القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

ما هو الجنون؟

93

كتب_د.حسام حسان

 

عندما بدأت في كتابة هذا المقال، تذكرت شخص كان يمر بأحد شوارع المدينة مرتدياً بدلة ورابطه عنق بدون قميص، وكان له شعر طويل مسترسل يصل إلي اكتافه قد تم تصفيفه بعناية، كما كان له شارب ولحية طويلة تميل إلي اللون الأصفر، وكان الرجل دائماً يسير حافياً بدون حذاء ومشمراً عن ساقيه ، حاملاً جهاز تسجيل ضخم تصدر عنه موسيقي أجنبية صاخبة يتراقص الرجل علي الحانها، بينما يسير ورائه مجموعة كبيرة من الاطفال مرددين عبارة (المجنون اهو العبيط اهو) حتى يخفت الصوت وينتهي ويغيبون جميعاً عن النظر.

كنت أتأمل المشهد وأتساءل كثيراً لماذا يرتدي الرجل هذه الملابس العجيبة؟ ومن أين يأتي في كل مرة؟ وإلي اين يذهب؟ وكانت الاجابة المعتادة في كل مرة هي لأنه مجنون.

علمت بعد ذلك أن الرجل كان يعمل مهندساً علي بريمه بترول بأحد المواقع بالبحر الأحمر، وكان يُنقل لموقع عمله بطائرة عامودية(هليكوبتر) وهو ما يعني أنه كان من صفوة القوم في تلك الفترة، حتي ظهرت عليه أعراض المرض وتدهورت حالته وأصبح علي الهيئة السابق ذكرها.

وعلي هذا فهل يمكن اعتبار أن لفظ الجنون له أصل علمي، فالأصل اللغوي يأتي من الفعل(جُنّ) أي اختفي أو أظلم، وهو علي ذلك يعني غياب العقل أو اظلامه، وبالتالي فهو لفظ عام وليس له دلاله محددة في علم النفس وفي ضوء ذلك يمكن تحليل المشهد السابق بما يسمي المرض العقلي وهو مصطلح علمي واسع يطلق عليه في المراجع النفسية (الذهان)، وتندرج تحته طائفة كبيرة من الأمراض التي تنتج عن اختلال هرمونات الدماغ(السيرتونين- الدوبامين-نورادرينالين)، والتي تؤدي إلي عرضيين أساسيين هما الهلاوس(السمعيةوالبصريه) والضللات العقلية.

والهلاوس التي نعنيها هي أصوات ورؤي لايسمعها ولايرها إلا صاحبها، فهناك دائماً من يتحدثون إليه ويراهم شاخصين امامه ويدخل معهم في أحاديث مطوله ينفعل فيها بالضحك أو البكاء أو السباب ويظن من حوله أنه يتحدث إلي نفسه.

أما الضللات فهي افكار مرضية، وبالرغم من حمقها وعدم قبول العقل لها بأي حال من الأحوال، إلا أن صاحبها يصدق فيها تمام التصديق، ولا يستطيع كائن علي وجه الأرض أن يثنيه عنها(أنا مراقب من المخلوقات الفضائية- أنا المهدي المنتظر-هناك من يترصد خطواتي –استطيع التحدث إلي الطير والحيوان),

ومن خلال ما سبق وما أصبح لدينا من معلومات نستطيع اعادة تحليل المشهد، فالرجل ليس عبيطاً أو مجنوناً، وانما ينفذ أوامر قد وصلته عن طريق هلاوسه السمعية والبصرية فجعلته يرتدي هذه الملابس ويسير بهذه الطريقة، إنه الذهان الذي صنع له عالماً افتراضياً وأجبرة علي العيش فيه، والذي قد يدخل في نشأته عوامل وراثية وجينيه وعضويه بصورة أكبر من المؤثرات النفسية والاجتماعية.

هذه نبذة عن المرض العقلي وكيفية حدوثه علي المستوى الهرموني، اما انواعه ودور العوامل النفسية والبيئية في حدوثه فهو موضوع المقال القادم بإذن الله.

 

قد يعجبك ايضا
تعليقات