القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

نبذه عن الخليل إبراهيم عليه السلام ” الجزء العاشر

306


إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء العاشر مع نبى الله إبراهيم عليه السلام، وقد توقفنا عندما رأى إبراهيم الخليل، في المنام أن الله يأمره أن يذبح ولده، ومعلوم أن رؤيا الأنبياء وحي، فقال الله تعالى فى كتابه الكريم ” فلما بلغ معه السعى قال يابني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى” إنه لأمر عظيم، واختبار صعب، للنبي إبراهيم، فإسماعيل هذا الولد العزيز البكر، والذي جاءه على كبر، سوف يفقده بعدما أمره الله عز وجل أن يتركه مع أمه السيدة هاجر، في واد ليس به أنيس، ها هو الآن يأمره مرة أخرى، أن يذبحه ولكن الخليل إبراهيم، امتثل لأمر ربه واستجاب لطلبه وسارع إلى طاعته، ثم اتجه إلى ابنه إسماعيل، وعرض الأمر عليه، ولم يرد أن يذبحه قسرا، فماذا كان رد الغلام إسماعيل ” قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين” إنه رد يدل على منتهى الطاعة وغايتها للوالد ولرب العباد، لقد أجاب إسماعيل بكلام فيه استسلام لقضاء الله وقدره، وفيه امتثال رائع لأمر الله عز وجل، وأي أمر هذا، إنه ليس بالأمر السهل، وحانت اللحظة الحاسمة بعد أن عزم إبراهيم على ذبح ابنه، انقيادا لأمر الله عز وجل، فأضجعه على الأرض.

والتصق جبين إسماعيل بالأرض، وهم إبراهيم أن يذبح ابنه، فلما أسلما وتله للجبين ولكن السكين لم تقطع، بإرادة الله عز وجل، عندها فداه الله عز وجل، بكبش عظيم، من الجنة، أبيض الصوف ذي قرنين كبيرين، وهكذا أصبحت الأضحية سنة الخليل إبراهيم، وهى سنة للمسلمين كافة، يؤدونها أيام الحج إلى البيت العتيق بمكة، وهكذا فإن الإنسان ميال بطبعه إلى الاقتداء بالآخرين، والأخذ من صفات المعظمين في نفسه، المحبوبين إلى قلبه، حينما يجد منهم خلالا يستحسنها، وأعمالا طيبة يحبها، ولهذا كان الاقتداء طريقا من طرق الهداية أو الضلال، ولأجل ذلك حذر الله تعالى من الاقتداء بالضالين، وبين مآلهم ومآل من تبِعهم، وقد أمر الله تبارك وتعالى بالاقتداء بالمهتدين، فقال بعد أن ذكر ثمانية عشر نبيا فى كتابه الكريم فى سورة الأنعام ” أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ” وقال تعالى عن نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم خصوصا فى كتابه الكريم فى سورة الأحزاب ” لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا” ومن هنا نقول على كل إنسان يريد السلامة في الدنيا والآخرة.

أن يكون اقتداؤه بأهل الصلاح والتقوى، خاصة من مات منهم، وعلى رأسهم أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام، وإن المتأمل في القرآن الكريم يجد أن الله تعالى ذكر لنا من قصص الأنبياء وأخبارهم وصفاتهم، والثناء عليهم بما امتازوا به من أعمال حسنة، وخلال صالحة ما فيه مادة غنية كافية في باب الأسوة الحسنة، فحري بمن أراد الاهتداء أن يسلك طريق الاقتداء بأولئك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد كان من أولئك النبيين الذين أثنى الله عليهم في القرآن، وجعلهم مثلا للاقتداء، بما ذكر من نعوتهم الحسنة، وأعمالهم الطيبة، هو خليل الرحمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فقد ورد في ذكره آيات كثيرة في سور متعددة، وإن إبراهيم كما قال بعض أهل العلم هو اسم قديم ليس بعربي، بل هو اسم سرياني قيل في معناه أب رحيم، وقيل أنه مشتق من البرهمة، وهي شدة النظر، وهو ابن آزر، ويصل نسبه إلى سام بن نوح، وأبوه آزر بقي على دين قومه وأبى أن يُسلم، وقد دعاه إبراهيم فلم يستجب، وكان آزر قد وعد إبراهيم بالإيمان، فكان إبراهيم يستغفر له، فلما تبين له عدم إيمان أبيه، وأنه سيموت كافرا ترك الاستغفار له، وتبرأ منه

وقال الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة التوبة ” وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعده وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم” وقد ولد إبراهيم عليه السلام في أرض الكلدانيين في بابل من بلاد العراق، وخرج عنها مع أبيه إلى حوران، ثم هجر قومه، فتنقل بين بيت المقدس ومصر والحجاز، وقد تزوج بالسيدة سارة وقدم بها مصر لجلب الطعام، فوشي بحسنها إلى ملك تلك البلاد، فأراد انتزاعها من إبراهيم، فكف الله يد الفاجر عنها، وأعطاها خادما لها وهي السيدة هاجر، فخرج إبراهيم عليه السلام بأهله من مصر، ولكنه ظل مدة طويلة لا يولد له، فقد كانت زوجته السيدة سارة عقيما، فلما أُهديت لها هاجر أهدتها لزوجها إبراهيم، فولدت هاجر إسماعيل عليه السلام، فكان بذلك بشارة عظيمة لإبراهيم بعد طول انتظار، فقد جاءه بكره إسماعيل وعمر الخليل عليه السلام آنذاك ست وثمانون سنة، وكان ذلك مكافأة من الله تعالى له حينما هجر وطنه وقومه وعشيرته من أجله، فأبدله الله أرضا خيرا من أرضه، ووهب له بدل أهله من البنين نسلا صالحا وذرية مباركة جعل فيها النبوة والكتاب.

ومرت سنون وما زالت سارة على عقمها، وهي مشتاقة إلى ولد منها، فلما رأى تعالى شوقها وصبرها وإيمانها، بشّرها بولادة إسحاق وقد كان بين إسماعيل وإسحاق ثلاث عشرة سنة وزادها الله مع زوجها إبراهيم في البشارة مجيء يعقوب من إسحاق، فهي بشارة بالابن والحفيد في وقت واحد، وهي بشارة كذلك بحياة إسحاق حتى يتزوج ويولد له فقال الله تعالى فى سورة هود ” وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، قالت يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلى شيخا إن هذا لشئ عجيب، قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد” وقال بعض المفسرين أي ويولد لهذا المولود ولد في حياتكما، فتقر أعينكما به كما قرّت بوالده، فإن الفرح بولد الولد شديد لبقاء النسل والعقب، ولما كان ولد الشيخ والشيخة قد يتوهّم أنه لا يعقب لضعفه، وقعت البشارة به وبولده باسم يعقوب، الذي فيه اشتقاق العقب والذرية، وكان هذا مجازاة لإبراهيم عليه السلام، حين اعتزل قومه وتركهم، ونزح عنهم وهاجر من بلادهم ذاهبا إلى عبادة الله في الأرض، فعوضه الله عز وجل عن قومه وعشيرته.

بأولاد صالحين من صلبه على دينه، لتقر بهم عينه، ولهذا تكونت من ذرية الخليل إبراهيم عليه السلام أمم وشعوب، فكان هو الأب الثالث للعالم كما قيل بعد آدم ونوح، بل لم يأت نبي بعده إلا من ذريته، فقال الله تعالى فى كتابه العزيز فى سورة العنكبوت ” ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا فى ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره فى الدنيا وإنه فى الآخرة لمن الصالحين” فكل نبي أرسله الله، وكل كتاب أنزله الله بعد إبراهيم، ففي ذريته صلوات الله وسلامه عليه، ولقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصف خلقة أبيه إبراهيم أنه كان رجلا طويلا بائن الطول، وأن أشبه الناس به في صورته نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أتاني الليلة آتيان، فأتينا على رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا، وإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم” وقال صلى الله عليه وسلم ” أما إبراهيم، فانظروا إلى صاحبكم” ويعني نفسه صلى الله عليه وسلم، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ” اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم” وقال بعض العلماء إن الخليل إبراهيم عليه السلام هو أول من اختتن.

ولم يزل ذلك سنة عامة معمولا بها في ذريته وأهل الأديان المنتمين إلى دينه، وهو حكم التوراة على بني إسرائيل كلهم، ولم تزل أنبياء بني إسرائيل يختتنون حتى نبى الله عيسى صلى الله عليه وسلم، ولقد اصطفى الله تعالى الخليل إبراهيم لنبوته، فجعله حاملا لرسالته إلى خلقه، بعد أن ألهمه الحق والهدى من صغره كما قال تعالى فى سورة الأنبياء ” ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين” وقال تعالى عن الخليل إبراهيم فى سورة النحل ” اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم ” وقد كلفه الله سبحانه وتعالى بالإخلاص له والاستسلام والانقياد، فأجاب إلى ذلك شرعا وقدرا، كما قال الله تعالى فى سورة البقرة ” إذ قال له ريه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ” وقد أمره الله تبارك وتعالى بالقيام بتكاليف وأوامر عديدة، فقام بها خير قيام، فلذلك قال الله تعالى عنه فى سورة البقرة ” وإبراهيم الذى وفى ” وقال تعالى ” وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ” وإن الخليل إبراهيم عليه السلام حينما وصل إلى تلك الدرجة السامية من التوحيد وكمال الطاعة، جعله الله تعالى إماما للناس في الخير يقتدون به، وجعل ما عليه من الدين هو الملة التي أمر باتباعها، فإنه عليه الصلاة والسلام قد جرد توحيد ربه تبارك وتعالى، فلم يدع معه غيره.

قد يعجبك ايضا
تعليقات