القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

“زرياب” مؤسس فن الإتيكيت

439

إعداد د/رانده شحاته

أبو الحسن علي بن نافع الملقب بزرياب، وهي كلمة  فارسية معربة تعني صاحب صوت ذهبي،

وسمي بزرياب تشبيها له بطائر هناك كان معروفًا بريشه الأبيض، وفي بطنه ألوان سوداء، حيث كان زرياب يلبي الثياب البيض، وهو أسمر البشرة، فأطلقوا عليه ذلك تشبيها بهذا الطائر، وغلب اللقب على اسمه، وصار لا يعرف إلا بزرياب.
وما زال الوصف شائعاً حتى وقتنا الحاضر، لذوي الأصوات الجميلة.

يعتبر “زرياب” من أشهر أعلام الموسيقى، والذي أحدث ثورة موسيقية في الأندلس، والتي انتقلت منها إلى أوربا.

وقد كان زرياب من تلاميذ الفنان الشهير إسحاق الموصلي مغني هارون الرشيد.

فلما ظهر نبوغه وشعر أبو إسحاق بخطورة منافسته، تحيل في صرفه وإبعاده، فغادر بغداد إلى المغرب.

وكتب زرياب إلى الحكم أمير الأندلس يستأذنه في الوفود عليه، فأذن له واستدعاه، ولكن زرياب ما كاد يصل إلى المغرب حتى علم بوفاة الحكم، وكاد ينثني عن عزمه في العبور إلى الأندلس، لولا أن جاءه كتاب نجله عبد الرحمن بدعوته والترحيب به فسار إلى قرطبة.

واستقبله عبد الرحمن بمنتهى الإكرام والحفاوة، وأجرى عليه الأرزاق الواسعة، وجعله من خاصة بطانته.

وبهر زرياب أهل الأندلس ببراعته في الغناء والموسيقى، وطار صيته في كل مكان، وأضحى قطب الفن الذي لا يجارى.

وأخذ عنه أهل الأندلس فنونه وإبداعه، وتشبهوا به في مظاهر زيه وأناقته وطرائق معيشته.

وقد حدد لهم زرياب في الأندلس ما يلبسون في المواسم وفي الفصول من الربيع والصيف والشتاء ونحوه، بالإضافة إلى طبيعة ما يأكلون، حيث يعتبر هو مؤسس ” الإتيكيت” في الأندلس
حيث وضع للطبقات الراقية قواعد السلوك وآداب الجلوس والمحادثة والطعام حتى اتخذه ملوك أهل الأندلس وخواصهم قدوة فيما سنّه لهم من آداب وسمّوه  “معلم الناس المروءة” .

ودرب زرياب هؤلاء على إعداد مائدة راقية، تقدم فيها الأطباق حسب ترتيب خاص، فتوضعُ أولا أطباق الشوربة والسواخن، تليها أطباق اللحم والطيور المتبلة بالبهارات الجيدة، وفي النهاية تقدم أطباق الحلوى، وأخذوا عنه استخدام آنية الزجاج الرفيع في موائدهم بدلاً من الأواني الذهبية والفضية،  لأنه أسهل تنظيفاً، وأجمل منظراً، واستبدل غطاء الكتان من موائدهم الخشبية بالجلد الأملس الناعم، لسهولة تنظيفه، وأيضا ابتكر ألواناً من الطعام لم يعرفوها من قبل، إضافة إلى ما نقله لهم من ألوان الطعام البغدادي وطرق إعداده.

وشرح زرياب لأهل الأندلس فن التجميل والعناية بالبشرة وإزالة رائحة العرق، كما علمهم طرق إزالة الشعر، واستعمال ما يشبه معجون الأسنان في أيامنا وأدخل إليهم طرقا جديدةً لقص شعر الرأس وتسريحه.

كما وضع لهم نظاماً لارتداء الأزياء تبعاً لفصول السنة وتقلبات الجو، حيث يلبس الناس الملابس القطنية البيضاء في فصل الصيف، والثياب الملونة ذات الحشو والبطائن الكثيفة في الخريف، ويزيدوا في فصل الشتاء  إلى أثخن منها من الملونات وصنوف الفراء، ثم ينتقلوا في فصل الربيع إلى ألبسة الحرير الملونة التي لا بطائن لها، ونقل طريقة تنظيف الملابس البيضاء.

في مجال الموسيقى عدل زرياب على آلة العود، إذ جعلها أخف وزنا كما استخدم مواد جديدة في صناعة الأوتار كالحرير ومصران  الحيوانات حيث أصبحت أمتن وأفضل أداء للألحان، كما استبدل المضراب الخشبي الخشن الذي يؤذي الأوتار بآخر من قوادم النسر الأكثر خفّة وليونة، وأضاف إلى العود وتراً خامساً.

وافتتح زرياب في قرطبة مدرسة لتعليم الموسيقى والغناء، حتى أنه كان لا يقبل فيها إلا الطلبة الموهوبين الذين تتوافر فيهم قابلية التعلم، ووضع أسس يختار عن طريقها المتقدمين، كما ضم فيها طلاب عرب ومسلمين وآخرين من دول أوروبية، ساهموا في نقل الموسيقا الأندلسية إلى أوروبا لاحقا، إذ لم تكن تعرف إلا الموسيقا الدينية.

وتعتبر قصته من القصص الشهيرة التي تناقلتها كتب الحضارة كأحد الأعلام الذين أثْروا الحياة الثقافية في البلاط الأموي بالأندلس.

وقد توفي في ربيع الأول سنة 238 هـ – أغسطس 852 م،

قد يعجبك ايضا
تعليقات