القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

لله على الناس حج البيت ” الجزء العشرون “

84

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء العشرون مع لله على الناس حج البيت، وأن الله عز وجل قد جعل فريضة الحج إلى بيته الحرام إحدى الدعائم الخمس التي بُني عليها دينه الحنيف، وأنه سبحانه لم يوجب الحج عليكم في العمر إلا مرة واحدة فقط، رحمة بكم، وتخفيفا عليكم، وأن الله عز وجل جعل الحج مِن أسباب مغفرة الذنوب الكثيرة، وإذهاب السيئات، إذ صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال” من حج عذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه” والرّفث هو الجماع في حال الإحرام ومقدماته مِن مباشرة للنساء أو تقبيل أو نظر بشهوة، ويدخل فيه النطق بالفحش وقبيح الكلام، والفسوق ويشمل المعاصي كلها، من معاصي القلب، ومعاصي اللسان، ومعاصي الجوارح من أيدى وأقدام وعيون وآذان وفروج وغيرها، وأن الله عز وجل جعل الحج من أعظم أسباب دخول الجنة.

والتنعم بما فيها من خيرات حسان، ومآكل ومشارب ومساكن، حيث صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال” الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة” والحج المبرور هو الحج الذي ليس فيه ما يُبطله مِن محظورات الإحرام، ولا ما ينقص ثوابه من محظورات أو ذنوب وآثام قولية كانت أو فعلية، ولقد جعل الله تعالى الحج مِن أسباب العتق مِن النار، وأنه سبحانه جعل الحج من الجهاد في سبيله، وأنه تعالى جعل متابعة الحج والعمرة من أسباب سعة الرزق، وذهاب الفقر، ومحو الذنوب وتكفيرها، وأن الحاج في ضمان ربه سبحانه، حيث ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ثلاثة فى ضمان الله تعالى، رجل خرج من بيته إلى مسجد من مساجد الله عز وجل، ورجل خرج غازيا فى سبيل الله عز وجل، ورجل خرج حاجا”

وقيل إنه لما غربت شمس يوم عرفة، وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص، دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة، وقد شنق لناقته القصواء الزمام حتى لا تسرع، وهو يقول بيده اليمنى أيها الناس، السكينة السكينة، السكينة السكينة، فإن هذا الموقف الجليل الذي تتسابق فيه النفوس إلى الخير، يبين أن الهدوء والطمأنينة والسكينة وعدم الاستعجال هو الشعور الإيجابي، وهو الطريقة المباركة لكل نجاح أمثل، وإن العجلة من مقتضيات حظوظ النفس البغيضة والجهل بالعواقب وذلك لخروجها عن الإطار المشروع حتى في حال العبادة، بل حتى في أدق مواضع العبادة فيقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “إن الله يستجيب لأحدكم ما لم يعجل، يقول دعوت، فلم يستجيب لي” رواه البخاري ومسلم، فحرى بكل عاقل أن يلزم التأني في أموره كلها، الحياتية والعبادية لأن المرء العجول تصحبه الندامة وتخذله السلامة.

وقد كانت العرب في القديم تكني العجلة بأم الندامات، ومن نفحات الله تعالى لعباده وتجليات رحماته بهم، أنه تعالى يتابع لهم مواسم الخيرات، بعضها تلو بعض، فاتحا لهم أبواب الرحمة والمغفرة، داعيا إياهم أن يغتنموها، ومن هذه النفحات المتعاقبة المتوالية على عباد الله تعالى بالرحمة، مادة أيادي المغفرة، وداعية لنا بالمسارعة بالخيرات والعمل الصالح العشر الأوائل من ذي الحجة فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر” قالوا ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال “ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، ولم يرجع من ذلك بشيء” وعن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال “ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد” وفي مثل هذه المواسم الإيمانية العظيمة.

يكثر الحديث عن استباق الخيرات، والتنافس في الطاعات، والاجتهاد في العبادات، وكله حديث مبارك بإذن الله، غير أنه يجب الالتفات إلى عبادة قد نغفل عنها في هذه المناسبات، ألا وهي عبادة التوبة والإنابة والمراجعة، فالله تعالى يأمرنا مباشرة بالتوبة، ولعدم استغناء البشر أيا كان صلاحهم وقربهم من الله تعالى عن التوبة، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو هريرة وأخرجه البخاري ” والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة” والله تعالى في أمره بالمسارعة والمسابقة إلى الخير، صدر ذلك بالمسارعة إلى التوبة وطلب المغفرة، والتوبة التي نقصدها هنا ليست مجرد استغفار باللسان لا يخالط القلب، أو لا ينطلق من مراجعة النفس، فالتوبة لا تكتمل أركانها إلا بالاعتراف بالذنب والندم عليه، والعزم على عدم العودة إلى الذنب، وإذا كان الذنب في حق العباد أى الناس، فعلى التائب أن يردّ لهؤلاء الناس حقوقهم، فالتوبة إذن عبادة وقربى لله تعالى، كما أنها عملية مراجعة ومحاسبة للنفس، تمكن التائب من تقديم كَشف حساب عن أعماله خلال مدة زمنية سابقة لموسم الخير.

قد يعجبك ايضا
تعليقات