القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

نبذه عن فضل الحديث ” الجزء الأول “

104

إعداد / محمـــد الدكــــرورى

لقد كانت هذه الأمة مرحومة في أول عهدها، فقد جمعها الله تعالى على الهدى، وحماها من اتباع الهوى، ولم يكن جيل صحابة رسوله صلى الله عليه وسلم يعرفون غير محبته وطاعته وتوقيره، واتباع النور الذي أنزل معه، يتعلمونه ويعملون به ويدعون إليه في كل شؤونهم دقيقها وجليلها، صغيرها وكبيرها، وكلما ابتعد الناس عن زمن الوحي ضعفت السنة في قلوبهم ونقص الإيمان في أفئدتهم، فخير القرن قرنه صلى الله عليه وسلم وهى المائة سنة الأولى، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ولئن كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم قد أنكروا محدثات ظهرت في وقتهم، وبكوا على سُنن ماتت في حياتهم، فما بالك بمن جاء بعدهم، ولما بعد الزمان وطال بالناس العهد، وضعف الإيمان وكثر الخبث والنفاق وقلّ الورع فقد تجرأ كثير من الناس على القول والكلام، فقال كل بهواه، وتكلم بما لا يرضاه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الزمانِ زمان الفتن التي يرقق بعضها بعضا رأينا العجائب والعظائم، رأينا أمورا لا يسع أحد السكوتَ عنها بحال فمن ذلك السخرية والاستهزاء بالسنة النبوية الشريفة، ومعارضتها بالعقول والآراء، والرغبات والعادات، متناسين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم”

فاحرصوا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتعلموها واعملوا بها، استضيئوا بنورها في حوالك الشبهات، وتزينوا بها عند انتشار الشهوات، فهي زينة العمل الصالح وبهاؤه، وسناؤه وجماله، والمتمسكون بها أكمل الناس عملا، وأقربهم صوابا، وتذكروا قول نبيكم صلى الله عليه وسلم “تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله وسنتي” وكونوا دعاة إلى سنته لتحضوا ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه ” نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها” فإن الله عز وجل قد أنعم علي المسلمين بنعمتين عظمتين، هما من أثبت وأشرف النعم، حيث قال الله تعالى فى سورة البقرة ” واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به ” فالنعمة الأولى التي ذكرها الله سبحانه وتعالى، هي نعمة إنزال القرآن الكريم، فالقرآن هو النعمة الباقية، والعصمة الواقية، والحجة البالغة، والدلالة الدامغة، وهو شفاء لما في الصدور، والحكم العدل عند مشتبهات الأمور، وهو الكلام الجزل، وهو الفصل الذي ليس بالهزل، سراج لا يخبو ضياؤه، وشهاب لا يخمد نوره وسناؤه، وبحر لا يُدرك غوره، بهرت بلاغته العقول، وظهرت فصاحته على كل قول ومقول، فقال الله تعالى فى سورة المائدة ” قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم ”

وإنه كتاب الله عز وجل، هذا الكتاب الذي بين أيدينا، ولقد نزهه الله تعالى عن الخطأ والزلل، وجعله فصلا في كل أمر، وصالحا في كل زمان ومكان فقال عنه المولى سبحانه وتعالى فى سورة فصلت ” لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ” وقد وعد الله بحفظ كتابه من عبث العابثين، وتحريف الغالين، فقال عز وجل ” إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ” فالقرآن محفوظ من التبديل والتغيير، ولا يزال إلى وقتنا الحاضر محفوظا بسوره وآياته وكلماته وحركاته، كما تلاه جبريل عليه السلام، على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما تلاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، على صحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، وأما النعمة الثانية المذكورة في الآية الكريمة، فهي نعمة الحكمة، والمراد بها السنة، فقد وردت السنة في القرآن الكريم بلفظ الحكمة في آيات عديدة، ووردت مقرونة بالكتاب أي بالقرآن، فقال الله سبحانه وتعالى فى سورة الأحزاب ” واذكرن ما يتلى فى بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا ” وقال تعالى فى سورة البقرة ” ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزيكيهم إنك أنت العزيز الحكيم ” وقال الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم فى سورة البقرة ” كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم أياتنا ويزيكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ”

وقال الإمام الشافعي رحمه الله “وذكر الله تعالى منته على خلقه، بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يجز والله أعلم، أن يقال الحكمة ها هنا إلا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم” وأيضا من الأدلة كذلك على ورود السنة في القرآن الكريم هو ما جاء في قوله تعالى فى سوة النحل ” وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ” فقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم” لتبين للناس ما نزل إليهم ” هو دليل على أن هناك تبيانا وشرحا من رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس، وهو زائد على الذكر الذي أنزل وهو القرآن الكريم، وهذا التبيان والشرح من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المقصود بالسنة، وهي متمثلة في أقواله وأفعاله وطريقته صلى الله عليه وسلم، فالسنة هي كل ما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم من أحكام، سواء بقوله أو فعله أو تقريره صلى الله عليه وسلم، وإنه من الخطأ أن تفهم السنة بمعنى المستحب فقط، كما يفهمها عامة الناس، يعني إن فعلت أجرت، وإن لم تفعل لم تأثم، والحق والصواب هو أن السنة تشمل الأمر والنهي، منها ما هو واجب تأثم على تركه، ومنها ما هو محرم تأثم على فعله، ومنها ما هو مستحب، وإن السنة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي بعد كتاب الله سبحانه وتعالى، وفي الإعراض عنها ضلال وهلاك، كما ورد في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.

فبعض الناس يظن أن الحلال والحرام في القرآن فقط، فإذا قلت له قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو حرم كذا، أو بين كذا، قال لك وهل هذا في القرآن؟ أعطني آية من القرآن تذكر هذا، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن أناسا من أمته سيأتون من بعده، يردون أحاديثه وسنته، ويقتصرون على القرآن، فقد روى الترمذي في سننه بسند صحيح عن أبي رافع أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال “لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته، يأتيه أمر مما أَمرت به، أو نهيت عنه، فيقول لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه” وقال في رواية أخرى صلى الله عليه وسلم “ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته، يقول عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه” ثم قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، معقبا على كلام هذا الرجل “وإنما ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله” فردّ سنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وتشريعاته ضلال وهلاك، فقال أيوب السختياني وهو أحد كبار الفقهاء “إذا حدثت الرجل بالسنة فقال دعنا من هذا، وحدثنا من القرآن، فاعلم أنه ضال مضل” فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرع أحكاما وحرم أمورا لم تذكر في القرآن، وفصل أمورا نحن نطيعه فيها ولم تذكر في القرآن.

والذي ينبغي على المسلم أن يعلمه ويعتقده هو أن السنة المشرفة هى وحي من الله عز وجل، وهي محفوظة كذلك بحفظ الله تعالى لأنه لا يتم حفظ القرآن إلا بحفظ السنة، فقال تعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم فى سورة النجم ” وما ينطق عن الهوى، أن هو إلا وحى يوحى ” وقال تعالى فى سورة النساء ” وأنزل عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما ” فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يأتي بالتشريع من عنده، فما من عمل أوجبه، أو أمر به، فإنما هو من عند الله، وما من أمر حرمه، أو نهى عنه، فهو وحي من الله سبحانه وتعالى، فالسنة، هي الشارحة والمبينة للقرآن، وقد وكل الله تبارك وتعالى مهمة تفسير القرآن، وبيان تعاليم الإسلام، وتفصيل الأحكام إلى رسوله، فلولا السنة لم يعرف الناس عدد ركعات الصلاة، وصفاتها وشروطها، وما يجب فيها، ولولا السنة لم يعرفوا تفصيل أحكام الصيام، والزكاة، والحج، والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يعرفوا تفاصيل أحكام المعاملات، من زواج وطلاق وبيوع، ولم يعرفوا المحرمات، وما أوجب الله فيها من الحدود والعقوبات، ولهذا أوجب الله تعالى طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقرنها بطاعته، فقال سبحانه وتعالى فى سورة النساء ” من يطع الرسول فقد أطاع الله ” وجعلها من أسباب رحمته وهدايته.

فقال تعالى فى سورة النور ” وإن تطيعوا وتهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين ” وقوله تعالى فى سورة آل عمران ” وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون ” وقد حذر الله تعالى من معصيته ومخالفته صلى الله عليه وسلم، فقال الله جل ذكره فى سورة النور ” وما ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب ” وقال سبحانه وتعالى فى سورة النور أيضا ” فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ” أي بمعنى أن تصيبهم فتنة في قلوبهم من كفر، أو نفاق، أو بدعة، وقال الإمام أحمد رحمه الله “أتدري ما الفتنة؟ إن الفتنة هى الشرك، ولعل إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك” وقوله ” عذاب أليم ” أي في الدنيا، فمن موجبات عذاب الله تعالى في الدنيا هو مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تأمرنا بطاعته، واتباع سنته، وتنهانا عن معصيته، ومخالفة هديه ففي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى” قالوا يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال “من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى” وقال صلى الله عليه وسلم “ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين”

قد يعجبك ايضا
تعليقات