القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

المحن والابتلاءات

112

فاطمة عبد العزيز محمد

إن ابتلاء العباد سنة ثابتة ماضية من الله تعالى في جميع خلقه ليختبر صدقَ إيمانهم، قال تعالى: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}[العنكبوت: 1- 3].

وقد أخبر الله تعالى بتعدّد أنواع البلاء الذي يبتلي به عباده، وتنوّع صوره، وبين ما يقع في البلاء من الخوف والجوع والنقص في الأموال والأنفس والثمرات وغير ذلك، ومعلوم أن نقص الأنفس بالموت إنما يكون لأسباب عديدة، منها الحروب والأوبئة كالطاعون وغيره من الفيروسات والأوبئة المهلكة، فقد قضى الله عزَّ وجلَّ على كل إنسان نصيبه من البلاء، فهناك من يُبتلى بنقمة أو مرض أو ضيق في الرزق أو حتى بنعمة، فمنهم من سيفهم حكمة الله تعالى في ابتلاءه، فيهون عليه الأمر، ومنهم من سيجزع ويتسخَّط، فيزداد الأمر سوءًا عليه، فقد حثّنا -سبحانه- على الصبر على ابتلائه لنا بذلك، وبيَّن حسن عاقبة الصابرين على البلاء.
قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[البقرة: 155-157].

وبيّن أن ذلك الابتلاء إنما هو لحكمة اختبار صبرهم وعزيمتهم، وبه تُرفع درجاتهم، قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}[آل عمران: 142].
اي، أم حسبتم أن تدخلوا الجنة بمجرد تصديقكم الرسول قبل أن يبتليكم الله بالجهاد وتشديد المحنة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله “ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة” رواه الترمذي.
وقال رسول الله “مَنْ يُرِد الله به خيرًا يُصِبْ منه”رواه البخاري.

كما أنّ الله تعالى قد ابتلى الأنبياء والمرسلين، وهم ليسوا عصاة ولا مذنبين فيُظنّ أنّ ابتلاءهم عقاب لهم، وقد غفر الله لرسوله -صلى الله عليه وسلم- ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، ومع ذلك كان -صلى الله عليه وسلم- أشدّ الناس بلاءً، وكان ذلك في أغلب أحوال الأنبياء لرفع درجاتهم وليتأسَّى الناس بصبرهم وحُسن بلائهم، قال تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ}[الأنعام: 34].
فما تعرض له النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن سبقه من الرسل لم يك عقوبة ولا مقابل ذنوب فعلوها، وإنما ذلك سنة ماضية من الله تعالى يعقبها رفعة من الله لأوليائه بصبرهم على البلاء، وذلك بنصر رسله وإعزاز دينه وأهله العاملين به الصابرين في البأساء والضراء المجاهدين فيه.

ومن خلال ما سبق نتبيّن أنه ليس من الحتم أن يكون ما نزل بالمؤمنين من البلاء عقوبة، بل قد يكون خيرًا لهم، إمّا لرفع درجاتهم، وإمّا لتمحيصهم وإخلاص قلوبهم لله تعالى كما سيأتي، وإمّا ليزدادوا من الله تعالى قربًا وتضرعًا، وهذا يدعو إلى الرضا بقضاء الله تعالى الذي نزل بنا، ورضا العبد هو مفتاح رضا الرب، فإذا رضي الربّ رفع الكرب.

قد يعجبك ايضا
تعليقات