القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

القرٱن كلام الله 

83

 

بقلم : زين العابدين ٱل عوض

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرحيم

ما هو القرآن؟

ما هذا الكتاب الذي هز العالم كله؟ بل الكون كله؟

أجمع العلماء في تعريفهم للقرآن على أنه (كلام الله)، والمهم ههنا بيان هذا الأصل المجمع عليه بين المسلمين: (القرآن كلام الله). هذه حقيقة عظمى، ولكن لو تدبرت قليلا..

الله جل جلاله خالق الكون كله.. هل تستطيع أن تستوعب بخيالك امتداد هذا الكون في الآفاق؟.. طبعا لا أحد له القدرة على ذلك إلا خالق الكون سبحانه وتعالى. فالامتداد الذي ينتشر عبر الكون مجهول الحدود، مستحيل الحصر على العقل البشري المحدود. هذه الأرض وأسرارها، وتلك الفضاءات وطبقاتها، وتلك النجوم والكواكب وأفلاكها، وتلك السماء وأبراجها، ثم تلك السماوات السبع وأطباقها… إنه لضرب في غيب رهيب لا تحصره ولا ملايين السنوات الضوئية. اسأل نفسك.. أين أنت الٱن ؟ أنت هنا في ذرة صغيرة جدا، تائهة في فضاء السماء الدنيا: (الأرض) وربك الذي خلقك، وخلق كل شيء، هو محيط بكل شيء قدرةً وعلما.. هذا الرب الجليل العظيم، قدَّر برحمته أن يكلمك أنت أيها الإنسان؛ فكلمك بالقرآن.. كلام الله رب العالمين. الله ذو الجلال ‘ رب الكون يكلمك (فاستَمِعْ لِمَا يُوحَى). أي وجدان، وأي قلب؛ يتدبر هذه الحقيقة العظمى فلا يخر ساجدا لله الواحد القهار رغبا ورهبا؟ اللهم إلا إذا كان صخرا أو حجرا. بل إن الصخر والحجر من أخشع الخلق لله؟ (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(الحشر:21) وهي أمثال حقيقة لا مجاز، ألم تقرأ قول الله تعالى في حق داود عليه السلام: (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ)(سورة ص:18-19)

كلام الله هو كلام رب الكون، وإذا تكلم سبحانه تكلم من فوق؛ لأنه العلي العظيم سبحانه وتعالى، فوق كل شيء، محيط بكل شيء علما وقدرة. إنه رب الكون.. فتدبر: (أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاء رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ)(فصلت:54). ومن هنا جاء القرآن محيطا بالكون كله، متحدثا عن كثير من عجائبه. قال تعالى في سياق الكلام عن عظمة القرآن: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ. وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ. إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ. لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ. تَنْـزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ. أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)(الواقعة:75-82). سبحانك ربنا ولا بأي من آياتك نكذب.

 

ذلك هو القرآن.. كلام من أحاط بمواقع النجوم خَلْقاً، وأمراً، وعلماً، وقدرةً، وإبداعاً. فجاء كتابه بثقل ذلك كله، أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم، من بعدما هيأه لذلك، وصنعه على عينه سبحانه جل وعلا، فقال له: (إنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً)(المزمل:5). ومن هنا لما كذب الكفار بالقرآن، نعى الله عليهم ضآلة تفكيرهم، وقصور إدراكهم، وضعف بصرهم، فقال تعالى: (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً. قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا)(الفرقان:5-6). وإنه لرد عميق جدا. ومن هنا جاء متحدثا عن كثير من السر في السماوات والأرض. قال عز وجل: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ. وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً)(الكهف:54). وقال: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ. أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاء رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ)(فصلت:53-54).

 

فليس عجبا أن يكون تالي القرآن متصلا ببحر الغيب، ومأجورا بميزان الغيب، بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها، والحرف إنما هو وحدة صوتية لا معنى لها في اللغة، أما في القرآن فالحرف له معنى، ليس بالمعنى الباطني المنحرف، ولكن بالمعنى الرباني المستقيم. أوَ ليس هذا الحرف القرآني قد تكلم به الله؟ إذن يكفيه ذلك دلالة وأي دلالة! ويكفيه ذلك عظمة وأي عظمة! فعن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفاً من كتاب اللَّه فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول “ألم” حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف).

 

ولذلك كان لقارئ القرآن ما وعده الله إياه، من رفيع المنازل في الجنان العالية، وما أسبغ عليه من حلل الجمال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقال لصاحب القرآن ‌:‌ اقرأ وَارْقَ! ورَتِّلْ كما كنت ترتل في دار الدنيا! فإن منـزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها!) ‌وقال أيضا: (يجيء القرآن يوم القيامة فيقول‌:‌ يا رب، حَلِّهِ! فيُلْبَسُ تاجَ الكرامة، ثم يقول:‌ يا رب زِدْهُ! فيُلْبَسُ حُلَّةَ الكرامة، ثم يقول‌:‌ يا رب اِرْضَ عنه! فيرضى عنه، فيقول‌:‌ اِقرأ، وَارْقَ! ويُزَادُ بكل آية حسنة!) (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم)(الجمعة:4).

 لقد تكلم عز وجل، وكان القرآن من كلامه الذي خص به هذه الأمة المشرفة، أمة محمد عليه الصلاة والسلام. فكان صلة بين العباد وربهم، صلة متينة، مثل الحبل الممدود من السماء إلى الأرض، طرفه الأعلى بيد الله، وطرفه الأدنى بيد من أخذ به من الصالحين.

قال عليه الصلاة والسلام في خصوص هذا المعنى : (كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض) وقال في مثل ذلك أيضا: (أبشروا.. فإن هذا القرآن طرفه بيد الله و طرفه بأيديكم، فتمسكوا به، فإنكم لن تهلكوا، و لن تضلوا بعده أبدا). 

هي الرسالة وصلت من رب العالمين إليك أيها الإنسان، فاحذر أن تظنك غير معني بها في خاصة نفسك، أو أنك واحد من ملايين البشر، لا يُعرف لك موقع من بينهم، كلا! كلا! إنه خطاب رب الكون، فيه كل خصائص الكلام الرباني، من كمال وجلال، أعني أن الله يخاطب به الكل والجزء في وقت واحد، ويحصي شعور الفرد والجماعة في وقت واحد، (قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ. وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ. وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(آل عمران:29) سبحانه جل جلاله، لا يشغله هذا عن ذاك، وإلا فما معنى الربوبية وكمالها؟ تماما كما أنه قدير على إجابة كل داع، وكل مستغيث، من جميع أصناف الخلق، فوق الأرض وتحت الأرض، وفي لجج البحر، وتحت طبقاته، وفي مدارات السماء… إلخ. كل ذلك في وقت واحد – وهو تعالى فوق الزمان والمكان – لا يشغله شيء عن شيء، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، فبذلك المنطق نفسه أنت إذ تقرأ القرآن تجد أنه يخاطبك أنت بالذات، وكأنه لا يخاطب أحدا سواك. احذر أن تخطئ هذا المعنى.. تذكر أنه كلام الله، وتدبر.. ثم أبصر!

قال جل جلاله: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)(محمد:24)، فتدبر!

ذلك هو القرآن: الكتاب الكوني العظيم، اقرأه وتدبر، فوراء كل كلمة منه حكمة بالغة، وسر من أسرار السماوات والأرض، وحقيقة من حقائق الحياة والمصير، ومفتاح من مفاتيح نفسك السائرة .

 فتدبر.. إن فيه كل ما تريد. ألست تريد أن تكون من أهل الله؟ إذن عليك بالقرآن! اجعله صاحبك ورفيقك طول حياتك؛ تكن من (أهل الله) كما في التعبير النبوي الصحيح. قال عليه الصلاة والسلام: (إن لله تعالى أهلين من الناس‌:‌ أهل القرآن هم أهل الله، وخاصته‌)

اللهم اجعل القران العظيم ربيع قلوبنا وشفاء صدورنا وجلاء أحزاننا وهمومنا،

واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

قد يعجبك ايضا
تعليقات