القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

كفّ الأذى عن الناس الجزء السادس

105
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء السادس مع كفّ الأذى عن الناس، فإن المسلم كما يؤجر على فعل الفرائض والطاعات، فإنه كذلك يؤجر على كف الأذى وصرف الشر عن الناس، لأن الإسلام جاء لكي يرفع الأذى والضرر والشر عن خلق الله، لكي يعيشوا في راحة وطمأنينة وأمان، بل إن كف الشر والأذى في الإسلام يعدل الصدقة بالمال، قال أبو ذر رضى الله عنه قلت يا رسول الله، أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال “تكف شرك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك” ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر من الأذى في صور كثيرة، حتى في أمور قد يستهين بها الناس، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ” إياكم والجلوس في الطرقات، فقالوا يا رسول الله، ما لنا بد في مجالسنا، نتحدث فيها، فقال إذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه، قالوا وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر” رواه مسلم، وإن أذية المؤمنين وإحداث ما فيه إضرارهم.
هو سبب عظيم لسخط المولى جل وعلا ومقته وعذابه وغضبِه، ويقول الفضيل رحمه الله “لا يحل لك أن تؤذى كلبا أو خنزيرا بغير حق، فكيف بمن هو أكرم مخلوق؟ وعن قتادة “إياكم وأذى المؤمن، فإن الله يحوطه ويغضب له” ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا ضرر ولا ضرار” ويقول صلى الله عيه وسلم ” المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده” رواه البخارى، وإن ذلك حديث واضح جلي عن كف الأذى لمن يبصر حقائق الأمور ويستجليها، فإن الإنسان بيده وبلسانه فاللسان آلة النطق والتعبير عما في صدر الإنسان، واليد تعبر عن الأفعال والتصرفات، فبها الإنسان يؤدى عملا يرحم المسلمين، أو قد يستعملها في ظلم الناس والسطو على حقوقهم والتعدى على أموالهم، فكان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم جامعا مانعا قد أحاط بكل ما يمكن أن يقال حين جعل الإنسان رهين لسانه ويده، وقد نهى الإسلام عن كل ما قد يسبب الأذى للمسلم سواء كان أذى نفسيا أم بدنيا، وجعل كف الأذى عن المسلمين عبادة.
وكما نهى عن الأذى الجسدى فقد نهى أيضا عن النفسى مهما كان صغيرا، كأن يتناجى رجلان سرًا ورجل ثالث يجلس معهما في نفس المجلس وهم ثلاثة فقط، فالمسلم إذا يؤجر على كف الأذى عن الناس كما يؤجر على أداء الطاعات والفرائض فالله تعالى لا ينقص من عمل ابن آدم شيئا ولو كان مثقال ذرة، وربما يعود سبب أذى المسلمين بعضهم بعضا وعدم اتباعهم منهج كف الأذى ناتج عن قلة الوعي والجهل في دينهم، فكل ذلك يجعل الإنسان وحشا لا يرعى في إخوانه إلا ولا ذمة، وهؤلاء قد توعدهم الله عز وجل بالعقاب الشديد، ولقد بلغت عناية الشريعة المحمدية في منع أذى المؤمنين والتحذير من الإضرار بهم ولو كان القصد حسنا والهدف نبيلا، وقد جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبى صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال عليه الصلاة والسلام له” اجلس فقد آذيت” رواه أبي داود، وإذا كان الأمر كذلك فكيف بالأذى المقصود والأذية المتعمدة لأجل الأغراض الشخصية والمنافع الدنيوية؟
وإن جُرم الأذى يزداد إثما وبهتانا ويشتد عند الله كرها ومقتا حينما يتجه إلى دار من الجيران، أو يتوجه لأحد من الصالحين، فنبينا صلى الله عليه وسلم يقول ” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذى جاره” رواه البخارى، ويقول عليه الصلاة والسلام “لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه” رواه مسلم وبوائقه أى غوائله وشروره، ونبينا صلى الله عليه وسلم يحذر تحذيرا واضحا صريحا عن الأذية بعباد الله الصالحين، فيقول صلى الله عليه وسلم “إن الله جل وعلا يقول من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب” رواه البخارى، وإن دفع الأذى عن المسلم عند الله عز وجل أمر محمود وفعل مرغوب، فنبينا صلى الله عليه وسلم وهو قائد الإصلاح والخير والبر يقول “عُرضت عليّ أعمال أمتي حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن” رواه مسلم، وأخرج أيضا في باب فضل إزالة الأذى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق فقال والله، لأنحّين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم، فأدخل الجنة “مسلم، ويقول أحد السلف معبرا عن منهاج النبوة “اجعل كبير المسلمين عندك أبا، وصغيرهم ابنا، وأوسطهم أخا، فأى أولئك تحب أن تسيء إليه” ويقول آخر ” ليكن حظ المؤمن منك ثلاثة، إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه” وإنه نداء إلى من لا يزال على أذية المسلمين قائما ولإحداث الضرر بهم ساعيا، تذكر أن معهم سلاحا بتارا، تذكر أن الأذية ظلم والإضرار بالمؤمنين بغي، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” واتقى دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ” رواه مسلم، ومع هذا فأكثر مَن كان مجاب الدعوة من السلف كان يصبِر على الأذى والبلاءِ ابتغاء الأجر والثواب من الله عز وجل، فإن كف عن الأذى بإخوانك قبل أن يُقضى بينك وبينهم يوم لا ينفع مال ولا بنون
قد يعجبك ايضا
تعليقات