القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

لله على الناس حج البيت ” الجزء التاسع عشر”

78

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء التاسع عشر مع لله على الناس حج البيت، وإن مقاصد الحج تدور محاورها على تصحيح الاعتقاد والتعبد، وعلى الدعوة لانتظام شمل المسلمين ووحدة كلمتهم، وعلى التربية للفرد والمجتمع، والتزكية السلوكية للنفوس والقلوب والأرواح والأبدان، ليشهدوا منافع لهم، وقال ابن عباس رضي الله عنهما منافع الدنيا والآخرة، فأما منافع الآخرة، فرضوان الله جل وعلا وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البدن والذبائح والتجارات، وإن من أبرز دروس فريضة الحج تلكم المحبةَ التي جعلها الله تعالى لبيته الحرام في قلوب عباده، يستنفرهم البيت من كل فج رجالا أو ركبانا وقال تعالى فى سورة البقرة ” وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا” وقال ابن عباس رضي الله عنهما فيما رواه عنه ابن جرير وغيره لا يقضون منه وطرا.

يأتونه ثم يرجعون إلى أهليهم، ثم يعودون إليه، ولا تزال الأفئدة تهوي إلى ذلكم البيت، وتتوق إلى رؤيته والطواف به، الغني القادر، والفقير المعدم، مئات الألوف من هؤلاء وهؤلاء يتقاطرون من أصقاع الأرض، ليلبّوا نداء الخليل إبراهيم عليه السلام الذى نادى به منذ آلاف السنين، فقال تعالى ” وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق” ومن دروس الحج هو تذكير الأمة بأن أعظم ما يجب أن تهتم به، وأن تحافظ عليه، وأن تغرسه في النفوس هو تحقيق التوحيد لله سبحانه وتحقيق الغاية القصوى في الخضوع والتذلل له عز وجل توجها وإرادة، قصدا وعملا، ولذا افتتح النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حجته بالتوحيد كما يقول جابر رضي الله عنه “فأهلّ بالتوحيد لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك.

إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك”وكذلك الأنبياء من قبل كانوا يلهجون بالتوحيد ويلبّون به ففي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مرّ في حجه بوادى الأزرق، فقال أى واد هذا؟ قالوا هذا وادي الأزرق، قال كأني أنظر إلى موسى عليه الصلاة والسلام هابطا من الثنيّة له جؤار إلى الله تعالى بالتلبية، ثم أتى على ثَنيّة أخرى، فقال أى ثنية هذه؟ قالوا ثنية كذا وكذا، قال كأني أنظر إلى يونس بن متى عليه الصلاة والسلام على ناقة حمراء، عليه جبة من صوف وهو يُلبي، وإن الواجب علينا جميعا هو استحضار ما دلت عليه هذه الكلمات من معنى، ومعرفة ما تضمنته من دلالات، وعلى المسلم أن يكون على دراية عظيمة بهذا المعنى في حياته كلها، محافظا عليه في كل حين وآن.

مراعيا له في كل جانب، فلا يسأل إلا الله، ولا يستغيث إلا بالله، ولا يتوكل إلا على الله، لا يطلب المدد والعون والنصر إلا من الله، مستيقنا أن الخير كله بيد الله، وأزمة الأمور بيده ومرجعها إليه، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، ولا ينفع ذا الجد منه الجد، وإذا كان الأمر كذلك في حق الأفراد، فالأمة جمعاء حري بها أن تستلهم من الحج تلك الدروس والعبر، وأن تعلم أن القاعدة الثابتة لاستقرار حياتها هو تحقيق التوحيد لله عز وجل في مناشط الحياة كلها، وأن تحقق الخضوع التام لله، والذل المتناهي له سبحانه ترسيخا للعقيدة الصحيحة في واقع الحياة، وتأصيلا لها في النفوس، وإلا فمن دون ذلك تتخطفها الأهواء وتتقاذفها الأوهام، فيقول تعالى فى سورة الأنعام ” الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون”

وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال “لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور” رواه البخارى، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أى العمل أفضل؟ قال “إيمان بالله ورسوله” قيل ثم ماذا؟ قال ” الجهاد في سبيل الله” قيل ثم ماذا؟ قال ” حج مبرور” متفق عليه، وعن عائشة رضي الله عنها قالت، قلت يا رسول الله، على النساء جهاد؟ قال “نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة” رواه أحمد وابن ماجه، وإن من دلائل تكريمه سبحانه لكم، ورحمته الشديدة بكم، وإفضاله لكم، وإنعامه عليكم في باب الحج إلى بيته الحرام، هذه الأمور، وهو أن الله عز وجل قد جعل فريضة الحج إلى بيته الحرام إحدى الدعائم الخمس التي بُني عليها دينه الحنيف.

قد يعجبك ايضا
تعليقات