القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

في رحاب الصلاة على النبي ﷺ

104

 

(الجزء الأول)

بقلم د/ محمد بركات

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:

 

فالصلاة علي رسول الله صلى الله عليه وسلم شرف لا يضاهيه شرف وهو مجمع المحاسن كلها، ولذلك يقول الله تعالى:

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }(سورة الأحزاب ، الآية: 56)

 

جاء في تفسير الإمام ابن كثير رحمه الله:

 

{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } (سورة الأحزاب، الآية: 56)

 

قال البخاري رحمه الله ، قال أبو العالية : صلاة الله : ثناؤه عليه عند الملائكة ، وصلاة الملائكة : الدعاء . وقال ابن عباس : يصلون : يبركون . هكذا علقه البخاري عنهما .

 

وقد رواه أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية كذلك . وروي مثله عن الربيع أيضا . وروى علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس كما قاله سواء ، رواهما ابن أبي حاتم .

 

وقال أبو عيسى الترمذي : وروي عن سفيان الثوري وغير واحد من أهل العلم قالوا : صلاة الرب : الرحمة ، وصلاة الملائكة : الاستغفار .

 

ثم قال ابن أبي حاتم : حدثنا عمرو الأودي ، حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، قال الأعمش عن عطاء بن أبي رباح ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ) قال : صلاته تبارك وتعالى : سبوح قدوس ، سبقت رحمتي غضبي .

والمقصود من هذه الآية : أن الله سبحانه أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى ، بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين ، وأن الملائكة تصلي عليه . ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعا .

وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن أشعث بن إسحاق ، عن جعفر – يعني : ابن المغيرة – عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أن بني إسرائيل قالوا لموسى عليه السلام : هل يصلي ربك ؟ فناداه ربه : يا موسى ، سألوك : ” هل يصلي ربك ؟ ” فقل : نعم ، إنما أصلي أنا وملائكتي على أنبيائي ورسلي . فأنزل الله عز وجل ، على نبيه صلى الله عليه وسلم : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) .

 

وقد أخبر أنه سبحانه وتعالى ، يصلي على عباده المؤمنين في قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما ) [ سورة الأحزاب، الآيات : 41 – 43 ] .

 

وقال تعالى : ( وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ) [ سورة البقرة، الآيات : 155 – 157 ] .

 

وفي الحديث : ” إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف ” . وفي الحديث الآخر : ” اللهم ، صل على آل أبي أوفى ” . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة جابر – وقد سألته أن يصلي عليها وعلى زوجها – ” صلى الله عليك ، وعلى زوجك .

 

وقد جاءت الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بالصلاة عليه ، وكيفية الصلاة عليه ، ونحن نذكر منها إن شاء الله تعالى ما تيسر ، والله المستعان .

 

قال البخاري رحمه الله – عند تفسير هذه الآية – : حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد ، حدثنا أبي ، عن مسعر ، عن الحكم ، عن ابن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة قال : قيل : يا رسول الله ، أما السلام عليك فقد عرفناه ، فكيف الصلاة ؟

 

فقال : ” قولوا : اللهم ، صل على محمد ، وعلى آل محمد ، [ كما صليت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد . اللهم ، بارك على محمد وعلى آل محمد ] كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ” .

 

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن الحكم قال : سمعت ابن أبي ليلى قال : لقيني كعب بن عجرة فقال : ألا أهدي لك هدية ؟ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : يا رسول الله ، قد علمنا – أو : عرفنا – كيف السلام عليك ، فكيف الصلاة ؟

 

قال : ” قولوا : اللهم ، صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على [ آل ] إبراهيم إنك حميد مجيد . اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ” .

 

،وهذا الحديث قد أخرجه الجماعة في كتبهم ، من طرق متعددة ، عن الحكم – وهو ابن عتبة زاد البخاري : وعبد الله بن عيسى ، كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، فذكره .

 

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا هشيم بن بشير ، عن يزيد بن أبي زياد ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة قال : لما نزلت : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) .

 

قال : قلنا : يا رسول الله ، قد علمنا السلام فكيف الصلاة عليك ؟ قال : ” قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد . وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم . إنك حميد مجيد ” . وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول : وعلينا معهم .

ورواه الترمذي بهذه الزيادة .

 

ومعنى قولهم : ” أما السلام عليك فقد عرفناه ” : هو الذي في التشهد الذي كان يعلمهم إياه ، كما كان يعلمهم السورة من القرآن ، وفيه : ” السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ” .

 

حديث آخر : قال البخاري رحمه الله : حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا الليث ، عن ابن الهاد ، عن عبد الله بن خباب ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، قال : قلنا : يا رسول الله ، هذا السلام فكيف نصلي عليك : قال : ” قولوا : اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ، كما صليت على آل إبراهيم . وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم ” . [ وفي رواية ] : قال أبو صالح ، عن الليث : ” على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم ” .

 

حدثنا إبراهيم بن حمزة ، حدثنا ابن أبي حازم والدراوردي ، عن يزيد – يعني ابن الهاد – قال : ” كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمد وآل محمد ، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم ” .

وأخرجه النسائي وابن ماجه ، من حديث ابن الهاد ، به .

 

حديث آخر : قال الإمام أحمد : قرأت على عبد الرحمن : مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن أبيه ، عن عمرو بن سليم أنه قال : أخبرني أبو حميد الساعدي أنهم قالوا : يا رسول الله ، كيف نصلي عليك ؟ قال : ” قولوا : اللهم ” صل على محمد وأزواجه وذريته ، كما صليت على [ آل ] إبراهيم ، وبارك على محمد وأزواجه وذريته ، كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ” .

وقد أخرجه بقية الجماعة ، سوى الترمذي ، من حديث مالك ، به .

 

حديث آخر : قال مسلم : حدثنا يحيى التميمي قال : قرأت على مالك ، عن نعيم بن عبد الله المجمر ، أخبرني محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري – قال : وعبد الله بن زيد هو الذي كان أري النداء بالصلاة – أخبره عن أبي مسعود الأنصاري – قال : أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة ، فقال له بشير بن سعد : أمرنا الله أن نصلي عليك [ يا رسول الله ] ، فكيف نصلي عليك ؟ قال : فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” قولوا : اللهم صل على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين ، إنك حميد مجيد ، والسلام كما قد علمتم ” .

 

وقد رواه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي من حديث مالك ، به . وقال الترمذي : حسن صحيح .

 

وروى الإمام أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، والحاكم في مستدركه ، من حديث محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه ، عن أبي مسعود البدري أنهم قالوا : يا رسول الله ، أما السلام فقد عرفناه ، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا ؟ فقال : ” قولوا : اللهم ، صل على محمد وعلى آل محمد . ” وذكره .

 

ورواه الشافعي رحمه الله في مسنده ، عن أبي هريرة ، بمثله . ومن هاهنا ذهب الشافعي رحمه الله إلى أنه يجب على المصلي أن يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير ، فإن تركه لم تصح صلاته . وقد شرع بعض المتأخرين من المالكية وغيرهم يشنع على الإمام الشافعي في اشتراطه ذلك في الصلاة ، ويزعم أنه قد تفرد بذلك ، وحكى الإجماع على خلافه أبو جعفر الطبري والطحاوي والخطابي وغيرهم ، فيما نقله القاضي عياض . وقد تعسف القائل في رده على الشافعي ، وتكلف في دعواه الإجماع في ذلك ، [ وقال ما لم يحط به علما ] ، فإنه قد روينا وجوب ذلك والأمر بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة كما هو ظاهر الآية ، ومفسر بهذا الحديث عن جماعة من الصحابة ، منهم : ابن مسعود ، وأبو مسعود البدري ، وجابر بن عبد الله ، ومن التابعين : الشعبي ، وأبو جعفر الباقر ، ومقاتل بن حيان . وإليه ذهب الشافعي ، لا خلاف عنه في ذلك ولا بين أصحابه أيضا ، وإليه ذهب [ الإمام ] أحمد أخيرا فيما حكاه عنه أبو زرعة الدمشقي ، به . وبه قال إسحاق ابن راهويه ، والفقيه الإمام محمد بن إبراهيم المعروف بابن المواز المالكي ، رحمهم الله ، حتى إن بعض أئمة الحنابلة أوجب أن يقال في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كما علمهم أن يقولوا لما سألوه ، وحتى إن بعض أصحابنا أوجب الصلاة على الآل ممن حكاه البندنيجي ، وسليم الرازي ، وصاحبه نصر بن إبراهيم المقدسي ، ونقله إمام الحرمين وصاحبه الغزالي قولا عن الشافعي . والصحيح أنه وجه ، على أن الجمهور على خلافه ، وحكوا الإجماع على خلافه ، وللقول بوجوبه ظواهر الحديث ، والله أعلم .

 

والغرض أن الشافعي رحمه الله لقوله بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة – سلف وخلف كما تقدم ، لله الحمد والمنة ، فلا إجماع على خلافه في هذه المسألة لا قديما ولا حديثا ، والله أعلم .

 

ومما يؤيد ذلك : الحديث الآخر الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي – وصححه – والنسائي وابن خزيمة ، وابن حبان في صحيحيهما ، من رواية حيوة بن شريح المصري ، عن أبي هانئ حميد بن هانئ ، عن عمرو بن مالك أبي علي الجنبي ، عن فضالة بن عبيد ، رضي الله عنه ، قال : سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته ، لم يمجد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” عجل هذا ” . ثم دعاه فقال له ولغيره : ” إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله ، عز وجل ، والثناء عليه ، ثم ليصل على النبي ثم ليدع [ بعد ] بما شاء ” .

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما وكن بنا وبالمؤمنين رؤوفا رحيما.

(يتبع إن شاء الله)

قد يعجبك ايضا
تعليقات