قصة لعنة الطمع، حيث أن تيمة الطمع الذي يقود للهلاك، نقرأها في بعض قصص الملك الفارسي كسرى أنوشروان الذي علم أن بعض ولاته كان له قصر عظيم فطمع في كوخ لامرأة فقيرة فاستولى عليه فعاقبه الملك بقتله وسلخ جلده، وقال أبو يعقوب الأذرعي، عن يزيد بن عبد الصمد، عن هشام بن عمار قال وسمعت من يذكر عن كعب الأحبار أنه قال إن إلياس اختفى من ملك قومه في الغار، الذي تحت الدم عشر سنين، حتى أهلك الله الملك، وولي غيره، فأتاه إلياس فعرض عليه الإسلام فأسلم.

قد يعجبك ايضا
تعليقات