القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

نبذه عن الأسباط عليهم السلام ” الجزء الأول “

86

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

لقد اتفق المفسرون على أن إسرائيل هو نبى الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وكما ذكر الرازي والشوكاني وغيرهم، وأن بنو إسرائيل هم ذريته، قال ابن جزي في التسهيل أن إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام، وهو والد الأسباط، واليهود ذريتهم، وقال الجزائري في أيسر التفاسير أن إسرائيل هو يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلام، وبنوه هم اليهود لأنهم يعودون في أصولهم إلى أولاد يعقوب الاثني عشر، ومن كان منهم اليوم في فلسطين أو في غيرها من البلاد تناوله خطاب القرآن الكريم لبني إسرائيل، وهكذا الحال إلى يوم القيامة، ولذلك خاطب القرآن الكريم بني إسرائيل على عهد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بما فعل آباؤهم، فقال تعالى كما جاء فى سورة البقرة ” وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكرروا ما فيه لعلكم تتقون ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليه ورحمته لكنتم من الخاسرين ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم فى السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين” وقيل أنه قد خاطب الله سبحانه وتعالى بني إسرائيل الموجودين في زمن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بما فعل مع آبائهم، وذكرهم بذلك واستدعاهم به، وذكرهم أنه فعله بهم، كقوله تعالى كما جاء فى سورة البقرة ” وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون” وغير ذلك من الآيات كما قال تعالى ” وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خيطئاتكم سنزيد المحسنين”

وهذه القصة مذكورة أيضا في سورة البقرة، ونعرف أن قوله سبحانه وتعالى ” وإذ قيل لهم ” ولم يذكر الحق من القائل لأن طبيعة الأمر في الأسباط أنه سبحانه جعل لكل سبط منهم عينا يشرب منها، وكل سبط له نقيب، وهذا دليل على أنهم لا يأتلفون فلا يكون القول من واحد إلى الجميع، بل يصدر القول من المشرع الأعلى وهو الحق إلى الرسول، والرسول يقول للنقباء، والنقباء يقولون للناس، وبعد أن تلقى نبى الله موسى عليه السلام القول أبلغه للنقباء، والنقباء قالوه للأسباط، وفي آية أخرى قال الحق سبحانه وتعالى ” وإذ قلنا ” وهذا القول الأول وضعنا أمام لقطة توضح أن المصدر الأصيل في القول هو الله عز وجل، ولأنهم أسباط ولكل سبط مشرب لذلك يوضح الحق هنا أنه أوحى لموسى عليه السلام وساعة ما تسمع ” وإذ ” فاعلم أن المراد اذكر حين قيل لهم اسكنوا هذه القرية، لقد قيل إن هذه القرية هي بيت المقدس أو أريحا، لكنهم قالوا لن ندخلها أبدا لأن فيها قوما جبارين وأضافوا له قائلين كما جاء فى سورة المائدة ” فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ” والحق لا يبين لنا القرية في هذه الآية لأن هذا أمر غير مهم، بل جاء بالمسألة المهمة التي لها وزنها وخطرها وهي تنفيذ الأمر على أي مكان يكون فقال تعالى ” اسكنوا هذه القرية وكلوا منها ” وهنا يوضح الحق سبحانه وتعالى أنا تكفلت بكم فيها كما تكفلت بكم في التيه من تظليل غمام، وتفجير ماء من صخر، ومَنّ وسلوى، وحين أقول لكم ادخلوا القرية واسكنوها فلن أتخلى عنكم فقال تعالى ” وكلوا منها حيث شئتم ”

وقديما كان لكل قرية باب لذلك يتابع سبحانه وتعالى بقوله ” وقولو حطة وادخلوا الباب سجدا ” والحطة تعني الدعاء بأن يقولوا يا رب حط عنا ذنوبنا فنحن قد استجبنا لأمرك وجئنا إلى القرية التي أمرتنا أن نسكنها، وكان عليهم أن يدخلوها ساجدين لأن الله قد أنجاهم من التيه بعد أن أنعم عليهم ورفّههم فيه، وإذا ما فعلوا ذلك سيكون لهم الثواب وهو كما قال تعالى ” نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين ” وسبحانه يغفر مرة ثم يكتب حسنة، أي سلب مضرة، وجلب منفعة، وأما عن الهيكل فكانت تسمية قديمة للمكان المختار للعبادة قبل الإسلام، والهيكل الذي كان موجودا في الأرض المقدسة يمثل مراحل المسجد الأقصى فيما قبل الرسالة المحمدية، وقد صح أنه ثاني مسجد وضع في الأرض، فقد بناه إبراهيم عليه السلام بعد أن بنى الكعبة بأربعين سنة، وكان الهيكل في القدس قبلة لكل أنبياء بني إسرائيل طيلة عهودهم، واستمر المسلمون يصلون إلى بيت المقدس زمانا، حتى تحولت قبلة المسلمين إلى الكعبة، ولكن حادثة الإسراء كانت إيذانا بانتقال أرض القبلة الأولى إلى إرث الأمة الإسلامية، لأنها أرض مقدسة لا يصلح أن تبقى تحت أيدي أهل الملل الكفرية والعبادات الشركية، ولهذا كانت أرض بيت المقدس في مقدمة الأراضي التي اتجهت إليها جهود الفتح، بدءا من غزوة تبوك، حتى تم فتحها في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إن اليهود كانوا يتبادلون طوال أزمنة الشتات تحية يقولون فيهاغدا نلتقي في أورشليم، وبعد أن وصلوا إلى أورشليم أو القدس واستولوا على حائط البراق الذي يسمونه حائط المبكى.

وقد ابتدع لهم حاخاماتهم دعاء يرددونه في كل صلاة أمام الحائط، وهو عبارة عن قَسم وعهد على إعادة بناء الهيكل، ويدعون على أنفسهم باكين بأن تلتصق ألسنتهم في حلوقهم إذا هم نسوه وأول من ردد ذلك الدعاء والتزم هذا التعهد هم القادة العسكريون عندما دخلوا القدس، وقد جاء في السنة النبوية الشريفة أن نبى الله سليمان عليه السلام هو باني بيت المقدس في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أن سليمان بن داود صلى الله عليه وسلم لما بنى بيت المقدس سأل الله عز وجل خلالا ثلاثه، سأل الله عز وجل حكما يصادف حكمه فأوتيه وسأل الله عز وجل ملكا لا ينبغى لأحد من بعده فأوتيه وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء البيت أنه قال ومن أتى هذا البيت لا يريد إلا الصلاة فيه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم” أما اثنتين فقد أعطيهما وأنا أرجو أن يكون قد أعطي الثالثة” وعن الصادق، عن آبائه الكرام عليهم السلام، قال إن يوشع بن نون قام بالأمر بعد نبى الله موسى صابرا من الطواغيت على اللأواء والضراء والجهد والبلاء حتى مضى منهم ثلاثة طواغيت فقوى بعدهم أمره، فخرج عليه رجلان من منافقي قوم موسى بصفراء بنت شعيب امرأة موسى في مائة ألف رجل فقاتلوا يوشع بن نون فغلبهم وقتل منهم مقتلة عظيمة، وهزم الباقين بإذن الله تعالى، وأسر صفراء بنت شعيب، وقال لها قد عفوت عنك في الدنيا إلى أن نلقى نبي الله موسى فأشكو ما لقيت منك ومن قومك، فقالت صفراء وا ويلاه.

والله لو أبيحت لي الجنة لاستحييت أن أرى فيها رسول الله وقد هتكت حجابه وخرجت على وصيه بعده، ولقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أن جهاد الكفار أصلح من هلاكهم بعذاب سماء من وجوه، أن ذلك أعظم في ثواب المؤمنين وأجرهم وعلو درجاتهم لما يفعلونه من الجهاد في سبيل الله لأن تكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله، وأن ذلك أنفع للكفار أيضا فإنهم قد يؤمنون من الخوف، ومن أسر منهم وسيم من الصغار يسلم أيضا، وهذا من معنى قوله تعالى “كنتم خير أمة أخرجت للناس” وقال أبو هريرة رضى الله عنه وكنتم خير الناس للناس تأتون بهم في الأقياد والسلاسل حتى تدخلوهم الجنة، فصارت الأمة بذلك خير أمة أخرجت للناس، وأفلح بذلك المقاتلون، وهذا هو مقصود الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وهذا من معنى كون رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ما أرسل إلا رحمة للعالمين فهو رحمة في حق كل أحد بحسبه، حتى المكذبين له هو صلى الله عليه وسلم في حقهم رحمة أعظم مما كان غيره، ولهذا لما أرسل الله إليه صلى الله عليه وسلم ملك الجبال، وعرض عليه أن يقلب عليهم الأخشبين قال صلى الله عليه وسلم “لا استأني بهم لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا شريك له” وأن ذلك أعظم عزة للإيمان وأهله، وأكثر لهم، فهو يوجب من علو الإيمان وكثرة أهله ما لا يحصل بدون ذلك، ومفرد كلمة أسباط في اللغة العربيّة هو سبط ومعنى السبط في اللغة العربيّة ولد الابنة حيث إن ولد الابن يسمى بالحفيد.

وقد ورد في القرآن الكريم ذكر الأسباط في عدة مواقع وقد كان يُقصد بهم هنا أولاد نبى الله يعقوب بن إسحاق عليهما السلام وهم اثنا عشر ولد الذين أتت منهم طوائف بني إسرائيل، ومن أحد هذه الأيات الكريمة قوله سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة الأعراف ” وقطعناهم اثنتى عشرة اسباطا أمما، وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه ان اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم، وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات من رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون” وقد روي أن الرسوا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كان ينادي الحسن والحسين أبناء علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وفاطمة الزهراء بالسبطين كناية عن كونهما أبناء ابنته، وأما عن أبناء نبى الله يعقوب عليه السلام أو الأسباط الاثني عشر فأسمائهم هي روبين، شمعون، يهودا، يساكار، زبولون، بنيامين، دان، ونفتالي، وجاد، وأشير، وهناك ابنين اثنين لنبى الله يوسف عليه السلام وهما منشي وافرائيم وهما يكملون عدد الأسباط الاثني عشر، وهناك لاوي بن يعقوب لكنه لم يحمل اسم السبط، وقد تَم تقسيم الأراضي المقدسة في فلسطين من قبل وصي موسى بن عمران عليه السلام يوشع بن نون بين الأسباط ومن ثم أعطى الكهانة لأولاد لاوي ابن يعقوب عليه السلام، وقد عُرف عن أكثر الأسباط وذريتهم إيمانهم القوي بالله وصلاحهم، في بداية الأمر وفي الفترة ما قبل وفاة نبى الله سليمان عليه السلام كان الأسباط يعيشون تحت حكومة موحدة على الأراضي المقدسة.

ويعيشون في اتفاق، ولكن وبعد وفاة نبى الله سليمان عليه السلام تم تقسيم الأراضي المقدسة إلى قسمين وتقسيم الحكومة إلى حكومتين، فكانت واحدة يحكمها ذرية الأسباط العشرة من ذرية يعقوب عليه السلام وسموا دولتهم بمملكة يهوذا، والآخرى يحكمها ذرية ابني يوسف عليه السلام وسموا دولتهم مملكة إسرائيل، ومن هنا كبرت هذه الذرية وكونت شعوبا وقبائل كثيرة، فمن زبوبون قيل أن هناك خمسة وخمسون ألف شخص من أعقابه ، ومن أولاد يهودا الخمسة أتى أكثر منأربعة ألاف وربعمائة شخص، ومن أولاد روبين الأربعة أتى أربعون ألف شخص، ومن شمعون أتى ستون ألف شخص ودان أيضا أتى منه نفس العدد، وأما نفتالي فتجاوز أعداد ذريته ثلاثه وخمسون ألف شخص وجاد أكثر من أربعون ألف وأشير أكثر من واحد وأربعين ألف ولاوي أثنين وعشرين ألف وبنيامين أكثر من خمسة وثلاثون ألف وأما ذرية يوسف عليه السلام فوصلت إلى أكثر من سبعون ألف، فالأسباط هم أولاد يعقوب عليه السلام، وليسوا جميعا أنبياء على القول الراجح، فقال الألوسي في كتابه روح المعاني، وقد اختلف الناس في الأسباط أولاد يعقوب هل كانوا كلهم أنبياء أم لا، والذي صح عندي الثاني وهو المروي عن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه وإليه ذهب الإمام السيوطي وألف فيه لأن ما وقع منهم مع نبى الله يوسف عليه الصلاة والسلام ينافي النبوة قطعا وكونه قبل البلوغ غير مسلم لأن فيه أفعالا لا يقدر عليها إلا البالغون، وعلى تقدير التسليم لا يجدي نفعا على ما هو القول الصحيح في شأن الأنبياء.

قد يعجبك ايضا
تعليقات