سلسلة عالم وفكرة الجزء السابع والثلاثون

كتب د – بدران رياض

العالم : الشيخ المربي العلامة محفوظ بن محمود النيسابوري
الفكرة: طريق الرشد التدقيق في العمل واتهام النفس فيه
المسلم وهو يسعى لإرضاء ربه بالعمل الصالح يتهم نفسه غير مدع الكمال فيه بل ينظر إلى عمله نظرة الناقد البصير بمداخل الشيطان وكيف يكيد للإنسان ليفسد عليه ثمرة عمله بالآفات التي تعتريه قبل العمل بإفساد الإخلاص وتمكن الرياء وبعد العمل بالغرور والعجب فيخرج من العمل صفر اليدين فيتعب نفسه دون جدوى بل يتحول العمل الصالح في صورته الظاهرة إلى عصيان لله تعالى في الحقيقة
ولك أن تتخيل شخص يحاسب نفسه قبل العمل ليحقق الإخلاص فيه ثم ينكسر قلبه ويحاسب نفسه بعد العمل في إرجاع الفضل في العمل لله وحده واعتباره محض تفضل من الخالق جل وعلا فينكسر قلبه وينتفي الغرور من نفسه فتعلم يقينا أن هذا الرجل قد أبصر طريقه وألهم رشده كما قال شيخنا المربي العلامة محفوظ بن محمود النيسابوري : ” من أراد أن يبصر طريقا من طرق رشده فليتهم نفسه في الموافقات فضلا عن المخالفات ”
وقد يستغرب شخص كيف يفعل المؤمن ذلك ويحاسب نفسه في الموافقات وهو أمور ترضي الحق فإذا علمنا أن هذا الأمر نهج قرآني رشيد يزول الاستغراب “والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون “(أي يقومون بالأعمال الصالحة بقلوبهم وجوارحهم وبداخلهم الخوف والوجل من بارئهم أن يرجعوا إليه فلا يجدونه راضياً عنهم
أما المخالفات فالكل يعلم مدى ما فيها من الهلكة ولكن كيف يحاسب الشخص نفسه فيها حتى يسلم من التردي في الجحيم يبتعد عن كل طريق مؤد إلى العصيان وإن وقع ينهض بتوبة صادقة فهو تعالى التوابين ويحب المتطهرين
وشيخنا يحذر من آفات الموافقات قبل آفات المخالفات ويعتبر أن اتهام النفس في العمل الصالح ومحاسبتها فيه قبل محاسبتها في المخالفات محور أساس للوصول إلى الرشد في الطريق إلى الله تعالى
إن رجال التربية في التاريخ الإسلامي على امتداده لم يقصروا في نصح الأمة لتسلك مسلك الرشد وقد أبصروا الطريق وعرفوا دروبه والعوائق التي تمنع الناس من الوصول إلى غاية المرام وهو مرضاة الحق تبارك وتعالى فرسموا الخرائط التوضيحية وحذروا من المهالك والكلاليب التي تتخطف الناس وتمنعهم من الوصول للغاية المنشودة
وتاريخنا الإسلامي يحتوى على ذخيرة عامرة من هؤلاء الرجال يميزهم نقاء الطوية والعلم الواسع والمعرفة العميقة بتجارب الحياة