القاهرية
العالم بين يديك

قصة “جثة مصفاة”

158

بقلم آية مشعل

جثة عائمة على الضفة الشرقية للنهر، تُفزع أهالى القرية فى إحدى صباحات أُغسطس الحارة، التف حولها المارة.
وصيحات مكتومة تتصدر المشهد أثناء انتشالها والتعرف على ملامحها المضروبة بالزُرقة.
جحظت عيون الناس من هول المنظر، وتبادلوا النظر لبعضهم فى ذهول، فالجثة مشوهة العينين وكأنما أُطبقا جفنيهما على فراغ، والندوب تملأ غالب الجسد تقريبًا في أيسر الصدر وجانبي البطن والظهر.
قال شاب جامعي متفحصًا :
ليست ندوب عنف عشوائية؛ إنها جروح شكلتها خيوط طبية على إيدي محترف.

سادت لحظات صمت مُطبق اختلطت فيها رائحة الموت بالرغبة في الغثيان..

وتساؤلات محيرة تطل من رأس كل من رأى وحضر ،هل قام قبل أن يمت بكل هذه العمليات الجراحية دفعة واحدة؟ ولمّ؟!
ومن هذا؟ ومن الذي فعلها به؟

صاح أحد الرجال وهو ينفثُ دخان سيجارته وكأنما عثر على ضائعة:
_إنه سُلطان ! هو سُلطان لا غيره.. لم نره في القرية منذ عدة أيام.
رد آخر:
نعم.. ظنناه هائمًا على وجهه فى إحدى القرى المجاورة، فقد اعتدنا أن يتغيب لأيام ثم يعود مجددًا.

سُلطان الذى لا أحد يعرف له أصل ولا أهل، عرفوه مشردًا، أشعثًا، حافيًا، مغبرًا، فاقدًا للعقل، ولكنه موفور الصحة الجسدية فقد كان يستغله بعض الفلاحين والتجار في جمع المحصول، وحمل الأثقال مقابل وجبة طعام أو حفنة نقود بسيطة أو حتى بلا مقابل يُذكر.
يشاكسه الأطفال فتارة يجروا منه وتارة يجرى منهم.
يعطف عليه البعض، ويخاف منه آخرون ويسخر منه البعض الآخر.

كثيرًا ما يختفى ويُشاع خبر موته ثم يظهر من جديد كما هو.
واليوم ظهر طافيًا كجثة مصفاة من كل ما كان يملك.

“إكرام الميت دفنه”
صاح بها شيخ أسن.

“لا تستخرج تصاريح دفن دون توقيع مسئول عن الميت”.

قالها طبيب مكتب الصحة وهو يقول لنفسه :
إنه خطئي
كيف نسيت أن أربطك بحجر؟!

قد يعجبك ايضا
تعليقات