القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

نبذه عن الزواج بين الحلال والحرام ” الجزء الثانى “

111

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

قد حث النبي صلى الله عليه وسلم الشباب المسلم على أن يغض بصره، وعلى أن يحصن فرجه بهذه النعمة العظيمة نعمة الزواج، وحث غير القادر على الصيام، فإنه خير سياج وخير وقاية وأعظم ضمان، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال ” يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ” أي، وقاية من الوقوع في الفاحشة والمعصية، إذا ما راقب الله عز وجل، واتقى الله عز وجل، وعلم أن الله يعلم سره ونجواه، إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب ويقول الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة المجادلة ” ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ” أي أن الله سبحانه وتعالى معهم بعلمه، ومعهم بقدرته، ومعهم بإحاطته، معهم بإرادته عز وجل، ولا تجعلوا معية الله تعالى في الأماكن معية الذات حتى لا تقعوا فيما وقع فيه أهل الحلول والاتحاد وأهل التشبيه فتعالى الله عما يقولون علوا كبيرا فهو سبحانه وتعالى القائل فى كتابه العزيز فى سورة الشورى.

” ليس كمثله شئ وهو السميع البصير ” وهو سبحانه وتعالى القائل فى كتابه العزيز فى سورة الأنعام ” لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ” فإذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب، فالله سبحانه وتعالى ” يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور” ويقول النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” فمن لم يستطع ” أي فمن لم يستطع باءة الزواج ومئونة الزواج “فعليه بالصوم فإنه له وجاء ” ولقد حض الإسلام تيسيرا للزواج، على عدم المغالاة في المهور، وإن المشكلة الآن أضحت ضخمة كبيرة بصورة لا ينبغي أن نغمض عنها أعيننا، وأحمل الآباء والأمهات مسئولية جريمة هذه الكثرة الكاثرة من شباب الأمة الذي لا يستطيع الزواج، وهذه الكثرة الكاثرة من فتيات الأمة اللائي فاتهن ركب الزواج، أحمل هذه الجريمة برمتها الآباء والأمهات، إلى الآباء الذين وقفوا وقفة تعنت وتشدد أمام مغالاتهم في المهور، وأمام إسرافهم في النفقات والتكاليف، وكأنهم يريدون لعش الزوجية أن يتحول في أول أيامه إلى معرض تعرض فيه أرقى أنواع الأثاث، قما هذا يا عباد الله، اتقوا الله أيها الآباء، واتقين الله أيتها الأمهات، واتقوا الله في شباب الأمة الذي فتح عليه باب شر مستطير.

وباب فتنة خطير كبير، فإن الشاب في هذه الأيام يقضي زهرة عمره وأحلى أيام شبابه في الجمع لتكاليف الزواج، وإذا ما من الله عليه بجمع القليل ليحصن نفسه ويعف فرجه، يكون قد تجاوز الخامسة والثلاثين من عمره، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وارجعوا إلى الإحصائيات فاقرءوها لتبكوا دما بدل الدمع على حال شباب أمتنا، وعلى حال فتياتنا اللائي يصرخن بالليل والنهار، ويقضين الليل يشتكين إلى الله ظلم العادات القبيحة التي حالت بينهن وبين ما تتمناه كل فتاة، وتسعد به كل أنثى، والله الذي لا إله غيره لو وصلت المرأة إلى أرقى الدرجات، وبلغ أبوها من الغنى ما بلغ فلن يغني عنها شيئا، إن الفتاة لا تريد الغنى ولا تريد الجاه عند أبيها، بقدر ما تريد زوجا تقيا نقيا يصون عرضها، ويحصن فرجها، ويستر عورتها، ويتقي الله فيها، فاتقوا الله أيها الآباء وارحموا شباب الأمة المساكين، ارحموا عجز الشاب، وارحموا ضعفه، وارحموا فقره، وإن من الله عليك بالمال ورأيت شابا تقيا نقيا فما الذي يحول بينك وبين أن تذهب إليه لتعرض عليه ابنتك، أو أنك أكثر حياء من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه؟ فقد ذهب عمر بن الخطاب يعرض ابنته السيدة حفصة رضي الله عنها على عمالقة الصحابة.

وأتقيائهم رضي الله عنهم، فإذا منّ الله عليك بالمال ورأيت شابا صالحا، فاذهب إليه، ولا تستحي، اذهب إليه وقل له يا بني هل لك في فتاة تتقي الله؟ هل لك في فتاة تحافظ على فرض الله؟ هل لك في فتاة تصون عرضك وتصون شرفك؟ اعرض عليه ابنتك، ولا تستحي أيها الأب الكريم فأنت لست مخلدا، إنما الذي سيبقى لابنتك هو زوجها، وقد روى الإمام الترمذي وابن ماجة والحاكم في المستدرك وصححه، وصححه أيضا الإمام السيوطي في الجامع الصغير أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال ” إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض” والله لقد وقعت الفتنة ووقع الفساد العريض، يوم أن وقف الأب أمام المتقدم لابنته يقول ما ثمنك؟ ما قيمتك؟ ولم يقل من أنت؟ ما دينك؟ ما حالك مع القرآن؟ ما حالك مع الصلاة؟ ما حالك مع الله؟ أصبحت هذه الأسئلة لا وجود لها، بل يتقدم الشاب فيسأله عن عرض الدنيا الزائل، وعن حطام الدنيا الفاني، أصبح لا يسأل عن الدين، ووالله إن من تقدم بماله لفتاتك أيها الأب، ولابنتك أيتها الأم، إنه سيعامل ابنتك كما ينظر إلى المال، وإذا ما قضى منها نهمته، وشهوته ستتحول عنده إلى سلعة، لا تختلف شيئا عن أي قطعة أثاث اشتراها بماله.

وربما امتن عليها بغناه في يوم من الأيام، فقيل إنه قال رجل” يا حسن، إن لي ابنة، فلمن أزوجها؟ قال زوج ابنتك لمن يتقي الله، فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها” أيها الآباء، أيها الأخيار، أيها الأحباب، هذه نصحية شاب من أبنائكم، ونصيحة ابن من أبنائكم، إذا جاءك من ترضى عن خلقه ودينه فقدم إليه ابنتك، واعرض عليه ابنتك، ولا تستحي أن يقال إن فلانا قد باع ابنته لفلان، هذا كلام العادات القبيحة الجاهلة، ورحم الله الإمام ابن القيم حيث قال ما عادى الرسل إلا العادات، إي والله، ما عادى الرسل إلا العادات، أي ما وقف حجر عثرة في طريق الرسل إلا العادات، إنا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون، هذه تنظر لابنة فلان فتقول ابنة فلان قدم لها من المهر كذا وكذا، وقدم لها من الأثاث كذا وكذا، وأنا لا أقل عنها في شيء، وهذا ينظر إلى فلان، وهذه الأم تنظر إلى ابنة فلانة، ما هذا يا عباد الله؟ ووقف الشاب المسكين تائها حائرا بين هذه التيارات القبيحة من العادات، ووقفت البنت مسكينة حائرة تشكي أمرها إلى الله، وتشكي حالها إلى الله، ووالله لولا حياء فتياتنا، ولولا حياء أخواتنا، ولولا حياء بناتنا، لصرخن في وجوهنا في الليل والنهار، وقلن لنا ارحموا عجزنا، وارحموا ضعفنا، واستروا عوراتنا.

ماذا تصنع البنت إلى أبيها، ماذا تصنع البنت إلى أمها؟ هل تريد لابنتك أن تقضي عمرها في بيتك أم تريد لابنتك أن تقضي عمرها في فراشك؟ والله ما لهذا خلقت، وما لهذا وجدت، بل ما وجدت إلا لتكون في بيت زوجها، وإلا لتكون في عش الزوجية، لتباهي الأمم ولتباهي الدنيا بنسلها الذي تربيه على كتاب الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن الزواج ضرورة من ضروريات الحياة إذ به تحصل مصالح الدين والدنيا، ويحصل به الارتباط بين الناس، وبسببه تحصل المودة والتراحم، ويسكن الزوج إلى زوجته، والزوجة إلى زوجها، وبالتزوج يحصل تكثير النسل المندوب إلى طلبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم ” وكما أن النكاح سنة خاتم النبيين، فهو كذلك سنة المرسلين من قَبل، ففي النكاح امتثال أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبامتثال أمر الله ورسوله تتحقق الرحمة والفلاح في الدنيا والآخرة، وفي النكاح قضاء الوطر، وفرح النفس، وسرور القلب، وفيه تحصين الفرج، وحماية العرض، وغض البصر، والبعد عن الفتنة،
وإن النكاح من أسباب الغنى وكثرة الرزق، فإن هناك عقبة كؤود تحول بين الشباب وبين تحقيق هذه المصالح العظيمة.

حتى صار الزواج عند الشباب من الأمور الشاقة أو المستحيلة، وهذا العائق هو المغالاة في المهور، فقد أصبح المعوق الرئيسي أمام الشباب، والمانع من التقدم إلى الزواج، ولقد رغّب النبي صلى الله عليه وسلم في تخفيف الصداق، فقال صلى الله عليه وسلم ” خير الصداق أيسره” وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهم أمر في قبول الشاب الخاطب الخلق والدين، لا المال والدنيا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه، فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض” وقد زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة على رجل فقير ليس عنده شيء من المال بما معه من القرآن، بعد أن قال له صلى الله عليه وسلم ” التمِس ولو خاتما من حديد” فلم يجد شيئا، وتزوج عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه امرأةً على وزن نواة من ذهب، وإن والمغالاه فى المهور قد أصبح أمر عام ومصيبة كبيرة، وهي مصيبة المغالاة في المهور، ونصيحتي لكل مسلم أن يدع ذلك، وأن يحذر المغالاة في مهر بنته أو أخته أو قريبته الأخرى، وأن يتساهل في ذلك ويرضى بالمهر المناسب الذي يعين المرأة على حاجاتها المعروفة، ولا يكون فيه إرهاق للزوج ولا منع للنكاح، وإن هذه مشكلة الكل يشكو منها، وهى مسألة المغالاة في المهور.

قد يعجبك ايضا
تعليقات