القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

رمضان والإعجاز القرآنى الجزء السادس

89

 

إعداد / محمـــد الدكــروى

 

ونكمل الجزء السادس مع رمضان والإعجاز القرآنى، ويقول تعالى كما جاء فى سورة الروم ” ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذى عملوا لعلهم يرجعون” فقال المفسرون إن المراد بالبر هو البر المعروف، وبالبحر هو البحر المعروف، واختلفت تفسيرات بعضهم في معنى ظهور الفساد ومعنى البر والبحر، فهم وهم الصالحون لم يتصوروا أن يصل الفساد إلى تلوث الهواء بالغازات السامة، بفعل الوقود الحجرى والأسلحة الكيميائية التى لم يكن لها وجود في أيامهم، ولا أن يلوث الماء بمخلفات المصانع من الكيماويات، ولا أن تدفن النفايات الذرية في البر والبحر، ولم يخطر على بال هؤلاء الصالحين أن الناس سوف يعثيون في الأرض فسادا، ويستخدم الأسلحة الكيميائية والبيولوجية الفتاكة، نعم لم يخطر ببال الصالحين من القرون السابقة أن يلوث الإنسان الهواء الذي يتنفسه والماء المخزون في جوف الأرض الذي يشربه، وقد تحدث القرآن عن فساد البر والبحر في وقت لم تكن حدود البر على مستوى الأرض جميعا.

 

معروفة لدى السابقين، وكذلك حدود البحر لذلك اختلف المفسرون في معنى البر والبحر، فقال ابن عباس رضى الله عنهما المراد بالبر هنا الفيافى، وبالبحر الأمصار والقرى، وفي رواية عنه البحر الأمصار، والقرى ما كان منها على جانب نهر، وقال آخرون كما ذكر من قبل بل المراد البر هو البر المعروف، والبحر هو البحر المعروف، وقال مجاهد فساد البر قتل ابن آدم، وفساد البحر أخذ السفينة غصبا، وقال عطاء المراد بالبر ما فيه من المدائن والقرى، وبالبحر جزائره، وعن معنى ظهور الفساد ذكر المفسرون أنه عصيان الله في الأرض، وقالوا قلة الغيث وغلاء السعر، وظهور الجدب في البوادى والقرى ومدن البحر، وقوله تعالى ” ليذيقهم بعض الذى عملوا ” أى يبتليهم بنقص الأموال والأنفس والثمرات اختبارا منه، ومجازاة على صنيعهم ومعنى ” لعلهم يرجعون” أى لعلهم يتوبون، وظهور الفساد قد يشير إلى وجوده مستترا مختفيا، أو ظهوره علنا، والأرض فى أصلها خلقت صالحة، والإنسان هو الذى أحدث فيها الفساد، ونهانا رب العالمين عن الفساد فى الأرض.

 

فقال تعالى كما جاء فى سورة الأعراف ” ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها” فسبحانه وتعالى، سخر البر والبحر للإنسان، فلا شبهة إذا في إيداع الفساد في البر والبحر، وينص معنى ظهور الفساد لا عن فساد فى الأصل، ولكن عن ظلم الإنسان، وظهور الفساد قد يأتى مفاجئا، وقد يأتى متدرجا، وقد يأتى متداخلا وفقا لدرجة إفساد الناس فإلقاء النفايات الذرية فى البحر ينتج عنه فساد أسرع وأخطر من إلقاء مخلفات مياه الصرف الصحى، وتسرب النفط في المياه يفسد الماء ويهلك الأحياء، والإفساد المتدرج مثل التسرب طويل الأجل للمواد السامة إلى مياه الأنهار والمياه الجوفية، وما نسميه الآن بتلوث البيئة ويمثل مرحلة من الفساد في البر والبحر، وحينما يعم التلوث، ويصبح الصدر ضيقا حرجا، وحينما يصبح الماء لا يطفئ ظمأ لأنه أصبح أجاجا، وحينما تصبح مياه الأنهار قاتلة للأسماك، ومياه البحار مميتة لأحياء البحار لكثرة السموم بها حينئذ لن يجد البشر سوى مصطلح ظهور الفساد، ولولا رحمة الله ما استطاع الناس العيش فى ظل تلوث البيئة وفسادها. 

 

من حولهم بسبب إفسادهم في البر والبحر، وسبحانه وتعالى رؤوف رحيم بعباده وبمخلوقاته، فيقول عز وجل كما جاء فى سورة الكهف” وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه مؤئلا ” فإنه لا يستوى إفساد البيئة مع إصلاحها فالفساد تلوث ودمار، والمحافظة على البيئة أمن وأمان وجمال، والإصلاح يعنى المحافظة على البيئة مما أفسده الإنسان بصنيعه بكامل قواه العقلية، والقاعدة الأساسية في ذلك هي أن رب العاملين أودع في الأرض الصلاح، وأن الأرض والسموات مسخرة لصالح الإنسان، ولكن الإنسان الظلوم الجهول، أَلف العادة ولم يطع أمر المنعم بسبب العلو والكبر والجهل، فضيع أمانة الاستخلاف في الأرض، فأفسد الهواء الذى يتنفسه، والماء الذى يشربه، والبحر المسخر لأجله، والنتيجة أن ظهر الفساد، وفي الآونة الأخيرة تيقن الجميع من ظهور الفساد، وأين ظهر الفساد؟ الإجابة التى لا يختلف عليها اثنان هي في البر والبحر معا، ولكن ما السبب في ظهور تلوث البيئة اليوم؟ 

 

وهو أن السبب الذى لا سبب غيرها الإنسان، فلم يعرف عن مخلوق غير الإنسان أنه السبب، حتى إبليس وجنوده من الشياطين قد يقدرون على فساد النفوس، ولكن ليس لهم القدرة الحقيقية على إحداث الفساد المادى في البر والبحر، فليس للشيطان قدرة على تغيير مناخ الأرض مباشرة، فالشيطان يزين لأوليائه من الإنس تخريب الأرض وعناصرها اللازمة للحياة، ونحن نناقش الفساد المادى للأرض، إنما نعني ما يسمى بلغة اليوم تلوث البيئة، كان لزاما علينا أن نشير إلى مضمون آيات القرآن التي تتحدث عن الفساد والصلاح، باعتبارهما ركنين متناظرين لقضية واحدة وأولا قد وردت مادة كلمة الفساد فى آيات القرآن نحو خمسين موضعا، مشيرة إلى عدة معاني منها صفات المفسدين، ومنها نزعتهم إلى الفساد وعدم الإصلاح، وأن الله لا يحبهم ويلعنهم، وأنهم مفسدون ولكن لا يشعرون، وأن الله عليم بهم، وأن عاقبتهم السوء، وأنهم لا يتساوون مع المصلحين، وأيضا ترد مفردات الكلمة تنهى نهيا قطعيا عن الإفساد في الأرض. 

 

كما في قوله تعالى كما جاء فى سورة البقرة ” الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون فى الأرض أولئك هم الخاسرون” وفي قوله تعالى كما جاء فى سورة الأعراف ” ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها” أو كما جاء فى سورة ” وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد فى الأرض” أو كما جاء فى سورة الأعراف ” فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا فى الأرض مفسدين” أو كما جاء فى سورة الأعراف ” أخلفنى فى قومى وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين” أو كما جاء فى سورة هود ” ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا فى الأرض مفسدين” أو كما جاء فى سورة القصص” ولا تبغ الفساد فى الأرض إن الله يحب المفسدين” أو كما جاء فى سورة العنكبوت ” وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا فى الأرض مفسدين” أو كما جاء فى سورة الشعراء ” ولا تطيعوا أمر المسرفين، الذين يفسدون فى الأرض ولا يصلحون”وأرجى آية في كتاب الله تعبر عن حال البيئة اليوم وهي قوله تعالى كما جاء فى سورة الروم. 

 

” ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذى عملوا لعلهم يرجعون” حيث يتضح من التدبر في الآية أربعة ملامح رئيسة، وهى ظهور الفساد في البر والبحر، وسبب ظهور الفساد هو الناس بما كسبت أيديهم، وانعكاس آثار الفساد سلبا على الناس، وطريق الإصلاح والعودة إلى الله، وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو هذا القرآن على أحد من البشر وهو متجرد من الكبر والهوى والحسد والاغترار بزخرف الدنيا ومتاعها إلا أسلم مكانه، وصار آية فى كل مكان بشرى وما ذلك إلا لقوة سلطان القرآن على القلوب، وشدة تأثيره على النفوس، فإذا عرفت عظمةَ هذا القرآن ومكانته عند رب العالمين الذى أنزله، وعند الملائكة، وعند الأنبياء وأممهم، وعند أهل الكتاب المصدقين بالحق، وعند الصحابة، وعند الجن عرفت منزلة القرآن فى قلبك، وأنت أيها المسلم تعرف ذلك من نفسك تماما، فإن كان تعظيم القرآن فى قلبك ومكانته ومنزلته في قلبك كما يجب للقرآن، وكما يليق بهذا الكتاب، وكما يحب الله ويرضى.

قد يعجبك ايضا
تعليقات