القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

دنيا ودين ومع رمضان شهر الجهاد والصبر ” الجزء الخامس

95

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس مع رمضان شهر الجهاد والصبر، وقد توقفنا عند من اعتاد إطلاق بصره إلى ما حرم الله إذا أراد نهى نفسه عن ذلك، فقد يجد فقد يجد صعوبة في بداية الأمر، ولكن سرعان ما تنفطم نفسه مع المجاهدة، وتنقاد له، وهذا الانقياد من النفس للإنسان، حتى تستقيم على طاعة الله عز وجل وهو التيسير لليسرى الذى ذكره الله تعالى فى قوله تعالى فى سورة الليل ” فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى” أى أن الإنسان يؤدى الطاعات بسهولة ويسر من غير أن يجد كلفة ولا صعوبة ولا مشقة، وهذا هذا من التيسير لليسرى هذا من التوفيق الذى يوفق الله تعالى له بعض الناس، فتجد بعض الناس لا يجد أدنى صعوبة أو مشقة فى القيام لصلاة الفجر، أو فى صيام النوافل، أو فى البذل والإنفاق فى سبيل الله، بينما تجد آخرين يجدون صعوبة وثقلا وترددا، كما قال الله تعالى فى شأن الصلاة كما جاء فى سورة البقرة ” وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين” والفرق بينهما أن الأول قد يُسر لليسرى.

وهو يأتى بالطاعات بسهولة ويسر من غير كلفة ومشقة، أما الآخر فلم ييسر لليسرى، وهذا يرجع إلى فقه طبيعة النفس وسياسة النفس، فينبغى العناية بهذه المسألة، وأن يكون لدى الإنسان فقه ومعرفة بطبيعة نفسه، وأن النفس بطبعها تريد أن تنجرف به للهوى، فهي تحتاج منه إلى نهي تحتاج منه إلى مراقبة، وتحتاج منه إلى محاسبة حتى تستقيم على طاعة الله عز وجل، فإن الإنسان في هذه الحياة الدنيا في دار ابتلاء وامتحان، ولا تصفو هذه الحياة الدنيا لأحد، فقال تعالى ” لقد خلقنا الإنسان فى كبد ” وإذا كان كذلك فإن المسلم عليه أن يجتهد في جهاد النفس والشيطان حتى تستقيم نفسه على طاعة الله عز وجل، وحتى يفوز بالنعيم العظيم الذى ليس فيه نصب ولا وصب، ولا هم ولا غم، ولا تعب في دار النعيم، فى جنة عرضها السموات والارض، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، لكنها لا تحصل للإنسان إلا إذا جاهد نفسه في هذه الحياة الدنيا حتى تستقيم على طاعة الله عز وجل، ومن أعظم العبادات.

التي تعين المسلم على الانتصار على شهواته عبادة الصيام، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال، قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم” يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء” وقال الحافظ ابن حجر مقتضاه أن الصوم قامع لشهوة النكاح واستشكل بأن الصوم يزيد في تهييج الحرارة وذلك مما يثير الشهوة لكن ذلك إنما يقع في مبدأ الأمر فإذا تمادى عليه واعتاده سكن ذلك والله أعلم، وقال الحليمى الصوم يقمع الشهوة فيسهل الكف عن الحرام، وأيضا من أنواع الإنتصار فى رمضان هو الانتصار على الشح والبخل، فإن التخلص من داء الشح والبخل، وتطهير النفس منهما، والذى عدّه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهلكات، والمتسبب في كثير من الموبقات، فعن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال “اتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم” وعن عبد الله بن عمرو قال.

خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال “إياكم والشح، فإنما هلك من كان قبلكم بالشح، أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا” فالتخلص من الشح من مقاصد الصيام المهمة، لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون فى رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة، فليتأس المؤمن برسوله صلى الله عليه وسلم، ويعلنها حربا لا هوادة فيها على كل ما له علاقة بالشح والبخل، فالفلاح الذى هو غايته ومبتغاه في الدنيا والآخرة، لا يمكن أن يحوزه إلا إذا نجح في معركته مع الشح، كما قال تعالى فى سورة التغابن ” وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون” فالصيام مدرسة يتعود فيها العبد على السخاء، وإطلاق اليد بالعطاء، ويتعمق لديه فيها الشعور بمعاناة المحرومين، وقد سئل بعض السلف لمَ شرع الصيام؟ قال ليذوق الغنى طعم الجوع فلا ينسى الجائع.

فيا أيها الناس لا يزال المرء ممتدحا بخيار خصاله وأخلاقه، مذموما بشرار أفعاله وأخلاقه، وإن أصحاب النفوس الأبية لا ترضى بالدون حتى تبلغ معالي الأمور وتتربع على عرشها، ولقد خلق الله تعالى أخلاقا ذميمة، وحذر الناس منها ابتلاء لهم أيصبرون وكان ربك بصيرا، وإن من تلك الخصال الذميمة التي ينفر منها أصحاب الفطر السليمة هى خصلة البخل، فالبخل خصلة سوء تجر إلى خصال سيئة كثيرة، فقال الماوردى رحمه الله، قد يحدث عن البخل من الأخلاق المذمومة وإن كان البخل ذريعة إلى كل مذمة، أربعة أخلاق ناهيك بها ذمّا وهى الحرص والشره، وسوء الظن ومنع الحقوق، وإذا آل البخيل إلى ما وصفنا من الأخلاق المذمومة والشيم اللئيمة لم يبق معه خير موجود ولا صلاح مأمول، وإن البخل طريق مظلم يقع فيه البخيل فلا يسير على هدى بل يتخبط حتى يهوى في الموبقات ومهاوى الهلاك، فالبخل يؤدى بصاحبه إلى الشح، والشح أعظم من البخل، وقال عبد الله بن عمرو “الشح أشد من البخل لأن الشحيح هو الذى يشح على ما فى يد غيره حتى يأخذه ويشح بما في يده فيحبسه، والبخيل هو الذى يبخل بما في يده”

وقال ابن القيم رحمه الله “والفرق بين الشح والبخل، أن الشح هو شدة الحرص على الشيء والإحفاء في طلبه والاستقصاء في تحصيله وجشع النفس عليه، والبخل منع إنفاقه بعد حصوله وحبه وإمساكه فهو شحيح قبل حصوله، بخيل بعد حصوله، فالبخل ثمرة الشح والشح يدعو إلى البخل والشح كامن في النفس، فمن بخل فقد أطاع شحه، ومن لم يبخل فقد عصى شحه ووقى شره، وذلك هو المفلح ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون” والشح هو المهلك للعبد بل للأمم أخرج أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إياكم والشح فإنما هلك من كان قبلكم بالشح أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالفجور ففجروا” ولنعلم أن البخل دركات كما أن الجود والسخاء على درجات، فقال ابن قدامة أشد درجات البخل أن يبخل الإنسان على نفسه مع الحاجة إليه، فكم ممن بخيل يمسك المال ويمرض فلا يتداوى، ويشتهي الشهوة فيمنعه منها البخل.

فكم بين من بخل على نفسه مع الحاجة، وبين من يؤثر على نفسه مع الحاجة، فالأخلاق عطايا يضعها الله حيث شاء، وإن البخيل لا يبخل إلا على نفسه، فهو حارم لنفسه من الخيرات والمسرات، طاعة لهواه وما تمليه عليه نفسه من سوء الظن بالله تعالى، فيقول تعالى “هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا فى سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغنى وأنتم الفقراء إليه” ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من البخل وهو أكرم الخلق، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم ” اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من عذاب النار، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات” رواه البخارى ومسلم، وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إنهم يخيروني بين أن يسألوني بالفحش أو يبخلوني ولست بباخل” رواه مسلم، حتى لقد عد النبى صلى الله عليه وسلم البخل أدوى الداء.

قد يعجبك ايضا
تعليقات