القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

الخلافة الراشدة ” الجزء الأول “

125

 

إعداد/ محمـــد الدكـــرورى

 

إن الخلافة الراشدة هي نتاج مجتمع راشد قائم على إيمان عميق بالله تبارك وتعالى، موحّد له في كل العبادات، عامل لكل أنواع الخير والبر والعمل الصالح، فلما كانوا بهذا المستوى قامت فيهم الخلافة الراشدة لأنهم أقاموها في قلوبهم فتحققت لهم على واقعهم وأرضهم، فلما بدأ المجتمع يفقد رشده، فقدت الخلافة الراشدة وقود وجودها، فانهارت أركانها، وذهب الله بها لأن بقاءها مرهون ببقاء هذين الشرطين في الواقع الإيمان والعمل الصالح، فحاجتنا اليوم أكبر إلى المجتمع الراشد اليقظ، المتحمل لمسؤولياته في مقارعة الظلم الجاثم على صدره، ومقاومة الفوضى المهددة لكيانه لأن المجتمع الراشد شرط لازم للخلافة الراشدة. 

 

وسابق عليها حتى يصبح المجتمع قادرا على التحكم فيمن يحكمونه، ونبذ من يخرجون على إجماعه المنبثق من إيمانه الصادق وعمله الصالح، فهل نسعى بجد إلى إقامة المجتمع الراشد، قبل التفكير في الخلافة الراشدة، وليس معنى هذا أن الخلافة لن تكون حتى يكون المجتمع بكل أفراده وأشخاصه بهذا المستوى من الإيمان والعمل الصالح لأن هذا لن يتحقق، ولم يتحقق في أزهى العصور وأزكاها هوعصر الرسول صلى الله عليه وسلم, حيث وجد فيه من زنى، ومن سرق، ومن شرب الخمر، فكيف بغيره من العصور، وخاصة عصرنا هذا الذي تمدد فيه الفجور، وانتشر فيه الشر، وإنما المقصود أن يعم الخير وأهله في المجتمع. 

 

فيكون هو الأصل والسائد، والخارج عن الخير والدين والفضيلة يكون شاذا منبوذا، لا مكان له في توجيه زمام الأمور، أو تسيير شؤون المجتمع، لكي يرتقى المجتمع إلى مسؤوليته تجاه الخليفة ومحاسبته، حتى تبقى الخلافة حية قائمة، فيقول الله سبحانه وتعالى فى سورة فاطر “هو الذى جعلكم خلائف فى الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا” ولقد ضرب لنا سلفنا الصالح أمثلة ناصعة في نصح ولاة الأمور والصدع بالحق أمامهم, فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتته ثياب من اليمن، فوزّعها على المسلمين، فأعطى كل مسلم ثوبا. 

 

فلما كان يوم الجمعة لبس عمر ثوبه وثوب ابنه عبد الله، ثم قام فخطب الناس وعليه ثوبان، ثوبه وثوب ابنه، فبدأ في الخطبة فقال “أيها الناس اسمعوا وعوا، فقام سلمان الفارسي رضي الله عنه من وسط المسجد، وقال والله لا نسمع ولا نطيع، فتوقف عمر عن الخطبة واضطرب المسجد، فقال عمر ما لك يا سلمان؟ قال تلبس ثوبين وتلبسنا ثوبا ثوبا ونسمع ونطيع؟ فقال عمر يا عبد الله بن عمر، قم فأجب سلمان، فقام عبد الله بن عمر فقال هذا ثوبي الذي هو قسمي مع المسلمين أعطيته أبي، فبكى سلمان رضي الله عنه، وقال الآن قل نسمع، واؤمر نطع، فاندفع عمر يتكلم” ويصنف تاريخ الأمة الإسلامية إلى أربع مراحل تاريخية هامة. 

 

فالمرحلة الأولى هى مرحلة النبوة والخلافة الراشدة، وكانت النبوة مدة ثلاثة وعشرين عاما، ثم كانت الخلافة الراشدة بعد ذلك مدة ثلاثين عاما، لحديث سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “الخلافة في أمتي ثلاثون عاما، ثم بعد ذلك الملك” ثم بعد هذه المرحلة تبدأ المرحلة الثانية وهى مرحلة الملك العضوض، وهذا الملك كان منذ قيام الدولة الأموية إلى سقوط الدولة العثمانية سنة الف وتسعمائة وأربعة وعشرون للميلاد، ثم بعد ذلك المرحلة الجبرية، وهذه المرحلة هي التي أعقبت الاستعمار الغربي حيث تم تقسيم الدولة الإسلامية إلى دويلات صغيرة بموجب اتفاقية.

قد يعجبك ايضا
تعليقات