القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

من تحقيقات المربّي نور الدّين الصّالحي من الهوارية نابل

73

عبدالله القطاري من تونس

يقال إن آل الصًالحي من أصل مغربي . هاجر أحد منهم إلى البلاد التّونسية فاستقرّ بالبرج بمعتمدية الهوارية …

 لعله كان رومنسيا عشق البحر والجبل والسهول والطّقس المعتدل …

 تكاثر نسله فنسبت إليه القرية فصارت تسمى ببرج الصالحي … 

مما عجز العلماء عن تأويله هو كثرة الصم في برج الصالحي ، إلى درجة أنها اشتهرت في كامل تراب الجمهورية ب( قرية البكاكش ) …

 الكثير من الناس يعتقدون أن الأصم عنده مشكل في حباله الصوتية . لا أبدا ، الأصم فقط يشكو من خلل في الأذن ، فهو لم يسمع أي كلمة ليحفظها ، فنراه يصيح عند الفرح أو الغضب أو الألم ، هكذا عشوائيا بأصوات بلا معنى … 

 الله سبحانه وتعالى عوض لهم نعمة السمع التي افتقدوها بالذكاء حاد وبقوة البدن وببراعة يدوية رهيبة فأنشئت لهم مدرسة للصم في نفس المكان لصقل مواهبهم وتطويرها … والحمد لله شفى أهل برج الصالحي من هذه العاهة ، فلم تشهد المنطقة ولا مولودا واحدا أصم منذ سنوات طويلة …

معاوية ابن عمتي أصم ، قضينا طفولتنا معا بقرية الغرفة ، الحزب المنشق عن برج الصالحي . لقد تعلمت منه لغة الإشارات وتفننت فيها ، إلى درجة أنه بإمكاني الحديث معه باستعمال قسمات الوجه وبعض حركات الرأس فقط ودون اللجوء إلى الأيادي … عمتي لا تتواصل مع معاوية ابنها بالحركات ، تخاطبه وكأنها تخاطب إنسانا سويا مكتفية بإشارة واحدة، من خلالها يفهم بسهولة المطلوب منه …

إياك أن يذهب في ظنك أن الأصم يجهل ما يدور حول العالم من أخبار ، ولا يغتاب ولا يشتم ، ولا يسبح بحمد ربه . الأصم له من الحركات ما يشفي غليلة في جميع المجالات خيرها وشرها …

لا زلت أذكر يوم زفاف معاوية ، صاحبني في سيارتي إلى الحلاق واحتفلنا كما يحتفل أهل القرية … في السهرة وقبل إلتحاق العروس بعريسه ، وجدتني في قاعة جلوس عم العريس وبه أصدقاء معاوية ، كلهم يتواصلون بالحركات . جلست على كرسي أراقب المشهد الفريد …

جلس بجانبي شاب أصم ، حياني بأدب وانطلق يحدثني على ما يبدو على أحد مغامراته في البحر . اكتشفت أنه يستعمل حركات غريبة عني أجهل معناها تماما . أثناء سرده ، أراد تقييم فهمي فسألني : هل تفهمني ؟

أجبته : لم أفهم شيئا . 

ويا ليتني ما قلت ، فقد أعاد سرد الحكاية من البداية . وفي نفس المرحلة طرح علي نفس السؤال : هل فهمت ؟

قلت : ليس كما يجب .

وقف من على كرسيه ، ورفع يده وصاح بأعلى صوته ، فالتفت إليه الجميع وقال مستعملا بعض إشارة ترجمتها : هذا مجنون .

ضحك كل من بالقاعة واحمر وجهي خجلا ، لحظتها تمنيت لأول مرة أن أكون أصما لأفهم كل الإشارات …

وفي نهاية السهرة رأيت صاحبي الذي نعتني بالجنون يتجه نحوي ، يودعني بحرارة ويعتذر عن ما صدر منه خلال السهرة …

ليلتها فقط عرفت أن الأمة الجاهلة قد تجتمع على ظلالة وتلغي الأقلية رغم علمها 

 ليلتها فقط تأكدت أن الإنتخابات لا معنى لها إذا كان أغلبية الناخبين يعانون من الجهل 

قد يعجبك ايضا
تعليقات