قراءة في كتاب مسلكيات

كتبت/ سالى جابر
الكتاب: مسلكيات
الكاتب: إبراهيم السكران
دار النشر: دار العصرية للنشر والتوزيع
إصدار:2015
الصفحات: 192
اللغة: الفصحي، طريقة سرد مفصلة واضحة يستريح ويطمئن القاريء بترتيبها وبلاغتها، ولغة قوية جذلة.
الكتاب جزئين؛ مسلك العلم، ومسلك الإيمان، وكل جزء عدة مقالات منفصلة متصلة.

تلك صفحات تزينها كلمات من ذهب، كلمات تعينك على تخطي صعاب الحياة، وتتحدى معك العقبات، تلون يومك بابتسامة أمل، وتشحذ الطاقة لديك، وجدت بين سطور الكتاب أنه يتحدث عني وعن الكثيرين ممن يتوهون بين لهفة العلم والإطلاع والبحث، وبين عدم احترام الوقت، وتكلفة القلب مشقة النجاح، وتذكرت بيت الشعر القائل” من طلب العلا سهر الليالي” وتساءلت ماذا ينقصنا لنكون كما نريد؟ وكانت الإجابة بين تلك الصفحات القيمة، هو زرعة نضع نحن بذورها وإن لم نرعاها تموت، وإن أعطيناها بعض من الاهتمام ترعرعت وبثت فينا الأمل من جديد.

وفق الكاتب في اختيار ذلك الاسم” مسلكيات” والتي تعني لغويًا: طرقات، مفرد مسلكيات: مسلك، وهو يتحدث عن مسلك العلم، ومسلك الإيمان.

الجزء الاول من الكتاب هو: مسلك العلم، يضم مجموعة من الفصول وهي:
• جسر التعب:
كلنا يحرص وبشدة على النجاح بوضع خطط، وتخطيطات لحياته بكافة جوانبها إلا أنه يُلقي بها في درج مكتبه، ثم تصير الأمنيات تعانق السحاب، فلماذا الإخفاق وما سبب تعثر الخطط والطموحات؟!
هذا الفصل يبني لنا من جسر التعب استراحات للعلم والنجاح ويوضح كيف يمكننا تخطي الصعاب.

• مأزق المترقب:
الإنسان المترقب يحرق سنوات عمره الذهبية بلا مبالاة، الإنسان المترقب هو كائن معزول الإحساس بالزمن، يتمنى أن يضع لنفسه شيئًا لكنه واقفًا كالمشلول… المترقب ذاته لا يعرف لماذا ؟
لدى المترقب مشكلة تسمى( ترحيل المهام) وفي هذا الفصل يتم التحدث عن عوامل( الحالة السبهللية) لدى المترقب ووضع حلولًا لها.

• فن القراءة الجردية:
من أهم المعطيات في باب العلم أن الكتب البديعة كثيرة، والعمر قصير، والصوارف تتزايد.
ذكر عالم الرياضيات والفيزياء الفرنسي المعروف باسم باسكال في رسالة صغيرة له أن:” حين نقرأ بسرعة شديدة، أو بطء شديد؛ فإننا لا نفهم شيئًا”
وفي هذا الفصل نتعلم معنى القراءة الجردية، وكيفيتها، وكيفية اختيار الكتاب.

• التصنيف التحصيلي:
قال بعض شيوخنا:” من أراد الفائدة فليكسر قلم النسخ ويأخذ قلم التخريج”
لأن الناسخ لا يتأمل في الغالب ما يكتبه، وإن تأمل فلا يُمعن، بخلاف المخرِِّج، فإنه يحتاج أن يتأمل حق التأمل.
ولهذا على طالب العلم أن يصنف لنفسه ما يتعلم، وهي صفة لكل العلماء الأجلاء.

القسم الثاني من الكتاب عدة فصول:
• لقاء عظيمين:
• ‏وهما محمد ابن عبد الله، وخليل الله عليهما السلام؛ اجتمعا في رحلة الإسراء والمعراج، وكان حوار يختلف تمامًا عن حوار الرؤساء الآن، حوار لا تتخيله، فإن النهضة والتقدم والرقي في ميزان الأنبياء تختلف كثيرًا عن الموازين المادية المعاصرة.

• صفاء الأنبجابية:
• ‏ويتحدث الفصل عن مدى صحة ما نراه في أنفسنا وكثرة اعتياد الحركة في الصلاة، والوقوف المتصدع فيه، والانتقالات المشتتة بين الأركان.
• ‏وكيف تتحول هيئات الصلاة من حركة جسدية إلى حالة عبودية، وكيف تتحول أذكار الصلاة من ألفاظ لغوية إلى معانٍ تنتشل المصلي الملكوت الأعلى، وأن صلاة المنافق تشمل تأخير الصلاة عن موعدها، والنقر الذي لا يذكر الله إلا قليلًا.
‏الخشوع والسكينة في الصلاة، هذا الفصل من الكتاب في صفحات قليلة يجيب عن سؤالنا: كيف نصلي في خشوع؟!
ولماذا أرجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خميصة أبي جهم وإماطة قرام عائشة وهي مجرد أقمشة.

• ‏جناح الذل:
‏في سورة الإسراء قال تعالى في الآية ٢٤:” واخفض لهما جناح الذل من الرحمة”
‏سبحانه وتعالى لم يقول شيئًا عبثًا، متنزهًا عن النقائص، مالك كل شيء، في تلك الآية، وفي تلك الكلمتين إعجاز قرآني، وبلاغة قرآنية رائعة، وقف عندها الكثير من المفسرين مثل: العلامة القفال الشاشي الكبير، القفال المروزي الصغير، الأديب ضياء الدين بن الأثير، العالم المتفنن الشهاب الخفاجي، وأصحاب القراءات مثل: ابن عباس وعروة بن الزبير…..
ذكروا تفسيرات رائعة، وتحليلات منطقية بارعة لتفسير ( الدلالة المتطلب إيحاؤها من لفظ الجناح بما يخدم مفهوم الذل)
‏لماذا اقترن الجناح بالذل؟
السؤال الذي حضر في ذهني بعد قراءة ذلك الفصل من الكتاب؛ هل تدبرنا القرآن جيدًا، حملنا ورقة وقلم لمكتب الآية التي نريد تفسيرها، كم مرة قرأنا تلك الآية الكريمة، هل توقفنا عندها؟ ام كانت القراءة سريعة كإسقاط فرض أو تأدية واجب؟ هل تفكيرنا في معاني القرآن الكريم، تبينا حركات الكلمة وتشكيلها وتخطينا اللحن الجلي عند القراءة؟
تساؤلات عديدة كونت صورة ذهنية لمن يهتمون بالصورة البلاغية في كلمات الله، ويتبيوا جمال الكلمة وسردها،. وأثرها في النفس.
ليست العبرة بالكم بل بالكيف، ليس المهم أن تقرأ كثيرًا بل كيف تقرأ وتدبر وتفهم، هجر القرآن ليس في عدم تلاوته فقط؛ بل عدم تدبر معانيه والعمل بها.

الفصل الأخير من الكتاب:
المجرات سلالم اليقين.
يدور حول النظر في ملكوت السموات والأرض…درب ينتهي بصاحبه إلى جنة اليقين، وأن الفلك معراج اليقين، والأجرام السماوية وأحوالها سلالم يصعد بها القلب إلى مدارات الجزم وخلع الارتياب.
ويتناول قصة الفيزيائي/ الفلكي جيمس جينز وشدة انفعاله بصنع الله- تعالى-، وكلام الفيلسوف الألماني كانط حينما تزايد الإعجاب وانبهاره كلما كرر النظر إلى السماء المرصعة بالنجوم.
ولذلك فإن أرفع مقامات الدين أن تعبد الله كأنك تراه، في إعجازه فيما خلق.

من أجمل وأمتع الكتب التي قرأتها على الإطلاق، براعة الأسلوب وبساطة الكلمات، والتحفيز الرائع بين طيات صفحاته؛ أشعل الأمل وبث الروح من جديد داخل قلب أعياه الخوف من صعوبة صعود جبل الأحلام، وتركم الجليد فوق شريانه
اللهم تنفعنا بما علمتنا واحفظ علماءنا الأجلاء.

قراءة/في/كتاب/مسلكيات
Comments (0)
Add Comment