أنت لست شجرة


كتبت/سهام سمير

‎أهوى التسكع في الطرقات الخاوية إلا من عمود
‎إنارة وحيد، وشجرة تبثني شكواها يوميًا.

‎تُسر لي حكايتها؛ يومًا ما كنت عاشقة، فلما انتهت قصتي، أصبحتُ، مرثية عشق، صندوق بريد، يُلقى فيه كل ساعة رسالة عشق أو شوق أو فراق.

‎يومًا ما افترقنا، بالأحرى مشى هو، استمهلته، لكنه كان عاقد العزم على الوداع.

‎ألقى عليّ لعنة تلاحقنى حتى اللحظة، تعويذة، ترغمني على حضور مشاهد الفراق وأن أكون جزءً منها!

‎أسمع صرخات الملتاعين، ورفض المصدومين، ومقاومة المحبين، واستسلام الضحايا.

‎كما شهدتُ لحظات لقائاتهم الأولى، يكون لزًامًا عليّ الأن رؤية لحظات الوداع.

‎ليس سرًا، إن لحظات الوداع تكون صادقة، وتتجلى فيها الحقيقة كالشمس، لا تحتمل المواربة.

‎تختفي المبالغات، والوعود الكاذبة، وينطق اللسان بما يريده للمرة الأولى.

‎بعض المحبين السابقين، يهوون الانتقام، فلا يجدون سواي لحفر التاريخ فوق جبيني وكأني يجب عليّ أن أوصم بهذه اللحظة، أنا التى تمثل دورها في الحكاية كونها ظل أو مأوى حين تضيق بهم الأماكن!

‎بعضهم يرسم قلب، ولا يكتفي، فيخترق القلب سهم، رأسه ليست أقل وجعا من ذيله، حين يخرج من الناحية الأخرى.

‎عرفت مرة أن خروج الرصاصة بالعكس يؤلم أكثر من اطلاقها في اتجاهها الصحيح، وهو مؤلم أيضا.

‎رغم تكرار الحكاية، أختار نفس الشارع كل مرة، وأسمع وأنا عندي من الردود الكثير، إلا أني مع نهاية كل حكاية أصمت، لقداسة اللحظة، لمهابة الموقف، وتقديرًا لألم الشجرة المتجدد.

‎ما لا تعرفه الشجرة، أني أقاسي نفس اللعنة، وأُلقيّ عليّ نفس التعويذة، وأني كالمجرم الذي يحوم حول جريمته ، لعل هذا يخفف عنه عبء الجرم.

‎الفارق بيننا، أن ألمك يتمدد بعمق وطول جذورك، وأنا أتحرك به أينما ذهبت، وكل مكان رسوت فيه.

‎كل حركة تجدد الذكرى، وتحييها، بينما تدفنين أنتِ ذكرياتك كل يوم!

‎أنا أرتدي الأسود لونًا صريحًا للوداع وفي بعض الأحيان للأناقة وأمسك بمظلة، تحجب عني الضوء والسحب، أمشي بلا هدف لعل ألمي يضل الطريق إلي.

‎يقولون لي؛ تحركي، أنتِ لستِ شجرة!

‎وأقول ليتني لي ثبات الشجرة، مقاومتها للحزن واستعدادها الدائم لرفع رأسها، وتغييرها لأزيائها مع كل موسم.

‎ليت لي، تفاؤلك الربيعي، ومهابتك الشتوية وكبريائك الخريفي، حين يسقط عنكِ الأوراق وتتعري لكن لا أحد يستطيع اذلالك، ليت لي انتظارك الصيفي ولهوك حتي تمر أيامه الملتهبة وساعاته الحارة!

‎أعدُكِ بالزيارة وعديني؛ أن تكملي لي بقايا حكاياتك.

Comments (0)
Add Comment