القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

نبذه عن علم الحروف ” الجزء الثالث

129

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع علم الحروف، وهو علم الروحانيات، وأن الروحانيات تعني الإيمان، وإن الإيمان في الإسلام هو الاعتقاد الجازم، وأركانه هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالقضاء والقدر، فقال الله تعالى فى سورة البقرة ” آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سكعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ” وإن مظاهر الروح المدبرة في الإنسان هما العقل والقلب، ولكل منهما مقومات خاصة، وسلطان خاص، فمقومات العقل هو العلوم، ومهمته النظر والتمحيص لإدراك الواقع، ومقومات القلب هو الشعور الفيّاض، والعواطف الكريمة، ومهمته تجلية الجمال في كل شيء، وإقامة الكمال كفاية قصوى للحياة، وإن الإنسان بين هذين المظهرين الروحيين يطلب إليه أن يقوم على حال تمكنه من الإستفادة منهما، وتجنبه التدافع بينهما ليصل إلى أرقى ما أعد له من منازل الكرامة، ومكانات الرفعة، وليعيش عيشة الحاصلين على السعادتين معا، وقد شُوهد من استقراء أحوال المجتمعات المختلفه في خلال العصور أن الأمم لا تقوم على طريق الحياة الصحيحة إلا إذا تعادل فيها هذان المظهران الروحيان وهما القلب والعقل، فإن طغى أحدهما على الآخر اضطربت أحوالها على مقدار نسبة ذلك الطغيان.

 

وتعرضت للعقوبات الإلهيه، وعلم الحروف والأسماء قد قال عنه الشيخ داود الأنطاكي وهو علم باحث عن خواص الحروف أفرادا وتركيبا وموضوعه الحروف الهجائية ومادته الأوفاق والتراكيب، وصورته تقسيمها كما وكيفا وتأليف الأقسام والعزائم وما ينتج منها وفاعله المتصرف وغايته التصرف على وجه يحصل به المطلوب إيقاعا وانتزاعا ومرتبته بعد الروحانيات والفلك والنجامة، وقال ابن خلدون في المقدمة علم أسرار الحروف وهو المسمى لهذا العهد السيميا نقل وضعه من الطلسمات إليه في اصطلاح أهل التصرف من المتصوفة فاستعمل استعمال العام في الخاص وحدث هذا العلم في الملة بعد الصدر الأول عند ظهور الغلاة من المتصوفة وجنوحهم إلى كشف حجاب الحس وظهور الخوارق على أيديهم والتصرفات في عالم العناصر وزعموا أن الكمال الأسمائي مظاهره أرواح الأفلاك والكواكب وأن طبائع الحروف وأسرارها سارية في الأسماء فهي سارية في الأكوان وهو من تفاريع علوم السيميا لا يوقف على موضوعه ولا تحاط بالعدد مسائله تعددت فيه تأليف البوني وابن العربي وغيرهما، وهى حاصله عندهم وثمرته تصرف النفوس الربانية في عالم الطبيعة بالأسماء الحسنى والكلمات الإلهية الناشئة عن الحروف المحيطة بالأسرار السارية في الأكوان.

 

ثم اختلفوا في سر التصرف الذي في الحروف بم هو، فمنهم من جعله للمزاج الذي فيه وقسم الحروف بقسمة الطبائع إلى أربعة أصناف كما للعناصر واختصت كل طبيعة بصنف من الحروف يقع التصرف في طبيعتها فعلا وانفعالا بذلك الصنف فتنوعت الحروف بقانون صناعي يسمونه التكسير، ومنهم من جعل هذا السر للنسبة العددية فإن حروف أبجد دالة على أعدادها المتعارفة وضعا وطبعا وللأسماء أوفاق كما للأعداد، ويختص كل صنف من الحروف بصنف من الأوفاق الذي يناسبه من حيث عدد الشكل أو عدد الحروف وامتزج التصرف من السر الحرفي والسر العددي لأجل التناسب الذي بينهما فأما سر هذا التناسب الذي بينهما يعني بين الحروف وأمزجة الطبائع أو بين الحروف والأعداد فأمر عسر على الفهم وليس من قبيل العلوم والقياسات وإنما مستندهم فيه الذوق والكشف، وقال البوني ولا تظن أن سر الحروف مما يتوصل إليه بالقياس العقلي وإنما هو بطريق المشاهدة والتوفيق الإلهي، وأما التصرف في عالم الطبيعة بهذه الحروف والأسماء المركبة فيها وتأثر الأكوان عن ذلك فأمر لا ينكر لثبوته عن كثير منهم تواترا وقد يظن أن تصرف هؤلاء وتصرف أصحاب أسماء الطلسمات واحد وليس كذلك، ثم ذكر الفرق بينهما وأطال وإن الكتب المصنفة في هذا العلم كثيرة جدا.

 

وهو ما في كشف الظنون، وقد أطال ابن خلدون في بيان هذا العلم إلى ثلاثة عشر ورقا وعقد له فصولا، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو، إذا تغذى العقل بلباب العلوم فأصبح قويم النظر في الأمور، مدركا للواقع على ما هو عليه، ألا يكفي ذلك في إقامته على صراط الحق المستقيم، ويكون من لوازم ذلك كل ما نسبتموه إلى القلب من الشعور وكمال العاطفة وإدراك الجمال وتَطلب الكمال المنشود؟ فتقول العلماء لا، وهذه بعينها شبهة الذين وقفوا التربية على العقل وحده من أصحاب المذهب الحديث في التعليم، فقصروا التدريس على العلوم، وأهملوا تربية القلب جانبا، فكان أثر ذلك أن بطل التعادل بين العقل والقلب، فإن كان شيء يُبطل هذا المذهب فهو ما نشاهده من حال الجيل الذي نشأ هذه التنشئة، إذ قل اعتداده بالآداب النفسية، بل منهم من اتخذ الإباحية مذهبا له، وأخذ يدعوا إليها في عبارات تحتمل وجهين، وهي بجملتها وتفصيلها ترمي إلى إحلال الملاذ البدنية المكانة العليا من النفوس، فكل ما يصدر من ثمرات العقول اليوم، ويباع من مطبوعاته الملايين يرمي إلى تقديس الأهواء النفسية، والجري وراء الميول، وإن العالم اليوم بحاجة إلى ثقافة روحية، والعودة إلى الروحانيات، وإلا فإن النتائج خطيرة، وتزداد سوء يوما بعد يوم، خاصة وأن العالم المادي أصبح تحت تأثير اعتقاد جازم.

 

بأن تقدمه المادي المطرد قد بلغ مرتبة الكمال ولكن أحداث العام الأخيرة قد بدلت هذا الاعتقاد، فالرقي المادي الذي وصل إليه العالم لم يُؤت ثمرته الفعلية من إسعاد الناس بل على العكس جلب التعاسة والخراب الناجمين عن الحروب المتلاحقة، وزد على ذلك العنف والإرهاب والتطرف، كل هذا يدل على إفلاس الحضارة المادية الخالية من القيم الروحية، فنسيان الروحانيات أو إنكارها سيؤدي إلى مآسي كبيرة قد لا يتحملها الإنسان، لأنه سيعيش في حيرة، وصراعات فكرية، وتخبط لا يعرف الهدوء أو الراحة، سيبقى مالا متضجرا في بيته، ومع أبنائه، وزوجه، وأصدقائه، وطلابه، ومع معلميه ورؤسائه، وسواء أكان غنيا أم فقيرا، وإن السبب في ذلك لأننا أهملنا الجزء الروحي، فالإنسان يتكون من عنصرين رئيسيين هما عنصر مادي ينمو ويتحرك، يأكل ويشرب وينام ويركب ويقعد، ثم جوهر بُرئ من المادة، له تلك المظاهر الخاصة من تفكير وعلم وإرادة وحب وبغض وخلق كريم أو خلق ذميم، فالأديان السماوية توازن بين هذين العنصرين ويجب أن يكون الاتزان دقيقا كي لا يطغى أحدهما على الآخر، فقد قال الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة الانفطار ” يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم، الذى خلقك فسواك فعدلك ” فالسوي لا يبتعد عن الصراط المستقيم.

 

فقال الله تعالى فى كتابه العزيز فى سورة النازعات ” فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا، فإن الجحيم هى المأوى، وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هى المأوى ” فالجانب الروحي الذي يستأثر الله تعالى بحقيقته وعلمه هو المحدد الرئيسي لفعلية ونشوء حياة الأنسان، فالروح هي وعاء الفطرة السليمة، أو مستودع النفخة الإلهية التي لا تنفك عنه، تبث في الإنسان عناصر الخير والصلاح، وتنفره عما لا يليق به، وتوجهه إلى ما يجب أن يكون عليه، فقال الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة الحجر ” فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين ” وقال الله تعالى فى كتابه الكريم أيضا فى سورة السجدة ” ثم سواه ونفخ فيه من روحه ” أي سويت خلقه وصورته وجعلته إنسانا كاملا معتدل الأعضاء، أفضت عليه من الروح التي هي خلق من خلقي، فصار بشرا حيا، وإنما أضاف الروح إليه على سبيل التشريف والتكريم، ونفخ فيه الروح فإذا هو في أكمل صورة وأحسن تقويم، وقال المفسرون أنه وأضاف الروح إليه تشريفا للإنسان، وإيذانا بأنه خلق عجيب وصنع بديع، وأن له شأنا جليلة مناسبة إلى حضرة الربوبية، ولذا يجب الربط بين الجانب الروحي وبين الجانب المادي، ولا يجوز فصلهما، وعلى الإنسان الاهتمام بالجانب الروحي ودرجة التدين والارتباط بالخالق جل شأنه.

 

إذ أن الروح من أمر الله ومؤشر أصيل إلى وجوده ودعوة فطرية إلى الاستعانة به والاتكال عليه فقال الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة الإسراء ” ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليل ” وهذه الحقائق من شأنها أن توصل إلى نتيجة كلية مفادها هو أن الإيمان هو عنوان الروح وملمحها الفعال ودلالتها المبتغاة بصورة أساسية دائمة، ولذا جاء القرآن الكريم بتشريع روحي قوامه الإيمان بالله، والتحقق بمعرفته معرفة حقيقية لا يأتيها الشك تسمو بالمرء، وتجعله فردا صالحا في المجتمع الإنساني، وتنقذه من الأزمات النفسانية التي تجتاحه جراء جهله سر هذا الكون، ولكن السؤال هنا هو هل صاحب الودع وقارئة الفنجان والكف هل هذا حرام أم حلال؟ وكانت اجابة العلماء هى أن كل هذا بدعة، وكل هذا منكر لا صحة له، وصاحب الفنجان وقراءة الكف ورمي الودع وضرب الودع أو الحصى، كله من تعاطي علم الغيب، وكله باطل، ومنكر ولا صحة له، وهو دجل وكذب وافتراء، وكونهم يدعون علم الغيب بأشياء أخرى غير هذا كذب، وإنما يعتمدون على ما تقول لهم أصحابهم من الجن، فإن بعضهم يستخدم الجن ويقول ما تقول له الجن، فيصدقون ويكذبون، فإنهم يصدقون في بعض الأشياء التي اطلعوا عليها في بعض البلدان أو استرقوها من السمع، ويكذبون في الغالب والأكثر.

قد يعجبك ايضا
تعليقات