القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

نبذه عن علم الحروف ” الجزء الأول ” 

176

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

إن الإيمان هو سكينة النفس القلقة، وهداية القلوب الضالة، ومنار السالكين الحائرين، وأمان الخائفين، وهو المعين القوي الفياض الذي تستمد منه الإرادة القوية سر قوتها لأنه الأساس لجميع الفضائل من الصبر والعزيمة والثبات والرحمة والمودة والحنان والكرم والعزة والكرامة، ولهذا فإن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم مكث فترة كبيرة من صدر الإسلام يُوجه الناس إلى العقيدة، ويُرسي قواعد الإيمان في نفوس متبعيه، حتى إذا رسخت جذور العقيدة في نفوسهم، وثبتت أصولها، وأشرقت بنور ربها، جاءه الوحي بالتكاليف الأخرى والتشريع بعد أن هذب الإيمان نفوسهم وجعلها أرضا طيبة صالحة لأن تكون مصدر خير وسعادة لمجتمعهم، ولبنة طيبة لتلقي التوجيه والإرشاد بما في قلوبهم من إيمان متأصل قد أحاطه الله بالأخلاق الفاضلة المهذبة للنفوس، وإن بعد هذه المعطيات نخلص إلى أن الروحانيات في الأديان السماوية تؤدي إلى حب الله وحب الأنبياء والرسل الكرام وحب البشرية جمعاء، والحب الصادق سيؤدي إلى ازدهار أي مجتمع في العالم، بل سيأخذ المجتمع القوي بيد المجتمع الضعيف حتى ينقذه من الضعف إلى القوة وهذه هي السعادة الحقيقية التي تسعى إليها الأديان، ونستنتج أنه لا يمكن الوصول إلى المحبة العامة للإنسانية.

 

كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” إلا عن طريق الاهتمام بالروحانيات التي جاءت في الأديان السماوية، والعمل على تقويتها وإزالة أي خلاف بينها، عندئذ تشعر البشرية جمعاء بالسعادة، ولقد أمر الله سبحانه وتعالى بالتوكل والتوكل هو ثقة القلب بالله ومن توكل على الله التوكل الحقيقي تجنب أن يلجأ إلى ما حرم الله من العمل بالسحر وإتيان العرافين والمنجمين والسحر قسمان منه ما يكون كفرا وهو ما فيه عبادة كوكب أو شيطان أو نحو ذلك فعندما يحضر الساحر شيطانا من الشياطين طالبا المعونة على أمر ما ويطلب الشيطان منه بالمقابل أن يسجد له أو لإبليس أو لكوكب من الكواكب أو أن يكتب شيئا من القرآن بالنجاسة فإن فعل هذا الساحر ما طلب منه صار كافرا ومنه ما يكون معصية من الكبائر كمن يكتب كلاما للتفريق بين زوجين فيه استعانة بالشياطين وليس فيه ما هو كفر، ولا فرق في حرمة السحر بين أن يكون للتحبيب أو للتبغيض، ولا يجوز أيضا مقابلة السحر بالسحر كما يفعل كثير من الناس وكان عليهم أن يتوكلوا على الله فلا يلجأوا إلى ما حرم الله فمن عمل له سحر يجوز له لفك السحر أن يقرأ شيئا من القرآن كسورة ياسين أو أن يستعمل الأدوية التي جعل الله فيها مزية لإبطال السحر كأوراق السدر.

 

كما أنه يجب التحذير من السحرة الذين يمزجون السحر بشيء من القرآن الكريم أي أنهم يكتبون بعض الآيات القرآنية بين كلمات السحر ليحققوا مآربهم الدنيئة وهم متسترون بستار الصلاح والتقوى ليموهوا على الناس والقرآن لا يساعد على السحر ومن اعتقد خلاف ذلك كفر، وكذلك فإن ضرب الودع والذهاب الى العرافين والعرافات ومن يدعون معرفة الغيب، هو افة خطيرة وذنب كبير لمن قام به او لمن صدقهم يعتبر ضرب الرمل أو خط الرمل تقنية سحرية لاستقراء الغيب وتستمد اسمها من ممارسة قديمة كانت تقوم على رسم خطوط سحرية من خلال ضرب الرمل أو التراب بأصبع من أصابع اليد ثم تفحص الأثر الناتج عن الضرب ومقارنته بمجموعة من الآثارالتي يتضمنها جدول سحري معلوم، وبالطبع فإن لكل اثر من تلك الآثار قراءة خاصة لما يخفيه الغيب لصاحب الأثر وقد عرف خط الرمل هذا تحت اسم اشتهر به كثيرا هو الخط الزناتي، وهذا نسبة الى الشيخ محمد الزناتي الذي طوره ووضع له أسسا وقواعد علمية وضمنها مؤلفه الشهير كتاب الفصل في اصول علم الرمل، فتطورت الممارسة وانتقلت فيما بعد من ضرب الرمل على الأرض الى علم معقد يمارس بالمداد والورق ولا يفلح فيه إلا الحاذق من الفقهاء السحرة الذي يكون متمكنا من هز الخط أي رفع الأثر وقراءته لطالب الاستشارة.

 

ويتضمن علم الرمل ستة عشر شكلا من الأشكال التي يفترض ان يأخذها الرمل بعد ضربه وحتى اذا لم يأخذ أحد تلك الأشكال فإن ثمة قواعد معقدة تسمح للساحر بان يعدل الأثر حتى يأخذ واحدا من تلك الأشكال الستة عشر، ويعتبر الخط الزناتي اكثر أشكال قراءة الطالع مصداقية نظرا للهالة العلمية التي تحيط به في وسط العامة، والحقيقة ان الشيخ الزناتي ومن جاء من شيوخ الحكمة قد بذلوا جهدا كبيرا في جعل خط الرمل شبيها بأبراج الكواكب والنجوم، ففي مقابل أسماء الأبراج الاثني عشر اطلقوا على أشكال الرمل من الأسماء على التوالي الأحيان، القبض الداخل، القبض الخارج، الجماعة، الجودلة، العقلة، افنكيس، الحمرة، البياض، النصرة الداخلة، النصرة الخارجة، العتبة الداخلة، العتبة الخارجة، الطريق، الاجتماع ونفي الخد، وقد رأي الشيخ ابن باز في ضرب الودع كل هذا بدعة، وكل هذا منكر لا صحة له، وصاحب الفنجان وقراءة الكف ورمي الودع وضرب الودع أو الحصى، كله من تعاطي علم الغيب، وكله باطل، ومنكر ولا صحة له، وهو دجل وكذب وافتراء، وكونهم يدعون علم الغيب بأشياء أخرى غير هذا كذب، وإنما يعتمدون على ما تقول لهم أصحابهم من الجن، فإن بعضهم يستخدم الجن ويقول ما تقول له الجن، فيصدقون ويكذبون.

 

يصدقون في بعض الأشياء التي اطلعوا عليها في بعض البلدان أو استرقوها من السمع، ويكذبون في الغالب والأكثر، ويتحيلون على الناس حتى يأخذوا أموالهم بالباطل، وهكذا الإنس الذين يخدمونهم يكذبون أيضا ويفترون ويقولون هذا كذا وهذا كذا وهم كذبة، إنما يأكلون أموال الناس بالباطل، وعلم الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، فهذا كله باطل وإن تكرر حدوث ما يخبر به هؤلاء مثل أن يخبروا عن إنسان فعل كذا أو فعل كذا وهم قد شاهدوه في مناطق أخرى، أو أشياء أخبر بها الجن أنها وقعت في بلاد كذا وكذا، أو حدث كذا، أو صار كذا، فهم ينقلون عن الجن أخبارا أدركها الجن في بعض البلدان فأخبروا بها أولياءهم وهذا كله لا صحة له، ولا يحكم بأنهم يعلمون الغيب أبدا، فإن علم الغيب إلى الله سبحانه وتعالى، لكن هناك أمور تقع في بعض البلدان فينقلها الجن بعضهم إلى بعض، أو شيء يسمع من السماء، يسمعونه من الملائكة، إذا استرقوا السمع إلى السماء، فينقلونه إلى أوليائهم من الإنس، فقد تكون حقا فيقع ويظن الناس أن كل ما فعلوا وقالوا صحيح، ويكذبون مع ذلك الكذب الكثير كما في الحديث ” إنهم يكذبون معها مائة كذبة ” والبعض منهم يكذب أكثر من مائة كذبة فلا يلتفت إليهم، لأن عمدتهم الكذب، وتعاطي الباطل والقول بغير علم، وأما عن علم الحرف فإن علم الحرف والأوفاق لم يكن معروفا عند السلف رحمهم الله تعالى.

 

ولم ينقل عن أحد منهم الاشتغال به سواء الصحابة أو التابعون أو أتباع التابعين، ومن أعلم وأتقى الناس بعدهم؟ ويؤكد هذه الحقيقة ابن خلدون في المقدمة حيث قال وحدث هذا العلم في الملة بعد صدر منها، وعند ظهور الغلاة من المتصوفة وجنوحهم إلى كشف حجاب الحس، وظهور الخوارق على أيديهم، بل لم يعتبر به أحد من العلماء المتأخرين الراسخين المحققين، وإنما المعروف عنهم تضليلهم لمزاوله في تفسير القرآن وتاريخ الأمور الغيبية، ومن ذلك قول الإمام الذهبي رحمه الله تعالى، قد جاءت النصوص في فناء هذه الدار وأهلها، ونسف الجبال، وذلك تواتره قطعي لا محيد عنه، ولا يعلم متى ذلك إلا الله، فمن زعم أنه يعلمه بحساب، أو بشيء من علم الحرف، أو بكشف، أو بنحو ذلك فهو ضال مضل، وقال ابن خلدون في المقدمة، فأما سر التناسب الذي بين هذه الحروف وأمزجة الطبائع، أو بين الحروف والأعداد، فأمر عسير على الفهم، إذ ليس من قبيل العلوم والقياسات، وإنما مستندهم فيه الذوق والكشف، وأما ما نسبته إلى من ذكرت من انشغالهم بهذه العلوم، فهم أما المبتدعة والطرقية فلا يعتد باختياراتهم إن ثبتت، وقد كفّر العلماء ذلك، وأما الإمام الغزالي رحمه الله تعالى، فلم يثبت لنا أن الرجل انشغل بعلم الحرف وجوز الاشتغال به، إلا أن يكون ذلك في كتابه كيمياء السعادة أو كتاب المضنون به على غير أهله.

 

وقال الذهبي فأما كتاب المضنون به على غير أهله فمعاذ الله أن يكون له، شاهدت على نسخة به بخط القاضي كمال الدين محمد بن عبد الله الشهرزوري أنه موضوع على الغزالي، وأنه مخترع من كتاب مقاصد الفلاسفة، وقد نقضه الرجل بكتاب التهافت، وقال الذهبي أيضا ومما نقم عليه ما ذكر من الألفاظ المستبشعة بالفارسية في كتاب كيمياء السعادة والعلوم وشرح بعض الصور والمسائل بحيث لا توافق مراسم الشرع وظواهر ماعليه قواعد الملة، وكان الأولى به والحق أحق ما يقال، هو ترك ذلك التصنيف والإعراض عن الشرح له، وأيضا عن علم الحرف فإن هذا العلم له شرفه وعظمته من جهة ومن جهة أخرى فإنه يوجد الخوف منه وأن خطر الافصاح على هذا العلم هو جهرة فإن عقل البشر العادي لا يستوعب هذه الخوارق وإن أقل ردة فعل ستكون بقول إنه ساحر عليم ولا يمكن للشيخ ان يبوح بإنه رباني وأنه رأى ملائكة الرحمن او أنه التقى الارواح، وإن الروحانية العلوية الشريفة، فسيتهم بالزندقة والجنون والشرك، وإن هناك مرحلة الجهر بالعلم، وهي مرحلة يمكن حصرها بين اواخر القرن العشرين الى حدود يومنا هدا، وهي مرحلة قد ذاع سيط هدا العلم مشرقا وغربا وتزامن دلك مع ظهور دور الطبع والتوزيع خصوصا فى مصر فكانت المادة الروحانية تسيل لعاب القراء الذين يجبرهم الفضول الى شراء الكتب الروحانية.

قد يعجبك ايضا
تعليقات