أَنّي مسّني الشيطان

كتب-د.حسام حسان

كانت السيدة (ل) تعمل موظفة في أحد الإدارات التعليمية، متزوجة حديثًاولديها طفلة ، بينما يعمل الزوج موظفًا بأحد مكاتب الشهر العقاري،صارت الحياة مستقرة وشبه اعتيادية بالسيدة (ل) حتي بدأت تشكو من عدم القدرة علي النوم مع معاناة شبه يوميه من الكوابيس، مما جعلها تبدو عصبية وردود أفعالها غير اعتيادية علي أشياء لا تستحق هذا الكم الهائل من الانفعال.

بدأ الزوج يشكو لأقاربه وأصدقائه من سلوكيات زوجته التي بدأت تغيب عن المنزل لفترات طويلة، وعندما يسألها عن سبب الغياب كانت الإجابة أن هناك صوت يناديها ويطلب منها الخروج وأنها لاتستطيع الرفض، فهناك قوي خفية تدفعها للسير في أماكن وشوارع بعينها.

بدأت الشكوك تراود الزوج الذي شرع في منع زوجته من الخروج وقام بحبسها داخل المنزل،فكانت الصدمة أنها تظل لأيام طويلة بلا حراك أو طعام،وإن أجبرها علي الحديث تحدثت بلغة غريبة غير مفهومه،كما كانت توجه إلية نظرات مرعبة مما جعله يستمع لنصائح أقاربة وأصحابه الذين أشاروا علية بأحد المعالجين الروحانيين القادمين من المغرب،والذي شخّص حالة السيدة(ل) بأنها مس من الجان، وأن الذي يتلبسها شديد وإخراجه صعب،وأنه سيتوجب عليه في بعض الأحيان صفعها صفعًا شديدً حتي يستطيع إخراجه.

بدأ الرجل بالفعل في جلسات العلاج بمساعدة أم المريضة وأختها ومباركة الزوج،وكان يتخلل هذا في أحيان كثيره ركلات وصفعات شديدة أدت إلي كسر أحد فكي السيدة (ل) والذي اعتبره المعالج فأل خير ودليل علي قرب الشفاء.

استمر الأمر قرابة الشهر حتي أعلن الرجل المغربي أنه يتوجب علي الزوج تطليق زوجته؛لأنة تزوجها بدون إذن زوجها الأصلي القاطن في عالم الجن،والذي ثأر لنفسه وأرسل تحذيراته من العالم السفلي، وأن علي الزوج تنفيذ ما يؤمر به لأنه لا قبل له بمواجهة هذا العالم.

وبالفعل قام الرجل بتطليق زوجته، وانتقلت الزوجة إلي منزل والدتها والتي شهدت أن حالة ابنتها أخذت في الاستقرار وعادت إلي عملها،وأخذت السيدة(ل) بالتفكير في العودة إلي زوجها بمباركة الأم، ومع مرور الوقت وكثرة التفكير بدأت الكوابيس في العودة،وعاد الرجل المغربي في الظهور مرة أخري استعدادًا للمزيد من الجلسات ولطلب الإذن بالعودة للزوج ممن يسكنون العالم السفلي.

لقد تم سرد القصه السابقة( وهي حقيقية) حتي تكون مدخل لموضوعنا اليوم والذي يدور حول مس الجان وهل له علاقة بالطب النفسي وعلم النفس،وبداية القول يجب أن نقرّ بوجود السحر والجان فهما مؤكدان بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة،ولكن مس الجان لايجب أن يكون أبدًاهو الاختيار أو البديل الأول في رحلة البحث عن العلاج، علينا أولاً أن نطرق أبواب العلاج النفسي،فإن اغلقت في وجوهنا بحثنا عن الأسباب الأخرى،خاصة وأن هناك أنواع من الأمراض لا علم لنا بها ولا نتصور كم هي معقدة ومرعبة,إن السر في حالة السيدة (ل) يدور حول ما يسمي اضطراب (الهستيريا) وبالأخص الهستيريا الإنشقاقية،وهي كلمة مشتقة من الأصل اللاتيني (هسترون) وتعني الرحم،علي اعتبار أن المرض يصيب النساء فقط، ثم اتضح بعد ذلك أنه يصيب الجنسين ومرض الهستيريا هو اضطراب نفسي عميق ينشأ نتيجة ضغط المكبوتات في العقل الباطن،وعدم القدرة علي مواجهة الصراعات الداخلية فيتم تفريغ المكبوتات في صورة تحولية Hysterical Conversion))أو انشقاقية((Hysterical Dissociative

والهستريا التحولية تعني تحوّل الصراعات النفسية والكبوتات لأعضاء الجسم فتسبب ما يسمي بالعمي الهستيرى،الصمم الهستيرى،الشلل الهستيرى،السعال الهستيرى،فرط الشهية العصبي،فقدان الشهية العصبي، وذلك علي سبيل المثال لا الحصر،أما الهستيريا الإنشقاقية وهي التي تعنينا اليوم فهي حدوث شرخ في الشخصية وتحوّل المريض لشخصية أخرى للهروب من واقعه وتفريغ مكبوتاته وصراعاته في الشخصية الجديدة.

وهو ما يظهر واضحاً جليًا في حالة السيدة (ل) والتي تسمي في علم النفس الغشيه والتلبسTrance and Possession وهي حالة يتصرف فيها المريض وكأنه قد تملكته شخصية أخرى أو روح شريرة مع مجموعة محددة ومتكررة من الحركات الجسدية والتمتمات التي يظنها المحيطون به لغة غير معلوم مفرداتها، وعلي هذا فحالة السيدة(ل) تحتاج لعلاج نفسي عميق قد يصل لستة أشهر يستخدم فية المعالج النفسي تقنيات التحليل النفسي مثل التداعي الحر والتنويم المغناطيسي،وذلك للنفاذ للعقل الباطن لمعرفة أصل العقدة وحل الصراع الكامن في أعماق النفس.

وليس هذا هو الاضطراب الوحيد الخاص بالهستيريا الانشقاقية فهناك اضطرابات انشقاقية أكثر غرابة نذكر منها علي سبيل المثال:

-الجوال الهستيري أو السير أثناء النومSomnambulis ينتشر هذا المرض بين الأطفال ولا يسبب خطراً يذكر، ولكنه إذا استمر بعد البلوغ يدل علي وجود صراع نفسي لا تظهر خصائصة إلا أثناء النوم نظراً للكبت الشديد لضغط معين يعاني منه الفرد أثناء اليقظة ومع قوة الحيل الدفاعية اللاشعورية يبدأ المريض في التعبير عن أنفعالاته أثناء النوم،و يسير وهو مغلق العينين أو مفتوح العينين،وقد يرد علي بعض الأسئلة وقد يحاول الأنتحار أو الإعتداء علي الآخرين لعدم قدرته علي الأتيان بهذه الأشياء أثناء اليقظة.

-الشرود الهستيريHysterical Fugue

في هذه الحالة يبدو المريض وكأنه مدفوعاً بقوة داخلية للأتيان بأعمال وحركات بعيدة عن طبيعته ، كما يقوم بالتجوّل في أماكن مختلفة مع فقدان الذاكرة لما أتى به من أعمال في هذه الأماكن،فيبدأ المريض في الذهاب إلي عمله صباحًا ثم يفيق فجأة ليجد نفسة علي شاطئ البحر،أو يستعد الطالب للذهاب إلي الإمتحان ثم يكتشف بعد بِدأ الامتحان بساعتين أنه يجلس في محطة الأتوبيس،فيسرع إلي الإمتحان ولكن بعد فوات الأوان.

وقد تستمر حالة الشرود الهستيرى لمدة أيام أوشهور وقد يتزوج فيها المريض ويصبح له زوجة وأولاد لا يدرى عنهم شيئًابعد إفاقته من الشرود،واحياناً قد يعتدي أويقتل ويصبح له ماضي إجرامي لايعرف عنه شيئًا،عند إفاقته من الشرود.

وفي النهاية لعلنا نكون قد أوضحنا ما الذي مس السيدة(ل) هل هو الجن أم الهستيريا؟ الإجابة لديكم أعزائي القراء.

 

Comments (0)
Add Comment