القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

نفحات إسلامية ومع أهلا رمضان الجزء الخامس

86

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع أهلا رمضان، وإن الإشارة إلى الحكمة من فرض الصوم حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب” يعنى لا يقول قولا يأثم به ولا يصخب فيتكلم بكلام صخب بل يكون وقورا مطمئنا متأنيا فإن سابه أحد أو شاتمه فلا يرفع صوته عليه بل يقول إني صائم، فيقول ذلك لئلا يتعالى عليه الذى سابه كأنه يقول أنا لست عاجزا عن أن أقابلك بما سببتني ولكني صائم يمنعني صومى من الرد عليك وعلى هذا فيقوله جهرا، كذلك أيضا إذا قال إني صائم، فهو يردع نفسه عن مقابلة هذا الذى سابه كأنه يقول لنفسه إني صائم فلا تردى على هذا الذي سب، وهذا أيضا معنى جليل عظيم ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى من الدنيا ما يعجبه وخاف أن تتعلق نفسه بذلك قال” لبيك إن العيش عيش الآخرة ” فالنفس مجبولة على محبة ما تميل إليه فإذا رأى ما يعجبه من الدنيا فليقل لبيك يعني إجابة لك يا رب، إن العيش عيش الآخرة أما عيش الدنيا فزائل وفان.

 

وكذلك فإنه يجب الإستعداد بالجود والجود هو بذل المحبوب من مال أو عمل والإنسان يجود بماله فيعطي الفقير ويهدى إلى الغني ويواسي المحتاج، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم “أجود الناس” بماله وبدنه وعلمه ودعوته ونصيحته وكل ما ينفع الخلق وكان أجود ما يكون في رمضان لأن رمضان شهر الجود يجود الله فيه على العباد والعباد الموفقون يجودون على إخوانهم والله تعالى جواد يحب الجود” وقال النووى رحمه الله وهو يعدد فوائد الحديث ” ومنها استحباب إكثار الجود في رمضان ومنها زيادة الجود والخير عند ملاقاة الصالحين وعقب فراقهم للتأثر بلقائهم” وكذلك أيضا الاستعداد لقيام الليل ولو بركعات قليلة وتبدأ صلاة الليل بعد صلاة العشاء حتى أذان الفجر، فيستحب أن يدرب المسلم نفسه على صلاة الليل، وكذلك التنافس في كسب الأجر وتحصيل الحسنات فإن التنافس نزعة متأصلة في داخل كل إنسان، وتعني التسابق نحو النفيس من الأمور في نظر المتنافسين والراغب في جنة الخلد يجب عليه العمل بجد ومثابرة وإخلاص.

 

حتى يحظى بالغفران والجائزة، فلنستعد في هذا الشهر بالتنافس في تحصيل الثواب والأجر ولا نتكاسل ونرتمي في أحضان شياطين الأنس والجن، فرُوي عن الحسن بن أبى الحسن البصرى أنه مر بقوم وهم يضحكون فقال “إن الله عز وجل جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه، يستبقون فيه لطاعته فسبق قوم ففازوا، وتخلف قوم فخابوا، فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون وخاب فيه المبطلون أما والله لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، أى بمعنى كان سرور المقبول يشغله عن اللعب، وحسرة المردود تسدّ عليه باب الضحك، وكما هو مدون فى الكتب المروية بأسانيد الثقات عن السلف الصالح أنهم كانوا يسألون الله عز وجل أن يبلغهم رمضان قبل أن يدخل يسألون الله أن يبلغهم شهر رمضان لما يعلمون فيه من الخير العظيم والنفع العميم ثم إذا دخل رمضان يسألون الله أن يعينهم على العمل الصالح فيه ثم إذا انتهى رمضان يسألون الله أن يتقبله منهم وكانوا يجتهدون فى العمل ثم يصيبهم الهم بعد العمل.

 

هل يقبل أو لا يقبل وذلك لعلمهم بعظمة الله عز وجل وعلمهم بأن الله لا يقبل إلا ما كان خالصا لوجهه وصوابا على سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من الأعمال فكانوا لا يزكون أنفسهم ويخشون من أن تبطل أعمالهم فهم لها أن تقبل أشد منهم تعبا فى أدائها لأن الله عز وجل يقول ” إنما يتقبل الله من المتقين” وكانوا يتفرغون فى هذا الشهر للعبادة ويتقللون من أعمال الدنيا وكانوا يوفرون الوقت للجلوس في بيوت الله عز وجل ويقولون نحفظ صومنا ولا نغتاب أحدا ويحضرون المصاحف ويتدارسون كتاب الله سبحانه وكانوا يحفظون أوقاته من الضياع ما كانوا يهملون أو يفرطون كما عليه حال الكثير اليوم بل كانوا يحفظون أوقاته الليل في القيام والنهار بالصيام وتلاوة القرآن وذكر الله وأعمال الخير ما كانوا يفرطون في دقيقة منه أو في لحظة منه إلا ويقدمون فيها عملا صالحا، وقال ابن عبد الحكم كان الإمام مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف.

 

وقال عبد الرزاق كان سفيان الثورى إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن، فهذا هو استعداد سلفنا الصالح لهذا الشهر فهلا استعدينا الاستعداد المناسب لاستقبال هذا الشهر الفضيل ؟ وقد صعد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم منبره، فلما صعد الدرجة الأولى قال آمين، فلما صعد الدرجة الثانية قال آمين، فلما صعد الدرجة الثالثة قال آمين، وبعد أن انتهى من خطبته سأله أصحابه يا رسول الله على ما أمنت؟ قال صلى الله عليه وسلم جاءني جبريل فقال لى رغم أنف عبد أدرك والديه فلم يدخلاه الجنة، فقلت آمين، ثم جاءنى، وقال رغم أنف عبد ذكرت عنده فلم يصلى علي، فقلت آمين، ثم قال رغم أنف عبد أدرك رمضان فلم يغفر له” فإن لم يُغفر له في رمضان فمتى؟ ولو تتبعنا أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى، لوجدنا أن الإسلام كل لا يتجزأ وأن الإسلام منهج كامل، ولن نقطف ثماره لا فى الدنيا ولا في الآخرة إلا إذا أخذناه بكامله، أما أن ننتقي من الإسلام ما هو هين لين.

 

وما فيه وجاهة وراحة، وندع ما هو قيد لنا، فهذا ليس من الدين في شيء، فرمضان شهر القرآن والإنفاق والقرب من الله عز وجل، وإنه من خلال ما يحيط بنا من البيئة التى نعيشها، من العادات والتقاليد التي نألفها عرفنا أن شهر رمضان هو شهر السهرات، وشهر الولائم، وشهر المسلسلات، وشهر الأعمال الفنية التي تصنع خصيصا لرمضان، إكراما لهذا الشهر، وهذا الشهر أراده الناس على غير ما أراده الله عز وجل، فإنه شهر عبادة، وإنه شهر إنابة، وإنه شهر تقوى، وإنه شهر القرآن، وإنه شهر الإنفاق، وإنه شهر القرب، وإنه شهر الحب، فهكذا أراده الله عز وجل، فإنه فرصة، فرصة ثانوية، تصطلح فيه مع الله، تفتح مع الله صفحة جديدة، فإن هذه العادات تكبلنا، وتعيق انطلاقنا إلى الله عز وجل، وأنه ينبغى أن نصوم كما أراد الله، وينبغي أن ترقى كما أراد الله، فهذا شهر يصوم فيه الناس، وأن بعض الناس يصومون أحيانا صوما لا معنى له، فإنهم لا يدعون قول الزور ولا العمل به، لا يكفون عن غيبة ولا عن نميمة، لا يغضون أبصارهم.

 

عما لا يحل، فهم عاديون، إلا أنهم حولوا الوجبات النهارية إلى وجبات ليلية فقط، ولذلك هذا الشهر شرعه الله لنا كي نتابع الرقي إلى الله، فهذا مستوى، وقد شرعه لنا كى ندافع التدنى، فإما أن تتابع الترقى، وإما أن تدافع التدنى، لكن الشيء الذى لا يعقل أن يصوم الإنسان كالناقة حبسها أهلها، لا تدرى لما حبست، ولا لما أطلقت، إذن نحن على أبواب عبادة شعائرية، والعبادات الشعائرية فى الإسلام مرتبطة بالعبادات التعاملية، فحينما تضبط لسانك، وحينما تضبط عينيك، وحينما تضبط أذنيك، وحينما تضبط يديك، وحينما تضبط رجليك عن السير إلى مكان لا يرضي الله، وحينما تقيم الإسلام في بيتك وحينما تضبط دخلك وإنفاقك، وحينما تقرأ القرآن، وحينما تؤدى العبادات فى إتقان شديد، عندئذ يسمح الله لك أن تتصل به، وعندئذ تذوق من حلاوة القرب، وتذوق معنى التراويح، وتذوق معنى قيام الليل، وتذوق معنى أن الله معك، وتذوق معنى أن الله غفر لك، وأن الله طهرك، فإن العبادات الشعائرية لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادات التعاملية.

قد يعجبك ايضا
تعليقات