القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

حوار خاص لجريدة القاهرية مع الفنانة التشكيلية أمل مصطفى

743

أجرت الحوار- رانيا ضيف

-الرأسمالية تحول الفن لجزء من الديكور بينما الاشتراكية تجعل الفن خدمة للشعوب.
-أرى أن الفن رسالة ليس مجرد سلعة تُباع وتُشترى.
– نيويورك غنية جدا بالفن وبالمتاحف وبالحركات الفنية .
– تعلمت من والدي كراهية الظلم ونصرة الحق والدفاع عن المظلومين والمهمشين.

حوارنا اليوم مع شخصية جميلة ومؤثرة، تهوى الفن وتنتج الجمال ، هي الفنانة المصرية الأمريكية “أمل أحمد مصطفى “، درست الفن بكلية الفنون الجميلة قسم الديكور جامعة الأسكندرية واستكملت دراستها بالولايات المتحدة لتحصل على بكالوريوس الفنون في الرسم و التصوير ودبلومة فى تصميمات القماش من جامعة New Jersey City University . NJCU عام 1998 و بكالوريوس التربية الفنية من نفس الجامعة عام 2004. ثم حصلت على الماجستير MFA في التصوير من جامعة وليام باترسون WPU بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف. شاركت في العديد من المؤتمرات والمعارض الجماعية والفردية في مصر والعالم مثل مؤتمر النحت والإبداع العربى،سمبوزيوم البرلس الدولي فى مصر, المعرض السنوي للوحات البورتريه بمعرض أحمد شوقي, معرض الفن المستقل – نيويورك معارض جماعية فى مصر وأمريكا والعراق وفلسطين وفنلندا كما حصلت على جائزة تقديرية من معرض شروق بوسعادة دولة الجزائر. عملت كمصممة أقمشة فى نيويورك فور تخرجها ثم اتجهت لتدريس الفن فى المدارس الحكومية في الولايات المتحدة.

قبل البدء في رحلة عميقة لعقل وقلب أمل مصطفى نرحب بك فنانتنا المبدعة ونبدأ بأول سؤال عن الفن ..
-كتب آلان دونو كتاب “نظام التفاهة” وكيف تأثرت كل المجالات بذلك النظام العالمي الردىء والذي يفتقر للقيمة ويهدف للربح، هل تأثر الفن بشكل عام بنظام التفاهة ؟

بالنسبة لكتاب نظام التفاهة أنا لم أقرأ الكتاب ولكن قرأت مقالة عنه والمقصود mediocracy
أي كيف تكون الأشياء لا قبيحة جدا ولا جميلة جدا .
أذكر أستاذي في الجامعة اسمه “بن جونز ” من أصل إفريقي وكان يحدثنا كثيرا عن عدم وجود العدالة فى المجتمع ويحذرنا من الإعلام لأنه سلاح قوي خاصة في أمريكا وهدفه ترويض الشعوب وتحويلها لمجرد شعوب استهلاكية بلا وعي وكأنه غسيل مخ، كان يحذرنا من mediocracy واستعمالها في المجتمعات الرأسمالية لأنه كان يرى – وهذا رأيي وشيء تعلمته عن والدي – أن الرأسمالية تحول الفن لجزء من الديكور بينما الاشتراكية تجعل الفن خدمة للشعوب أي رسالة هدفها تثقيف المجتمع، وأنا أرى أن الفن رسالة تعبر عن مشاعر الإنسان والفنان خاصة ومشاعر الناس المهمشة أي رؤية غير المرئي – الأشياء التي لا نراها في الإعلام والتي نراها في حياتنا اليومية ولذلك أحب أن أُلقي الضوء على المظالم
(الناس المهمشين ومشاكل المرأة )
يعني أنا أرى أن الفن رسالة ليس مجرد سلعة تُباع وتُشترى.
كما أرى أن نظام التفاهة لم يؤثر على الفن لأن عالم الفن مرتبط بالوجدانيات وليس بالإدارة، ولأن القيمة الإبداعية عند الفنان مختلفة، وأنا هنا أتحدث عن المبدعين وليس المتصنعين أو المدعين، فالفنان لا يتأثر بالموجات الرائجة في المجتمع بل هم دائما يغردون خارج السرب بعيدا عن القطيع، وبما أن في العالم ليس هناك شيء بمعزل عن شيء فلو تأثر الفن فهو سيتأثر في التسويق ولكن لم يصل إلى تسليع الفن التشكيلي مثل ما حدث في الغناء وغيره
أي لم يصل بعد لهذا التسطيح.
ولو عدنا لمفهوم mediocracy فالأكل كان يُطهى في ساعات طويلة بينما الآن لجأنا للسرعة فانتشر ال fast food .
وأكبر مثال على ذلك TikTok المشاهد سريعة تستغرق ٥ دقائق حاليا دقيقتين والمشاهد يمل بعدهما وكأننا اعتمدنا التقليص والتقصير في كل شيء حتى قضينا على الاستمتاع، فكل شيء يؤخذ بسرعة فلا أنت سعيد جدا ولا حزين جدا وهذا ما تناوله فيلم ديزني ( Inside out) كان يتحدث عن المشاعر وضرورة وجود التناقضات الحادة فى المشاعر كي تصل إلى الذروة. لكي تكون فى قمة السعادة لابد أن تقع فى هوة اليأس أولاً. هذه هي طبيعة الحياة والإنسان. الحياة بلون رمادي باهت هي الموت بعينه.

-عندما يخالط الإنسان ثقافات مختلفة فذلك يثري مكنونه الثقافي والمعرفي ويوسع مداركه بل ربما يدرك القيم العليا التي تقوم عليها حضارة وتقدم الشعوب الأخرى، حدثينا عن تجربتك.
أنا متفقة معك تماما فيما قلتي وأنا بحكم نشأتي ومكتبة والدي الثرية التى هيأتني لرحلتى الفنية والثقافية فزودتني بمعرفة وإدراك بالعالم الذي يحيطني حينما كانت تواجهني مشاكل ومصاعب لا أستطيع حلها فألجأ للكتاب الذي كان أقرب صديق لي في غربتي. سأتحدث كطالبة تركت كليتي بعد ٣ سنوات، فلم أحصل على بكالوريوس فنون جميلة بجامعة الإسكندرية ولكني أكملت دراستي هنا واستمتعت جدا بالدراسة لإن كان عندي خلفية من خلال المكتبة بالإضافة للسفريات مع والدي حين كان يعمل في الأمم المتحدة، سافرنا معه لشرق أوروبا ولبلاد عربية مثل سوريا واليمن وأقمنا هناك سنتين وسافرنا المجر وتشيكوسلوفاكيا ورومانيا، فكل هذه البلاد جعلتني متماسكة في غربتي ولا أرتبك بسرعة، بالإضافة لأن العالم كله مترابط وإن اختلفت الثقافات من مجتمع لآخر في النهاية الصديقان الوفيان اللذان لازماني طوال الوقت هما الفن والكتب.

-من خلال إقامتك ودراستك للفن في الولايات المتحدة، ما الواقع التشكيلي في نيويورك ونيوجيرسي ؟
وما الذي تفتقده الحياة الفنية في مصر في الوقت الحالي ؟

. أنا ممكن أتكلم عن نيوجيرسي بصراحة لأن نيويورك لازلت أقدم عليها على استحياء لازلت أكتشفها، نيويورك كبيرة جدا، أنا اشتغلت فيها ٥ سنوات كمصممة أقمشة وهي مدينة قاسية جدا جدا وأذكر مشواري اليومي لها، وكيف كانت الناس تجري بلا شفقة بلا رحمة، يعني كنا نركب المترو من نيوجيرسي إلى نيويورك، كان المشوار ياخد نصف ساعة، تلاقي الناس تجري من غير ما تبص حواليها، يعني أول شهر قضيته في اكتئاب شديد بسبب إن الناس كلها بتجري فحسيت إننا آلات، لم أشعر أننا بني آدمين، وذلك أصابني بصدمة يعني كل يوم الصبح وأنا رايحة الشغل كنت أصدم من هرولة الناس كأنهم ماكينات ليسوا بنى آدمين بدون أي مشاعر إنسانية . بدون التفات لما يحصل حول الناس؛ حد بيقع حد مريض، كله بيجري .. فلو تحدثت عن الواقع التشكيلي فى نيويورك وبحكم المتاحف التي قمت بزيارتها، فالمعارض في نيويورك غنية جدا جدا بالفن وبالمتاحف وبالحركات الفنية و أضحت عاصمة الفن في العالم بعد الحرب العالمية الثانية وظهور فن التجريد و Jackson Pollock الذى قامت الدولة بدعمه فنيًا لأغراض سياسية.
‏المتاحف في نيورك تحتوى على كنوز
ممكن أتكلم باستفاضة أكبر عن نيوجيرسي لإني تنقلت كتيراً فيها وعملت فيها معارض كتير وأقول مثل ما قُلت في مصر، أنا أرى إن الناس متعطشة للفن ودائما الشئ الذي يخرج من القلب يصل للقلب، يعني الناس تحس إنه عمل صادق أو غير صادق، الناس تستشف ذلك . آخر معرض فردى أقمته في نيوجيرسي كان تعويذة اللوتس العام الماضي والله كان فيه إقبال شديد على المعرض من مختلف الثقافات. أنا مصرية الجذور والهوية عايشة مغتربة برغم سنوات الغربة الطويلة دائما شايفة نفسي هناك يعني فيه ارتباط لا يغادرني بلا إرادة. فهناك شيء يربطني بالواقع بمصر . أنا عملت “المرأة فى الإسلام “وكان مشروع التخرج الخاص بي في البكالوريوس ومشروع التخرج في الماجستير كان تعويذة اللوتس .. يعني مرتبطة دائما بالحضارة الإسلامية أو الفرعونية، أو الفن القبطي.
فقد زرت المتحف القبطي سنة ٢٠١٦ وعملت معرض كان اسمه نبضات من المهجر عملته في أتيليه إسكندرية سنة ٢٠١٧ كان عن البورتريهات القبطية يعني مهما الواحد سافر لازال مرتبط بالثقافة الأم. وأعتقد أن المخزون البصري الغني الخاص بي هو مصري بنسبة كبيرة، مصري وطبعا متأثرة بحكم تعليمي بحكم أصدقائي وصديقاتي الأمريكان. طبعا فيه تأثر لكن لما أحب أعبر عن نفسي بعبر عن نفسي بالمصري، فبردو بيطلع مصري .

أما الذي تفتقده الحياة الفنية في مصر في الوقت الحالي هو دعم الدولة، الفنان يفتقد دعم الدولة ليس فى مصر الحقيقة فقط حتى الفنان يفتقد دعم الدولة هنا في أمريكا. يعني أنا كفنانة لم أحصل على أي دعم مادي أو حتى معنوي .. هو طريق صعب لازم نشقه بمفردنا ولا يمكن الحصول على منحة تفرغ بسهولة للأسف.

-الفن التشكيلي له جمهور محدود مثقف ويعد بعيدا عن المواطن البسيط والأوساط الشعبية مثله مثل فن الباليه أو الفن الأوبرالي لا يستوعبه إلا نخبة المثقفين المهتمين بالفن والجمال، ما الحل لرأب صدع الانفصال بين الفن التشكيلي والجمهور أو العوام ؟

الحل هو أن نبدأ بالطفل،
أولاً. هل ينشأ الطفل في بيت حوائطه مزدانة بلوحات الفن التشكيلي؟! أذكر في طفولتي كان هذا شئ عادي و مألوف. و الآن الفن مجرم و محرم بفعل الهجمة الوهابية الشرسة التي بدأت في سبعينيات هذا القرن. هل ندرس للطفل في المدرسة حصص رسم ونعلمه أن الرسم جزء من الجمال والله جميل يحب الجمال أم نعلمه أن الفن حرام وأن آثار أجدادنا المصريين العظماء هي أصنام و أوثان؟
ثانيا: شيء مهم جدا هل الاحتياجات الأساسية للمواطن العادي متوفرة كي يبحث عن الفن أي المأكل والمشرب والمسكن متوفرين للمواطن العادي كي يكون عنده وقت ليلاحظ الحائط و يضع عليه لوحة أو يزور معرض أو يذهب إلى الأوبرا !

 

-أمل بنت المناضل اليساري “أحمد مصطفى” أول من قام بتنظيم الكفاح المسلح ضد الإنجليز في الإسكندرية في ثلاث عمليات نوعية وتم اعتقاله ولم يفرج عنه إلا بعد ثورة يوليو .. تلك العمليات التي أجبرت الإنجليز علي الانسحاب من المدن، هل انعكست تلك النشأة على أعمال أو رؤية الفنانة أمل ؟

أكيد الحديث يطول عن بابا، أستاذي العظيم أحمد مصطفى، طبعا النشأة أثرت عليَّ من أول المكتبة التي نشأت منذ طفولتي المبكرة وأنا أتصفح الكتب، طبعا لم أكن أجيد القراءة لأني كنت صغيرة عندي سنتين أو ثلاثة كنت بشخبط في الكتب كلها لكن أول ما بدأت أقرأ المكتبة أثارت فضولي، وبدأت أقرأ أول ما تعلمت القراءة حتى لو لم أفهم معظم الكتب، لكن عاودت قراءتها في مراحل مختلفة أثناء المراهقة بعدما هاجرت هنا في أمريكا، وهناك كتب معينة كنت أقرأها أكثر من مرة لأن كل مرة أستوعب حاجات أكثر. طبعا النشأة أثرت عليَّ فتعلمت منه الإصرار والإرادة الحرة والوضوح والموضوعية والقدرة على التحليل والصدق، أهم شيء تعلمته منه المسئولية تجاه الفقراء، أذكر إني كنت أقول له :كل سنة وأنت طيب -عيد ميلادك – يقول لي: كيف أفرح وهناك ناس فقراء أو عندما تمطر الدنيا مثلا أقول له: أنا أحب المطر جدا يقول: أنت تنظرين للمطر ورومانسية قطرات المطر المتساقطة، فكري في الناس الذين بلا مأوي من لا يمتلكون سقفا يظلهم. فكري في كذا وكذا.. أول لوحة رسمتها وأنا في الكلية كان المطلوب شيء مثل بوستر للأطفال فقررت أن أعمل شيء يعبر عن المجتمع المصري يعني بدل ما أنسخ عمل من ديزني أو سنو وايت قررت أن أصور قصة ثورة يوليو، ف بابا مجرد ما بدأت أرسم هو دعمني بكتب، أمطرني بالمعلومات ومن حينها وجدت أن رسم أي موضوع يحتاج إلى قراءة ودراسة وطبعًا اسكتشات وأشياء كثيرة جدا كي تضيف عمقًا لللوحة فلا تكون مجرد لوحة مسطحة لازم يكون لها عمق سياسي وعمق تاريخي، أي موضوع يُرسم لابد أن يُدرس من كل الجوانب وذلك تعلمته من والدي وحاجات كثيرة لا يسعني عمري كله لأتحدث عنها. كما أن تلك النشأة ربت داخلي كراهية الظلم ونصرة الحق والدفاع عن المظلومين والمهمشين.

-عندما ظلم الفقهاء المرأة علق شيخ مستنير تعليقا لافتا قائلا: أن ذلك يرجع للمرأة نفسها حينما أهملت دراسة الفقه وتنحت عن منافسة الرجال في هذا العلم
فكانت النتيجة أن جاء الفقه والأحكام الشرعية غير منصفًا ولا معبرًا عن المرأة!
وفي الأدب وجدنا الكتابات النسوية تحاول إثبات ذاتها والتعبير عما يجول بخاطر المرأة ومعاناتها وربما أصبحت قادرة بشكل أو بآخر أن تتخذ مقعدا بين الأدباء لتعلن عن نفسها،
لو تحدثنا عن الفن هل عبرت المرأة عن ذاتها بشكل مُرضي؟!

ببساطة شديدة المرأة لم تهمل الفقه ولم تهمل متعمدة أي مجال سواء في العلوم أو الفنون والهندسة أو الطب. فلم تهمل المرأة إنما حُجبت لعقود طويلة خلف الجدران ، ولا ننسى أن المرأة بدأت مؤخرا تشارك في العمل السياسي والعمل الاجتماعي وتدخل الجامعة لابد أن ننظر للتاريخ، متى بدأت المرأة؟ أو متى بدأ السماح لها أن تشارك في هذه الأشياء، المرأة حجبت خلف الجدران بدعوى الحفاظ على عفتها والحفاظ على شرقية المجتمع، فلا نستطيع أن نلوم المرأة ونقول أنها أهملت، فالمرأة لم تهمل.
أما هل عبرت المرأة عن نفسها في موضوعات فنها؛ فطبعا عبرت وأنا بصراحة لا أرى أي فرق بين الفنانين التشكيليين والفنانات التشكيليين، كلهم نسيج واحد، ولا أرى فروق بين فنانة وفنان إنما لا أرى سوى فن أي ليس هناك فن نسوي وفن رجالي هما فنانين والمرأة قادمة و بقوة فى كل المجالات.

—لقي أحدث معارض الفنانة أمل مصطفى إقبالا واحتفاءً من الجمهور والفنانين والنقاد على حد سواء وكان أبرز المعلقين بالثناء والإشادة الفنان والناقد عصمت نواستاشي،
حدثينا عن المعرض وخاصة لوحات البورتريه التي لفتت أنظار الجميع.

أنا الحقيقة هتكلم عن آخر ٣ معارض عملتهم الصيف الماضي سنة ٢٠٢٢، عملت معرضين في القاهرة ومعرض في الإسكندرية والحقيقة فرحت جدا برد الفعل الإيجابي جدا للجمهور وحسيت بتعطش الجمهور في القاهرة والإسكندرية وخاصة الجمهور السكندري. فقد لقي معرضي الفردي ختان الروح فى الإسكندرية إعجاب شديد،. بصفة عامة كانت معارضي الثلاثة تعج بالجماهير والفنانين و كنت فى سعادة بالغة لحضور أساتذتي عصمت نواستاشي، أستاذ عز الدين نجيب، أستاذ سيد هويدي ، أستاذ أيمن أبو زيد كلهم شرفوني في المعرض وفنانين طبعا دعموني فكل الشكر لهم . كل الشكر للجمهور العادي وجمهور النخبة المثقفة اللي شرفوني في المعرض . المعرض حاز الإعجاب وخاصةً الكولاچ، الذي لفت نظر النقاد والجمهور بتفاصيله الدقيقة ومنمنماته. أعمالي الفنية و كتاباتي هي خط موازي لحياتي أو سيرة ذاتية تعبر عن المواقف و المراحل التي أمر بها سواء كانت تحمل غضب، فرح، حيرة، استنفار؛ فكل هذه التعبيرات موجودة خاصة في البورتريهات التي رسمت نفسي في كثير منها. بورتريهات كثيرة رسمتها لنفسي، بخطوط تعبيرية سريالية وكثيراً من الانطباعية يعني أنا أحب أكثر أن أعبر عن الحالة النفسية للموديل لا عن تطابق الملامح. . لا أحب اللوحات الصماء المسطحة، إنما دائما أنظر فيما وراء السطح الساكن. دائما أبحث عن الزخم وراء الأسطح الباردة. كل بورتريه يحمل قصة،قضية أو يحمل فكر معين ؛ أحيانا يكون فيه تفاصيل كثيرة وأحيانا يكون فيه تعبيرية أو انطباعية، وأكثر شيء أحبه وأهتم به في اللوحات التعبير والألوان والحالة.

تبدو أمل مصطفى فنانة تشكيلية مصرية حملت هموم الوطن ومعاناته داخلها وهي تحيا في الغربة لسنوات طويلة دون أن ينقطع ذلك الاتصال، هل عبرت عن ذلك من خلال لوحاتك؟
الحقيقة صحيح ١٠٠%، أنا أتيت لأميريكا سنة ١٩٩٢ وأنا فاكرة في آخر السنة حصل زلزال فيعني كان فيه إسهامات من هنا من أمريكا حاولت على قدر الإمكان يكون لي إسهام بسيط جدا في مساعدة الوطن فى هذه الأزمة. أنا متابعة طبعا أخبار مصر وأخبار الوطن العربي والأخبار الدولية قدر ما أستطيع . طبعا أفتكر سنة ٢٠٠٣ لما حصل غزو العراق أمريكا غزت العراق، كنا عملنا مظاهرات في نيويورك، انضميت لمظاهرة في نيويورك ضد الحرب على العراق . ٢٠١١ طبعا الثورة العظيمة ٢٥ يناير اشتركنا فيها وكانت أسعد أيام حياتي بصراحة، اشتركنا فيها كان فيه مظاهرات في نيويورك وكان في مظاهرات في واشنطن سنة ٢٠١٣ كذلك في نيويورك للتخلص من حكم الإخوان، كانت دعم ٣٠ يونيو وطبعا تلاها -أي من ٢٠١١ ل ٢٠١٣ – كان لي نشاط سياسي فعال في نيويورك ومن خلال الأحزاب السياسية من ٢٠١١ ل ٢٠١٤، حاليا فيه متابعة وتعبير ب
‏Social Media على قدر ما أستطيع، كما أحاول نشر الوعى شوية بين الطلبة عندي، خاصة إني لاحظت أن الشعب الأمريكي لا يهتم بالسياسة الخارجية، لا يعرف كثيرًا عن العالم الخارجي فأحاول تصحيح مفاهيم خاطئة على قدر استطاعتي خاصة بين الطلبة الذين يفتقروا للوعي بالتاريخ الحقيقي للولايات المتحدة الأميركية ودورها في تدمير كثيراً من الدول النامية واستغلال ثرواتها ومصادرها الطبيعية وتدمير البيئة. أذكر أحد الطلاب وهو يقول لي في نقاش :” لما كان فيه حرب ما بين العراق وأمريكا” قلت له لا؛ لم تكن حربا إنما غزت أمريكا العراق دمرته وسرقت النفط بحجة الحفاظ على أمنها والقضاء على الإرهابيين وتحقيق الديمقراطية في العراق.
أنا مرتبطة جدا بمصر ومرتبطة بالوطن العربي، هم جزء مني والدليل على ذلك سنة ١٩٩٨ عندما تخرجت من الكلية عملت معرض التخرج عن “المرأة في المجتمع الإسلامي والعربي”ولما عملت معرضي الخاص السنة الماضية ٢٠٢٢ وكان معرض الحصول على درجة الماجستير كان على تعويذة اللوتس و الحضارة المصرية القديمة. فأنا دائما مرتبطة بجذورى يعني بالوطن الأم مصر.

 

-في الآونة الأخيرة شهدت الميادين المصرية ظواهر مفزعة وتشويها لكل معاني الجمال من تماثيل لا تمت للفن بصلة أو جداريات رديئة أو حتى على مستوى الترميم لبعض المناطق الأثرية وما شهدناه من تشويه وليس ترميم
هل ترجع تلك الممارسات لغياب الموهبة الحقيقية ؟

لا أعتقد أنه راجع لغياب الموهبة الحقيقية، لأن ٢٠١٨ كنت في جامعة المنيا لحضور مؤتمر للنحت و معرض للتصوير و النحت وشاهدت ابداعات الطلبة الموهوبين فى قسم النحت هناك ثم ذهبت للاقصر لاقامة معرض فردى فى كلية الفنون الجميلة بالأقصر. وفوجئت بالمواهب الصاعدة. فرحوا قلبى فعلاً. فالادعاء بغياب الموهبة باطل و ظالم ولكن ممكن نقول أنه خطأ في الإدارة، كسل من المسؤولين وتراجع في دورهم وأدائهم بصراحة.
فمن يقرر وبناءً على ماذا توضع هذه الأعمال؟!
لابد أن يتم إجراء مسابقات لاختيار العمل المناسب للميدان ولازم يكون فيه عمل مصغر أو اسكتش، مثل ما نقول دراسة جدوى بصرية للعمل الذي سيوضع في الميدان بكل نسبه، مثل ما حدث مع تمثال محمود مختار نهضة مصر، هو عمل اسكتش وعمل مصغر قبل أن تأتى الموافقة بالتنفيذ بعد التكريم والجائزة التي حصل عليها في فرنسا، وبالتالي عاد إلى مصر ونفذ عمله الخالد تمثال نهضة مصر بدعم كبير من أطياف الشعب.
والحقيقة لا أدري كيف تكون مصر أصل الفن والنحت ونضع تماثيل مخزية بهذا الشكل في الميادين . أتذكر أني كنت تحدثت مع رئيس قسم النحت في جامعة المنيا وكنا نتكلم عن تمثال نفرتيتي الذي يوجد في المنيا وكان هناك احتجاجات شديدة على وجود هذا التمثال لأنه كان وصمة عار وهم اعترضوا اعتراض شديد على وجود هذا التمثال لأنه كان مفزعًا. وبالفعل تمت إزالته ووضع بدلا عنه تمثال نفرتيتى الذى نفذه دكتور فى قسم النحت من الجامعة. فمن الذي يقدم على عمل التماثيل المفزعة؟ مقاول أم نقاش ؟! وهل بيعمل اسكتشات ؟
هل الدولة تقوم بعمل مسابقات وتشرف عليها ؟ هل هناك أكاديميين فنانين لتقييم تلك الأعمال ومعرفة إن كانت مزورة أم مسروقة من أعمال أخرى ؟
كل ذلك يرجع للإدارة وليس نقص في الموهبة ولا هو خطأ الشعب . الشعب يريد رؤية الجمال، والفنانين الحقيقيين موجودين ولكنه خطأ في الادارة كما أنه لا يوجد أي دعم للفنانين الحقيقين في البلد.

-ما سر تعلقك بتقنية الكولاج (فن الإلصاق) على نحو لافت ومدهش؟

الكولاچ كلمة فرنسية معناها قص ولصق cut and paste من وقت ما كنت في المدرسة وأنا بحب أقص حاجات من المجلات وألصقها على ورق ولما كبرت تعلقت بالكولاچ ولما اشتغلت
‏ fabric designer ناخد التصميم ونعمل له repetition تكرار كنا نقص حاجات ونلصقها بحيث تظهر كمسطح واحد دون أي فوارق بحيث لا نرى خطوط أفقية أو رأسية واكتسبت هذه الخبرة من خلال عملي لمدة ٥ سنين كمصممة أقمشة في نيويورك .
وفي فترة كورونا كان عندي أفكار متدفقة وملا يوجد وقت لرسمها أو تصويرها بالألوان فوجدت إن أسرع شيء لتوصيل تلك الأفكار هي القص واللصق كما أن الكولاچ يتيح استخدام عدد لا متناهي من الصور والمشاعر من حزن وفرح وشجن، أي مشاعر مختلفة نقدر ندمجها في قطعة فنية واحدة، فهو ساعدني في التحكم في هذا التدفق السريع للأفكار .
وكان هو أسرع من استخدام ال digital رغم إن كان ممكن استخدمه بحكم تدريسى لمدة ١٦ سنة ل computer graphics وكان ممكن أستخدم أيضا photoshop في عمل الكولاچ لكن كان عندي رغبة إني ألمس الأدوات بإيدي .
يمكن الكولاچ شيء ما بين digital وpainting
لإنى استخدم صور مُعدة، و بعضها من رسوماتي التى انسخها و اقصها وأركبها وأعيد صياغة القطع الفنية الخاصة بي في لوحة جديدة.
وأنا استغربت لما زرت الأتيليه الخاص بالفنان الكبير القدير عصمت نواستاشي فوجدته يستخدم أعماله ويصغرها ويستعملها في لوحات أخرى ففرحت جدا بتوارد الأفكار واستخدامنا نفس الأسلوب.
أتذكر في المعرض الخاص بي قالي” إنت على نفس مدرستي. قلت اسمها ايه ؟
قال: هي مثل التجارب الفنية نلهو فيها بالأدوات ونقوم بتجارب لا نعرف نتيجتها .
وذلك يشرفني جدا فهو أستاذي طبعا من زمان
عندي كتب كثيرة له وقد أهداني كتابين ولوحة وأنا أعتز كثيرا إني أكون تلميذة من تلاميذه، وأسعدني جدا إنه افتتح معرضي في الإسكندرية- مدينتي الجميلة – في قصر ثقافة الأنفوشي في شهر أغسطس الماضي ٢٠٢٢.

-ما المشاريع الفنية القادمة للفنانة أمل مصطفى؟

أحاول أن أطرق أبواب نيويورك من جديد بعد انقطاع طويل. أنا تخرجت سنة ١٩٩٨ حصلت على بكالوريوس فنون جميلة قسم تصوير و دبلومة تصميم قماش. وسنة ٢٠٠٠ عملت أول معرض فردي لي في نيويورك في Soho ثم ابتعدت فترة لظروف الحياة ولكن رغم العمل و الأسرة والمسئوليات المتعددة كنت حريصة على الاشتراك في معارض جماعية لكي أكون متواجدة ومتابعة لعالم الفن التشكيلي في نيويورك ونيوجيرسي طبعاً ليس بالكثافة الحالية ولكن كنت دائمآ أرفض التقوقع والانعزال عن دوري المجتمعي كفنانة.
الآن أسعى لتنظيم معرض فردي في نيويورك في أكتوبر القادم إن شاء الله وكان المقرر إقامته في إبريل لكن تم التأجيل ويمكن ده أفضل حتى أتمم المجموعة التي أرسمها الآن وسوف تكون جزء من معرض أكتوبر في نيويورك وأيضًا في معرضي القادم في القاهرة والإسكندرية في الصيف إن شاء الله.

في نهاية الحوار نشكر فنانتنا الجميلة أمل مصطفى على هذا الحوار الشيق ونتمنى لها مزيدا من النجاح والتوفيق.

قد يعجبك ايضا
تعليقات