القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

نبذه عن الزواج بين الحلال والحرام ” الجزء الرابع “

128

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع الزواج بين الحلال والحرام وقد توقفنا مع كثير إبن أبى وداعة، عندما قال وقدمت العشاء وكان خبزا وزيتا، وبينما أنا جالس أفكر فيمن أستدين منه، وإذا ببابي يقرع، فقلت من؟ قال سعيد، فيقول، ففكرت في كل أحد اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب، فإنه منذ أربعين سنة لم ير إلا بين مسجده وبيته، ففتحت الباب، فإذا به سعيد بن المسيب فقلت أبا محمد، وظننت أنه قد فكر في شيء آخر وغير رأيه، فقلت، يا أبا محمد هلا أرسلت إلي فآتيك؟ فقال سعيد بن المسيب، لا، أنت أحق أن تؤتى، ثم قال سعيد، يا كثير، لقد فكرت في أمرك، رجل عزب وقد زوجتك، فكرهت أن تبيت الليلة وحدك، وإذا بابنته واقفة في طوله من خلفه، فأخذها بيده ودفعها إلى دار كثير بن أبي وداعة ، فأغلق الباب وانصرف، فيقول كثير، فسقطت المرأة من الحياء، كن على حياء، فيقول فخشيت أن ترى الخبز والزيت، فجعلته وراء الشعلة أي وراء الضوء حتى لا تفتن لأول مرة بعيشته، وصعدت إلى سطح منزلي فناديت على جيراني، فجاءت زوجة من نساء الجيران فدخلت إليها لتؤنسها، ولما علمت أمي بذلك جاءتني وقالت وجهك من وجهي حرام يا كثير إن مسستها قبل ثلاثة أيام، فيقول كثير بن أبي وداعة فتركتها ثلاثة أيام حتى جهزوها وأعدوها.

فدخلت عليها فإذا هي من أجمل النساء، ومن أعلمهن ومن أحفظهن لكتاب الله تعالى، وأعلمهن بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعرفهن بحق الزوج، فغبت معها ولم أخرج إلى مجلس سعيد بن المسيب شهرا كاملا، وبعد شهر خرجت إلى سعيد، فلما انفض المجلس اقترب مني وقال كيف حال هذا الإنسان؟ قلت بخير حال، بحال يسر الصديق ويسيء العدو، فقال لي سعيد، خذ عشرين ألف درهم لتستعين بها على حياتك، فلو عقل المغالون في المهور، لبحثوا هم لبناتهم عن الأزواج الأكفاء، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعرض ابنته حفصة على عثمان ليتزوجها، ثم على أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما “أن عمر بن الخطاب حين تأيّمت حفصة بنت عمر من خُنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوفي بالمدينة، فقال عمر بن الخطاب ” أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة، فقال سأنظر في أمري، فلبثت ليالي ثم لقيني، فقال قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، فقال عمر بن الخطاب فلقيت أبا بكر الصديق فقلت، إن شئت زوّجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إليّ شيئا، وكنت أوجد عليه مني على عثمان.

فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال لعلك وجدت عليّ حين عرضت عليّ حفصة فلم أرجع إليك شيئا، فقال عمر، قلت نعم، قال أبو بكر، فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت عليّ إلا أني كنت علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها رسول الله عليه وسلم قبِلتها” وهذا نبى الله شعيب يعرض ابنته على نبى الله موسى عليه السلام المطارد من فرعون وقومه فقال الله تعالى فى سورة القصص ” قال إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين” ولقد أمر الله تبارك وتعالى بإنكاح الأيامى أمرا مطلقا ليعم الغني والفقير، وقد بين أن الفقر لا يمنع التزويج، فقال سبحانه وتعالى فى سورة النور ” وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم ” فالأرزاق بيده سبحانه، وهو قادر على تغيير حال الفقير حتى يصبح غنيا، وإذا كانت الشريعة الإسلامية قد رغبت في الزواج وحثت عليه، فإن على المسلمين أن يبادروا إلى امتثال أمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بتيسير الزواج وعدم التكلف فيه، وبذلك ينجز الله لهم ما وعدهم.

فقد قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه “أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح، ينجز لكم ما وعدكم من الغنى” فإن غلاء المهور هو سبب رئيسى لقلة الزواج، وكثرة الأيامى، وانتشار الفساد، والتبرج والسفور، والفتن والعري، والشهوات والرذائل، وانتشار الزنا وتنوع الشذوذ، وانتشار العنوسة، وظهور الأمراض الاجتماعية والنفسية، والفقر وعدم البركة في الزواج، وإن غلاء المهور أيضا هو غش من الولي لموليته، وعدم إدراك لقيمة الزواج وأهدافه الرئيسية، وإن المغالاة في المهور تَجعل الزوجة كأنها سلعة تباع وتشترى، مما يخل بالمروءة، وينافي الشيم ومكارم الأخلاق، وإن ظاهرة غلاء المهور لها أسباب كثيرة، ولعل أبرزها وأهمها هو رغبة الزوج في الظهور بمظهر الغني القادر على تكاليف الزواج، وحرصه على إرضاء أولياء الزوجة، وقد حذر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الشباب من هذه الظاهرة، فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني تزوجت امرأة من الأنصار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ” هل نظرت إليها؟ فإن في عيون الأنصار شيئا ” قال قد نظرت إليها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ”

على كم تزوجتها؟ ” قال على أربع أواق، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم”على أربع أواق؟ كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك” وإن عدم إدراك بعض الأولياء لقيمة الزواج وأهدافه الرئيسية، كالسكن والرحمة والمودة، وكالاستمتاع والإنجاب، وتربية الأولاد الصالحين، والتقارب الاجتماعي، وغض البصر وحفظ الفرج، وإشاعة الفضيلة والحد من الرذيلة في المجتمع، وغيرها من الأهداف ويقحم كثيرا من الأولياء إلى المغالاة في المهور، والجدير بهم كمسلمين أن يستشعروا ويستحضروا هذه الأهداف النبيلة، لتكون لهم دافعا لتحصين الشباب وتزويجهم، وإن هذه القدوة الحسنة فى الزواج يزفها إلينا التاريخ، وإنها زواج شريح القاضي، الذي ولاه عمر بن الخطاب قضاء الكوفة فمكث فيه ستين سنة، وضرب بعدله المثل، وقيل أنه مر عليه الشعبي يوما، والشعبي هو أعلم التابعين كما قال زيد عن مكحول، أعلم التابعين الشعبي، فيقول التقى شريح بـالشعبي فقال الشعبي لـشريح، كيف حالك يا شريح ؟ قال بخير حال، قال كيف حال أهلك؟ أي كيف حال زوجتك؟ فقال شريح والله يا شعبي، منذ عشرين سنة لم أر من زوجتي ما يغضبني قط، فقال الشعبي سبحان الله، وكيف ذلك؟

فقال شريح يا شعبي منذ أول ليلة دخلت فيها على زوجتي رأيت بها جمالا نادرا وحسنا باهرا، فقلت أصلي ركعتين شكرا لله، وهو يريد أن يعترف لله بالفضل، فيقول شريح فلما صليت وسلمت رأيت زوجتي تصلي بصلاتي وتسلم بسلامي أي أنها دخلت معه في الصلاة لله عز وجل، فلما انتهينا، وانفض الأهل والأحباب، مددت يدي نحوها، فقالت على رسلك يا أبا أمية، ثم قالت أحمد الله وأستعينه وأستغفره، وأصلي وأسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد، أبا أمية، إني امرأة غريبة عنك، لا علم لي بأخلاقك، فبين لي ما تحب فآتيه، وما تكرهه فأتركه، يا أبا أمية لقد كان لك من نساء قومك من هي كفؤ لك، ولقد كان لي من رجال قومي من هو كفؤ لي، أما وقد قضى الله أمرا كان مفعولا فاصنع ما أمرك الله به، فقد قال الله تعالى فى سورة البقرة ” فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ” فيقول شريح، فأحوجتني والله إلى الخطبة في ذلك يا شعبي، فجلست وقلت أحمد الله وأستعينه وأستغفره وأصلي وأسلم على رسول الله وبعد، فإنك قلت كلاما إن ثبت عليه يكن حظك، وإن تدعيه يكن حجة عليك، أما إني أحب كذا وكذا، وأكره كذا وكذا، فقالت فما تحب من زيارة أهلي؟ قال ما أحب أن يملني أصهاري، قالت فمن تحب من جيرانك أن يدخل دارك، قال بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم سوء.

وما رأيت من حسنة فانشريها، وما رأيت من سيئة فاستريها، ويقول شريح، فبت معها بأنعم ليلة، ومكثت عشرين سنة، والله لم أعتب عليها في حياتي إلا مرة واحدة، وأشهد الله أني كنت لها ظالما، قلت يا لها من عيشة هانية، يا لها من عيشة هانية راضية، وهكذا تكون المرأة الصالحة التي تراقب الله عز وجل، في زوجها، وتتقي الله تبارك وتعالى في بعلها، هذا هو الزواج، وهذا نداء للآباء ونداء للأمهات ونداء للفتيات ونداء للشباب، ويزعم بعض ضعاف النفوس بأنه يجد في الفاحشة متنفسا للغرائز، وأنها هي أقل عبئا وتكليفا من الزواج، فينبغي على الجميع التكاتف للقضاء على هذه العادة السيئة، وتطبيق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تيسير تكاليف الزواج وتخفيف المهور، والزواج في الوقت ذاته خير معين على غض البصر، لأن كلا من الزوجين يجد ما يفرغ شهوة بصره فيه مما أحل الله له، ثم إن من فوائد الزواج وثماره الكريمة أنه وسيلة لحفظ الفرج من الوقوع فيما حرم الله عز وجل من الفواحش وتلبية لحاجات النفس الجنسية الفطرية بما أباح الله عز وجل على وجه يحقق الخير والفضيلة للمرأة والرجل بل وللمجتمع والأمة، أسأل الله العظيم أن يحصن فروجنا، وأن يحصن فروج شباب أمتنا، وفتياتنا وبناتنا، إنه ولي ذلك ومولاه، اللهم حصن فروجنا، اللهم حصن فروجنا، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، اللهم يسر لشباب الأمة زواجا يعفوا به أنفسهم، ويسر لفتيات الأمة زواجا يعففن به أنفسهن، أنت ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قد يعجبك ايضا
تعليقات