القاهرية
العالم بين يديك

كعكة عيد الميلاد

352
كتبت/ رشا فوزي
ترفع رأسا متثاقلة عن وسادتها الحريرية وهي تغمغم بضيق بينما تقتحم أشعة شمس الظهيرة عينيها الناعسة، والخادمة تزيح الستائر عن شرفة حجرتها، أقف في إحدى الزوايا أتابعها برجاء يداعب القلب:
– صباح الخير مدام ندى.
تلتفت لي؛ فأتصنع الابتسام، تكاسلها وتدللها عند الاستيقاظ يذكراني بابنتي، جاءتني هذا الصباح يتراقص في مقلتيها ذات الرجاء :
– النهاردة عيد ميلادي، فاكرة؟
وكيف لي أن أنسى أميرتي؟!، في ذلك اليوم أخبرني والدك بتخاذل أن الحياة قاسية، قادرة على إذابة الرجال وامتصاصهم ليتلاشوا تماما من الصورة، تساءلت حينها عن فارسي المغوار الذي التقيته بين أروقة كلية الأداب، وحبنا الذي سنغلب به دنيا الفقر هذه!
– النهارده يوم مهم يا فتحية، مش هوصيكِ.
– كل سنة وحضرتك طيبة يا مدام.
تعمل أناملي في شعرها باحترافية، تلي ذلك عملية وضع المساحيق، بوجه يدّعي الهدوء كنت ألحظ لفافة التبغ بين أصابعها تنفث دخانها بقلق وتوتر، ثم تسأل مديرة الفيلا بعصبية:
– عامر بيه لسة ماوصلش؟!
– لسة يا هانم، بس كل ترتيبات الحفلة جاهزة، حتى التورتة وصلت.
ستسألني ابنتي ” أين كعكة عيد ميلادي يا أمي؟ “، الجيب خاوي والطريق حتى أول الشهر متصحّر أجرد، وعليّ ملئ فراغ الصورة.
استقبلنا المساء بقلب يعج بالهموم، السيدة “ندى” ملكة رائعة الحسن، لكن بعينين مطبوعتين بالحزن والغضب راحت تسأل عن الغائب، في حين تلقفتني مديرة الفيلا اللئيمة تنفحني أجرة ستذهب أغلبها إلى ربة عملي وما يتبقى لي منها لن يكفي ثمن التورتة. راودتني نفسي عن سؤال مدام ندى، ربما لو علمت أن اليوم هو عيد ميلاد ابنتي أيضا لزادت في الأكرامية.
ضجت الفيلا بمظاهر الاحتفال الباذخة، وازدحم بهوها وحديقتها بالبشر، ووسط الصخب ظللت أبحث بأصرار المضطر عن صاحبة العيد حتى وجدتها في أحد الأركان المستترة غارقة في قبلة نهمة بين ذراعي الرجل.
في صباح اليوم التالي سألتني صاحبة محل الكوافير الذي أعمل به وأنا أناولها المال عن حال مدام ندى وعيد ميلادها،
كادت تفضحني ابتسامتي وأنا أخبرها عن الحفل الذي غاب عنه الزوج وكذلك الكعكة!
تمت
قد يعجبك ايضا
تعليقات