القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

حجاب المرأة في الإسلام رؤية فطرية

252

د.عصام علي

كانت المرأة قبل الإسلام تحيا حياة ازدواجية حادة :فهي إما مصونة لدرجة نسيانها ، وإما مبتذلة لدرجة احتقارها ؛ لذا وجدنا العربي الجاهلي لا يعرف التعامل معها على أي وجه ، فتشتت فكره ، وتبعثر في محرابها جَنانه ، المصونة لا يراها ولا يعرفها ، فهي عنده في حكم المعدوم ، والمبتذلة يرى منها كل شيء ، يرى شعرها ومقدمة أحقاق نهدها مع رقبتها ؛ حيث كانت ترمي بحجابها من خلفها؛ لذا أيقن – بعدما رأى – خسة وضعها ، وعلى هذا الأساس بنى معها علاقته بالحياة ، فأهانها تارة ، وقام بوأدها قبل أن تجلب عليه العار بعريها ، وإذا تركها تحيا الحياة راح يظلمها في أحق حقوقها، ولقد كان مبعث هذا ومحركه الأكبر مظهر ابتذالها وعدم احتشامها..

جاء الإسلام ليهدم تلك النظرة ، ويقيم على أنقاض هذا الاختلال البشري مدينة متزنة الجمال موزعة محاسنها في أرجاء المعمورة ، فلا يضطرب بشر ، ولا يئن من تأجج الحياة مخلوق، فأرسى الحجاب عفة للمجتمع بأسره ، نفعه يصل للرجل قبل المرأة ، ويجعل في قلبه من ناحيتها طمأنينة وودا ، فلا يرى منها ما يؤجج حيوانيته ويسيل لعاب شهوته!

كان الحجاب عفاف المرأة ليس فقط أمام البشر ، ولكنه – أيضا – عفافها بينها وبين نفسها ، فلا ترى نفسها إلا جوهرة نفيسة من شأنها الحفظ والصيانة ، تختلف عن الرجال في تكوينها؛ ولهذا وضع لها ما يناسب تكوينها ويحفظه من المهانة والابتذال.
لقد منح الإسلام للمرأة حجابا ؛ حتى يسعد داخلها، ويكون حاجزا منيعا أمام كل من لقيها؛ إذ إنه على هذه الحال عاصمها وسلاح جمالها المخفي ..

وفي نفس الوقت أراد من حكمة حجابها تنشئة جيل يحترمها ويقدرها ، فالولد حين يرى أمه في البيت كاشفة شعرها بلباس يختلف عن لباسها أثناء خروجها – يدرك أن ستر المرأة وقيمتها ليس في أمه فقط بل في كل امرأة محتجبة ، والأمر يتخطى الذكور من الأبناء ليصل إلى العامل الأخطر في المعادلة ( وهي الفتاة ) فحين ترى أمها تخرج برداء الحشمة والعفاف يلازمها
_ نجدها تتخلق به ولا يبتعد عنها كظلها ، بل ينطلق من تصرفاتها كجريان اسمها على لسانها حين تُسأل عنه.

أراد الإسلام مجتمعا هادئا خاليا من النواكص ؛ فأوجب على النساء الحجاب بزي حُددت أوصافه بألا يصف وألا يشف وأن يستر الجسد ، وأباح لهن النقاب ؛ حتى يضمن الحياة الوسطية التي لا تعرف تفريط الجاهلية ، ولا إفراط المتشددين الذين يفهمون من الدين أقله ويحسبون أنهم يؤدون أكثره!

لم يكن الحجاب في الإسلام وسيلة لحجر المرأة عن انطلاقها الفكري والعلمي في الحياة ، ولا كان عائقا لها من لقاء فارس أحلامها ، بل جعله في كلا الحالين الضمان لإبراز قيمتها الداخلية ، وبيان إمكانياتها دون تدخل لجمالها الجسدي في شيء ، وبالنسبة للأخير ( لقاء فارس الأحلام) فأمره يزداد حكمة وهو أن الإسلام أراد لها اللقاء بذلك الرجل الذي يقدّر عفافها ولا يرتاب لحظة في صيانتها لعرضه ، وذلك لعمر الله البقاء والخلود لهذه العلاقة ( الزواج) في أجمل صورها وأحوالها، حيث قيامها على الثقة المطلقة!

إن صيانة المرأة أمر تكفل به الإسلام ؛ ليهبها بعضا من حقها المهضوم على مر العصور، لكن الكثير من نساء زماننا تخلين عن هذه الحماية، وأبين إلا الانسياق وراء أهواء فارغة لا تدرك من العقل مقدار قطمير، فرأينهن يلطخن وجوههن بالكثير من الألوان التي تأنف منها النفوس السامية، ناهيك عن اللباس الواصف لأجسادهن وربما كاشفها! ولو تروت إحداهن جزءا من ذاك الوقت الذي تنفقه أمام المرآة في وضع تلك الألوان لأدركت بذلك أنها تبيع التحديق إليها بأثمان مختلفة كلها تقلل من قدرها وتحط من شأنها، فالبعض في نفسه يسبها، والبعض ينظر إليها نظرة اشتهاء يقضي معها وطره دون التفكير في أي شيء آخر ، والبعض يسخر من فعلها واصفا إياه بالخبل، والبعض يرى في فعلها التزييف التام لحقيقة قبحها!
ومع هذا البيع الخاسر خسارة أكبر تتمثل في معاداتها للشريعة وللمجتمع، فهي بهذا اللباس تؤجج نارا عملت الشريعة على إخمادها؛ حتى يعيش المجتمع هادئا مستقرا، تحيا فيه المرأة كائنا تنبع قيمته من خلال علمه وعمله لا من خلال جسده وزينته!

ربما يفهم من العنوان أني أتحدث عن الحجاب المقصود به غطاء الرأس فقط، وليس هذا مقصدي، فلقد حمّلت العنوان دلالة أكبر ليشمل زي المرأة كاملا، ذلك الزي الذي حددته الشريعة وأكدت عليه الفطرة النقية؛ لذا جاء حديثي عن تأكيد الفطرة والواقع لما جاءت به الشريعة!

قد يعجبك ايضا
تعليقات