قصاصات (1)

 

بقلم: محمود أمين

لم أقف يومًا أمام الورقة عاجزًا عن التعبير أو الإدلاء برأي في موضوع يشغلني أو يشغل المجتمع من حولي، ولكني مع الوقت توقفت عن الكتابة لأسباب مبهمة فكانت كالداء الذي استشرى في البدن الصحيح، ولا يعرف خطر بوادره جهاز المناعة أو صاحب الكتابة الذي ينسج من خياله ليرتاح. حين نتوقف فجأة عن ذلك التعبير وأصبحنا نمرر الأحداث سراعًا بأطراف البنان والنطر إليها شذرًا لا تستطيع الموهبة الإبداعية أن تلقف ما يمر و تعبر عنه بأسلوب صاحبها، وليت شعري هنا تبدأ أزمة الصفحة البيضاء كالمزارع الذي ينظر إلى أرض قاحلة، ويمد فيها بصره فلا ينقلب إليه البصر إلا وفي قلبه حسرة من هذا التحدي.

كنت في طريقي إلى البيت ولاحظت بؤس الناس في أكثر من وجه وكأن أمور الدنيا تغير الوجه الذي يمر بها فتُأثر في قسمات الوجه، وهي قادرة على تغيير ملامح صاحبها: إن مر بشقاء فإن للمتأمل رؤية ومعرفة أن هذا الوجه لم ير نعيمًا في يوم من الأيام، وإن كان صاحبها في رغد من العيش، ظهر هذا جليًّا على صفحة وجهه؛ لم يكن هذا الذي أفكر به وقتها، لكني كنت في شغل من حالي وأمور العائلة، ولكن الفكرة كطائر على رؤوس الناس، فأيما كاتب استنطقه نطق، وإن صبر عليه طار ولم يعد، فمن قال لك: إني رأيت اليوم آيات تدعو للوقوف والتأمل والكتابة، ورسم لك من الخيال ما يساعده على ذلك من لغة وخيال؛ لم ينقل لك الحدث كما تراه أنت من وجهتك ونظريتك وترتيبك للأحداث واستنباطك للأمور، ومع الاسترسال تجد نفسك أمام سواد تحبه، الكلمة خلف اختها، والمعاني تضافرت في تكوين الجمال المطلوب.

ولو كنت ناصحًا أحدًا بعد نفسي؛ أوصي بضرورة وجود قلم وورقة وكتابة الأفكار التي تراودنا، ولو كانت بسيطة فإن السطر يبدأ بكلمة، أو نكسر الحاجز النفسي بيننا وبين تدوين الملاحظات على المحمول، والكاتب هو من أهل القراءة سلفًا فعند القراءة عليه أن يكتب ما خطر على ذهنه من الأفكار؛ ورب فكرة كانت بداية عمل أدبي يملأ الدنيا.

ومن هنا يحملني دافع لأكتب بعض العادات والطقوس التي اشتهر بها بعض الكتاب المشهورين كي نرفع الحرج عن أنفسنا إذا نضب بئر الإبداع فينا فقد يكون بحاجة إلى أكتشاف بئر آخر أو استسقاء السماء أو الانتقال إلى المدينة ومهاتفة شركة المياه. كان إبراهيم عبدالمجيد صاحب رواية «لا أحد ينام في الإسكندرية» لا يكتب إلا في الليل و محمد حسنين هيكل صاحب (خريف الغضب) لا يكتب مقالاته إلا بعد العاشرة مساءً، والطقوس تتغير حتى في اللباس.. فالعقّاد صاحب (العبقريّات) وأنيس منصور صاحب (200 يوم حول العالم) لا يكتبان إلا عندما يرتديان البيجامة! ويلحق بهم شاعر الحبّ، ونزار قباني يكتب وهو مُستلقٍ على الأرض أو نائِمًا على بطنه، وأمّا أجاثا كريستي رائدة الرّواية البوليسيّة، فقالت: إنّ أفضل الأفكار تأتيني في الحمّام.

فلا تستهجن الفكرة حين تأتي إليك في أي وقت فإن الكتاب الذين وصلوا إلى لقب (أوسطى) يبذلون الغالي والنفيس لاستجلاب الفكرة والقبس الإبداعي الذي ينير لهم درب النبوغ.

قصاصات (1)
Comments (0)
Add Comment