القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

دنيا ودين ومع رمضان شهر الجهاد والصبر ” الجزء السابع “

93

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء السابع مع رمضان شهر الجهاد والصبر، وقد توقفنا عند الإنتصار فى رمضان على البخل، ومن مظاهر البخل وعلامات الشح هو ترك الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم عند ذكره، ومن المظاهرأيضا هو عدم السلام على الناس عند اللقاء بهم كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ” وأبخل الناس من بخل بالسلام” وإن أشد مظاهر البخل، هو بخل الإنسان على نفسه, فقال ابن قدامة المقدسى “وأشد درجات البخل أن يبخل الإنسان على نفسه مع الحاجة، فكم من بخيل يُمسك المال، ويمرض فلا يتداوى، ويشتهى الشهوة فيمنعه منها البخل” وإن عواقب البخل وخيمة ونتائجه مريرة فمن آثاره السيئة على صاحبه، حرمان الجنة وولوج النار، وكما أن من آثاره وأضراره هو الهلاك ونزول العقوبة ومن الأضرار والآثار كذلك هو فقدان محبة الملك الديان، فقَال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الله لا يحب كل مختال فخور، والبخيل المنان، والتاجر أو البائع الحلاف” فقال الإمام ابن القيم رحمه الله.

“لما كان البخيل محبوسا عن الإحسان ممنوعا عن البر والخير كان جزاؤه من جنس عمله، فهو ضيق الصدر ممنوع من الانشراح ضيق العطن صغير النفس قليل الفرح كثير الهم والغم والحزن لا يكاد تقضى له حاجة ولا يُعان على مطلوب، فهو كرجل عليه جبّة من حديد قد جمعت يداه إلى عنقه، بحيث لا يتمكن من إخراجها ولا حركتها وكلما أراد إخراجها أو توسيع تلك الجبة لزمت كل حلقة من حلقها موضعها وهكذا البخيل كلما أراد أن يتصدق منعه بخله فبقى قلبه في سجنه كما هو” ومن أضراره العذاب الأليم يوم القيامة، فذلك هو البخل وتلك هي أضراره وعواقبه، فحرى بكل عاقل أن يطهر نفسه منه ولذا فهناك أمور معينة على التخلص من البخل، فمن ذلك، هو حسن ظن العبد بربه ومولاه، وقد قيل “قلة الجود سوء ظن بالمعبود” وأيضا مجاهدة النفس بفعل ما يضاد البخل فقال ابن القيم “فالفقير الآخذ لصدقتك يستخرج منك داء البخل كالحجام يستخرج منك الدم المهلك” وأيضاعدم التصديق بالوعد الكاذب.

للشيطان الرجيم، كما في قول الحق تبارك وتعالى فى سورة البقرة ” والشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء” وأيضا الاستعاذة بالله من البخل, وقد كان من دعاء النبى صلى الله عليه وسلم “اللهم إنى أعوذ بك من البخل” وأيضا النظر فى عواقب أهل الحرص على المال ثم ماتوا وتركوا ما جمعوا للورثة يتقاسمونه بينهم وهم يعذبون على بخلهم وإمساكهم في الآخرة، فلنطهر نفوسنا من هذا الداء المهلك فإن من المعايب التى كان العرب ينفرون منها أن يقال على المرء “أنه بخيل” وأيضا من أنواع الإنتصار فى رمضان هو الانتصار على اللسان وآفاته، فعندما نسمع أو نقرأ حديث النبي صلى الله عليه وسلم” من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه” وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم” إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل إني امرؤ صائم” وحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث”

فندرك أهمية هذا النوع من الانتصار فى شهر رمضان، فمن لم يستطع أن ينتصر في معركته مع لسانه خاصة وهو صائم لا يمكنه أن ينتصر في معركته مع شيطانه وشهواته، بل إن الانهزام أمام اللسان وآفاته يؤدي بصاحبه إلى الإفلاس فعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال “أتدرون ما المفلس؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال “إن المفلس من أمتى يأتى يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتى قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار” وقال ابن القيم إن العبد ليأتى يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها، ويأتي بسيئات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله، وقال بعض السلف إن أهون الصيام ترك الشراب والطعام، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال.

“لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه” وعن عقبة بن عامر رضى الله عنه، قال، قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال “أملك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك” فالانتصار على اللسان وآفاته من عدمه، معيار مهم يعرف من خلاله المؤمن الصائم مدى توفيقه ونجاحه فى مدرسة رمضان، وحصوله على كنوزه ومنحه ونفحاته وجوائزه التي لا تعد ولا تحصى، فاعلموا أن نعم الله كثيرة لا تحصى ولا تعد، ومن نعم الله هو اللسان، فقال تعالى فى سورة البلد ” ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين” فالإنسان بلسانه يذكر ربه، ويتلو القرآن، ويدعو إلى الرحمن ويسبح ويستغفر ربه، ويفصح عما فى نفسه، ويتكلم مع الآخرين، وأما الأخرس لا يستطيع أن يتحدث مع الناس إلا بلغة الإشارة، واللسان سلاح ذو حدين، والمرء بأصغريه قلبه ولسانه، فاللسان من نعم الله علينا أن نشكرها وأن نسخرها لما يحبه ربنا، ولنحذر من آفات وأخطار اللسان، فهى التى تورد الموارد، والإنسان مسؤول عن كل كلمة يقولوها.

فيقول الله تعالى ” ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد” فالخير أن يتكلم باللسان بما يحبه ربنا، وأن نحذر من آفات اللسان الكثيرة، ومنها أن يتفوه الإنسان بكلمة الكفر وهو لا يشعر، قد يتكلم الإنسان بالكلمة من السخرية والاستهزاء، فالإنسان ربما يتكلم ويسخر، فيقول النبى صلى الله عليه وسلم “وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بال يهوي بها في النار كما بين المشرق والمغرب” رواه البخارى ومسلم ويقول أيضا “يقول الكلمة لا يلقى لها بالا يهوى بها فى النار سبعين خريفا” فليحذر من السخرية والاستهزاء خصوصا بشيء من أحكام الشريعة ولو على سبيل المزاح، فيحذر الإنسان من هذه الزلة العظيمة، والإنسان يقع بلسانه في الشرك الأكبر، فيذهب إلى الأضرحة والأولياء ولو لم يذهب إليهم يستغيث بهم ويناديهم ويدعوهم من دون الله كما نسمع لمن يقولون، ياسيدى فلان ويستغيثون به، وهو عبد من عباد الله، لا يجلب لنفسه نفعا ولا يدفع عنها ضرا، وأيضا من أخطار اللسان وآفاته القول على الله بلا علم، وهو أخطر من الشرك

كما قرر ذلك ابن القيم رحمه الله، فيقول “لأن الشرك ما وقع إلا بسبب القول على الله بلا علم” فقد أباحوا الاستغاثة والنذر لغير الله، وافتروا على الله، وأجازوا الذهاب للأضرحة والقبور، وأجازوا عبادتهم من دون الله، فالقول على الله خطير، والذي يتحدث عن ربه يوقع عن خالقه، فيقول تعالى كما جاء فى سورة الإسراء ” ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا” بل يجلس الإنسان فى مجلس من المجالس ويصدر فتاوى، ويتحدث بقضايا الأمة، ويفتى الفتاوى الكبيرة التي تعقد من أجلها المجامع الفقهية، ويتدارس العلماء فيها هذه المسألة، وهذا يجلس في المجلس الواحد ويصدر عدة فتاوى، فأقول لمن هذا حاله اتق الله، وقد يبرر بعض الأخطاء، ويدافع عن بعض الأخطاء، فإذا سلم سهمك من هذه الأخطاء ليسلم لسانه، ومن آفات اللسان هو الغيبة، وهي كبيرة من كبائر الذنوب، يصلى الإنسان ويصوم ويتصدق ولكن يهدى الحسنات إلى فلان من الناس وإلى علان من الناس.

قد يعجبك ايضا
تعليقات